تسرّب مدرسيّ مقلق

تخطّت ظاهرة التسرب المدرسي  الخطوط الحمراء. أسبابها كثيرة ومتشعبة. جهات كثيرة تتحمل المسؤولية. المؤسسات التربوية والعائلات ليست بريئة تماماً. فالأوضاع الاقتصادية، أيضاً، فرضت على بعض الأسر خيارات كهذه، من دون أن يكونوا راضين عنها. يحدث كل هذا وسط غياب أي دور حكومي لإيجاد حلول، أو تأمين فرص عمل.
الأرقامُ مخيفة، وتُهدّد المجتمع، وسط صمت مطبق باستثناء بعض الخبراء التربويين. وحدها الدراسات تدق ناقوس الخطر، علماً أن هذه الظاهرة بدأت تؤرّق أمن المجتمع في ظلّ ارتفاع معدل الجريمة. حتى بات هؤلاء الأطفال بمثابة قنبلة موقوتة، ستؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع معدّل البطالة، وزيادة نسبة الفقر، من دون أن يكون هناك في الأفق أية بوادر لإيجاد حلول لهذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم.
وكانت تقارير رسمية سابقة أشارت إلى أن الجزائر “سجلت خلال السنوات القليلة الماضية 500 ألف حالة تسرب مدرسي، أي نحو 30 في المائة من نسبة الأطفال في المدرسة، مما دفع بالمتخصصين إلى دق ناقوس الخطر”. وشددوا على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للحد من هذه الظاهرة التي عزوا أسبابها إلى عوامل اجتماعية واقتصادية عدة.
أكثر من 83 ألف تلميذ في المرحلة المتوسطة يتركون مقاعد الدراسة

وأعلنت منظمة “اليونيسف” في تقريرها لعام 2013، أن 83 في المائة (أكثر من 83 ألف تلميذ في السنة الرابعة متوسط) يتركون مقاعد الدراسة، مطالبة النقابات التربوية وجمعيات أولياء التلاميذ بإيجاد آلية لحل هذه الأزمة، وتوفير وسائل نقل للأطفال لتقليص هذه الأرقام المخيفة.
التسرب والجريمة
في السياق، حذرت دراسة أجرتها المجموعة الإقليمية للدرك الوطني (أعدها ضباط) من ظاهرة التسرب المدرسي، وقالت إنها السبب الرئيسي وراء جرائم القتل والسرقة والمخدرات خلال السنوات الثلاث الماضية (2011 ـ 2013)، باعتبار أن المتورطين فيها شباب تركوا مقاعد الدراسة.
وأكدت أن “40.1 في المائة من الذين تورّطوا في ارتكاب جرائم خلال السنوات الثلاث الأخيرة هم شباب من مواليد (1990 – 1995)، تركوا المدرسة خلال مرحلة التعليم المتوسط”.
من جهة أخرى، كشفت رئيسة المكتب الوطني لحماية الطفولة وجنوح الأحداث في مديرية الشرطة القضائية للأمن الوطني، خيرة مسعودان، “تسجيل تورط 6836 طفلا في مختلف أنواع الجرائم العام الماضي، بينهم تلاميذ تركوا التعليم في عمر مبكر”.

تورط 6836 طفلا في مختلف أنواع الجرائم العام الماضي
وتعدّ جرائم الضرب والاعتداء المتعمّد من بين أكثر الجرائم التي يتورط فيها الأحداث (1582 قضية)، تليها الجرائم المتعلقة بالآداب العامة والعائلة (417 حالة)، ثم تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة (362 حالة)، وتخريب أملاك الغير (298 حالة)، فيما تورط 54 طفلاً في الاعتداء على أهاليهم.
وإلى جرائم القتل، تلفت مسعودان إلى تسجيل تورط 20 طفل في جرائم قتل، إضافة إلى تورط خمسة أطفال في الاعتداء على أشخاص عمداً، مما أدى إلى وفاتهم. من جهة أخرى، أوضحت أن “العنف طال أيضاً المؤسسات التربوية، وتم إحصاء 159قضية، أسفرت عن 146 ضحية وسط التلاميذ، و8 أساتذة وثلاثة مديرين، فيما تورّط 138 شخصا من الوسط المدرسي أيضاً في العنف، بينهم 58 تلميذاً”.
في السياق، قال الخبير القانوني محمود شيماني  إن “ظاهرة التسرب المدرسي تبقى السبب الرئيسي لتفشي الإجرام بين الشباب. إذ يسهل انحراف هؤلاء وارتكابهم الجرائم، بخاصة أنهم يعانون من الفراغ”.
ولفت إلى أن “عدم تقبل الطالب والتعرف إلى مشاكله، ووضع الحلول المناسبة له، أدى إلى وجود فجوة بينه وبين المجتمع المدرسي، فكان ذلك سبباً لعدم الثقة في العملية التعليمية برمتها واللجوء إلى فضاءات أخرى علها تكون أكثر تقبلاً له”.
وأضاف “في ظل ارتفاع نسبة التسرب، يُصبح مصير التلاميذ مسؤولية المجتمع ككل وليس النظام التربوي وحده. ولا يمكننا غض النظر عن الظروف الاجتماعية التي مررنا بها خلال العشرية السوداء (بداية عام 1990)، التي أثرت بشكل أو بآخر على الأجيال الجديدة”.
من جهتها، لفتت مديرة إحدى المدارس والخبيرة التربوية كريمة ماروك لـ “العربي الجديد”، استناداً إلى بحثها الذي أعدته العام الماضي وحمل عنوان “أثر التسرب المدرسي على ارتفاع نسبة الجريمة لدى الأحداث”، ونشره معهد تكوين المعلمين، إنه “بعد تحليل ظاهرة التسرب المدرسي نظرياً، زرنا حي باب الواد الشعبي للتعرف عن قرب إلى مسببات هذه الظاهرة.
أجرينا استبياناً مع شباب كانوا يمارسون أنشطة تجارية فوضوية، وينتمون إلى شرائح مختلفة، لمعرفة أسباب التسرب المدرسي”.
وأظهرت النتيجة أن “83 في المائة تركوا المدرسة بسبب أوضاع عائلاتهم الاقتصادية الصعبة، في ظل الغلاء والبطالة، مما يضطرهم إلى إجبار الأطفال على النزول إلى سوق العمل.
فيما عزا 66 في المائة المشكلة إلى تفكك العائلة الناتج عن الطلاق أو كثرة الخلافات الزوجية، و33 في المائة إلى تدني وعي هذه الشريحة من المجتمع بأهمية التعليم، و16 في المائة نتيجة الرسوب المتكرر وإهمال الأهل”.

العربي الجديد