يرفض الكثيرون في المجتمع المغربي عمل المرأة في الليل، ويرون أن في الأمر إدانة لها. وفي الغالب، لا يجدون مبرراً للأمر. السعدية (47 عاماً)، وهي عاملة نظافة في أحد الفنادق، أجبرتها الظروف على العمل في الليل، تقول لـ”العربي الجديد”: “لم أختر توقيت العمل بمحض إرادتي، بل اضطررت إلى ذلك. برأيي، لا أحد يستمتع بالعمل في الليل، لكنها الحاجة إلى المال. أنا امرأة مطلقة ولديّ أطفال يجب إعالتهم. طليقي عاطل عن العمل، ولا يملك المال. لجوئي إلى المحاكم لن يغير الوضع. لهذا اضطررت إلى الخروج من البيت والبحث عن عمل”.
تُضيف أن “نظرات الجيران حين أعود إلى البيت في الليل لا ترحم، يستغربون الأمر. وأحياناً أشعر بأنهم يحتقرونني ويعتقدون أنني لست جديرة بالاحترام. كان الأمر يضايقني في البداية. لكن مع مرور الوقت، لم أعد أهتم؛ لأن ما أقوم به عمل محترم، ولا أحد من هؤلاء عرض عليّ المساعدة يوماً ما”.
سُعاد (28 عاماً)، وهي موظفة في شركة، تقول بدورها إن “عمل المرأة في الليل ليس عيباً كما يُروّج البعض”. وتوضح أنه “عليها أن تؤمن بأنها ليست أقل من الرجل. ولأنها قررت منافسته، لا يجب أن تكون مجرّد موظفة شبح”.
وتشرح سعاد أن “المرأة قوة فاعلة في المجتمع. لذلك يجب عليها أن تثق بنفسها وبقدراتها، وألا ترضى أن تكون مجرد رقم إضافي”. من جهة أخرى، تلفت إلى أن بعض النساء يهربن من العمل في الليل “للحفاظ على جمالهن. إلا أن تفكير هؤلاء محدود برأيي. فالمرأة التي تناضل من أجل لقمة العيش يستحيل أن تكون محدودة التفكير”.
كرامة وأنوثة
يصف العديد من المغاربة عمل المرأة بـ”الأمر المشين”، إذ يسيء إلى سمعتها وكرامتها، ويفقدها أنوثتها، ويؤثر سلباً على أسرتها وأبنائها. في السياق، يقول عبد الرحمن (54 عاماً) إنه “بشكل عام، العمل في الليل يُسيء إلى الرجل والمرأة. الأصل أن يعمل الإنسان في النهار ويرتاح في الليل، مع بعض الاستثناءات، خاصة في قطاعي الأمن والصحة”. ويرى أنه “ليس بالضرورة أن تنخرط المرأة في جميع الأعمال على غرار الرجل”. ولا يجد سبباً “مقنعاً لتعب المرأة، الكائن اللطيف”، كما يصفها. “هي التي يلجأ الأبناء إلى صدرها أكثر من الرجل بطبيعة الحال. الأمر يعود إلى طبيعة كل منهما”.
ويشير عبد الرحمن إلى أن “هناك أعمالا لا يمكن أن يقوم بها إلا الرجل. وفي حال اضطرت المرأة لذلك، يجب أن تُهَيأ لها الظروف المناسبة”. ويصر على “التزام الرجل والمرأة بواجباتهما الأسرية”. ويلفت إلى “ضرورة تأمين ذهاب وعودة آمنة للمرأة من وإلى عملها”.
من جهة أخرى، تعتبر رحمة (34 عاماً)، وهي موظفة، أن “العمل في الليل مخصص للرجل فقط. كما أن عمل المرأة في النهار يستهلك كل وقتها، وبالتالي لا داعي لأن تعمل في الليل أيضاً”. تقول “الأمر ليس سهلاً على الإطلاق بالنسبة للمرأة الزوجة، والأم على وجه الخصوص. في النهار يكون أطفالي في المدرسة وزوجي في العمل. لكن الليل هو الذي يجمع العائلة. خروج المرأة للعمل في الليل يعني أنها تفتح الباب أمام المشاكل، خاصة أن حجم المسؤولية لديها مضاعف. هي الحضن والأمان”.
تضيف: “لا أرى أية ضرورة لأن تعمل المرأة في الليل. قد ينوب عنها الرجل، يكفيها عناء النهار. أكثر من ذلك، فهي غالباً ما تكون عرضة للخطر في الليل، حتى لو كانت داخل سيارتها”.
عمل إجباري
ولم يُظهر نائب عمدة مدينة سلا عبد اللطيف سودو، أي رفض لعمل المرأة ليلاً. إن “معظم النساء لم يخترن ذلك، بل هن مجبرات على ذلك لتأمين لقمة العيش من دون الحاجة إلى أحد. هؤلاء يرفضن الشفقة”. يضيف: “يجب على أصحاب العمل والدولة حماية المرأة، خاصة أن عملها في الليل قد يعرضها للكثير من المضايقات، أو التحرش. لذلك، يجب إيجاد الطرق المناسبة لتسهيل عملها”.
أما عائشة، وهي موظفة في إحدى المصالح الحكومية، والتي يضطرها عملها للبقاء حتى وقت متأخر من الليل، فتقول إن “العمل خلال الليل أمر مرهق، وقد يعرض المرأة إلى مخاطر كثيرة”. لذلك ترى أنه “من الأفضل أن يؤديه الرجل. كما أن الأطفال بحاجة إلى وجود الأم مساء أكثر من الأب”. وتُضيف أن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد “حين أعود إلى البيت في وقت متأخر، أخاف أن يراني أحد لا يعرف طبيعة عملي. فكل امرأة تتأخر في الرجوع إلى بيتها أكثر عرضة للشبهات. فالمجتمع المغربي يرى أن الليل هو وقت للهو فقط وليس للعمل”.
من جهته، يرى إسماعيل (40 عاماً) وهو مدرس، أنه “يجب التمييز بين بعض الأعمال التي تتطلب حضور المرأة، ويصعب على الرجل أداؤها، على غرار قسم الولادة الذي يحتاج إلى ممرضات وطبيبات، أو رعاية النساء في دور العجزة والمسنين والأطفال. فلا حرج أن تعمل المرأة في الليل، علماً أنه يجب مراعاة طبيعتها كزوجة وأم، ومنحها امتيازات إيجابية لناحية التشريعات والقوانين، وضرورة استفادتها من حقوقها كاملة”. يضيف: “أما بالنسبة للوظائف التي لا يعدّ وجود
المرأة ضرورياً فيها، ويمكن للرجل أن يحل محلها، مثل العمل في أقسام الشرطة، أو محطات الوقود، أو قيادة سيارات الأجرة، أو الحراسة، فمن الأفضل الاستغناء عنها؛ مراعاةً لطبيعتها وأنوثتها، خاصة في المجتمعات الذكورية أو المحافظة
“.
العربي الجديد