داعش يعلّم الأطفال “لعبة” الرجم

في إقليم كردستان العراقي، لم يكن الطفل ياد بسنواته الخمس، يلعب ألعاباً مغايرة لمن هم في سنه. لكنّ الحرب بين قوات البيشمركة الكردية وتنظيم الدولة الإسلامية المعروفة إعلامياً باسم “داعش”، بدّلت ذلك. فأصبحت الأسلحة الرشاشة والمسدسات والسيوف وتقليد أدوار المسلحين، أفضل الألعاب لديه. يمضي ياد وقت اللعب مع أقرانه في لعبة “مطاردة تنظيم داعش”. فمجموعة تلعب دور مسلحي التنظيم، وأخرى تؤدي دور عناصر البيشمركة.
وتقول والدة الطفل شيرين فرهاد إنّه طلب منها بعد أحداث الموصل، مسدسات ورشاشات بلاستيكية. وتضيف: “اعتقدت بادئ الأمر انّه نوع من تطور اللعب لديه، لكنّه بات يحمل الأسلحة ولا يتركها إلّا وقت النوم”. وتشير فرهاد إلى أنّ ابنها بات يلعب مع أصدقائه ألعاباً مغايرة، منها مطاردة داعش. لكنّ أكثر ما أثار الفزع داخلها، مشاهدتهم ينفذون من ضمن اللعبة “مشهد رجم أحد الأطفال، أو تنفيذ حكم الإعدام به، كتقليد لما يقوم به التنظيم الإرهابي”.
وتتابع فرهاد: “منعت ابني من الخروج للعب مع أصدقائه، إلّا أنّ حالته النفسية تأثرت، وبات منطوياً على نفسه. ولم يرجع لألعابه السابقة. أعتقد أنّه بحاجة إلى علاج نفسي”.
من جانبه، يقول أستاذ علم النفس في جامعة السليمانية طه حسين، إنّ “ما يحصل للأطفال يعكس حالة من فوبيا الخوف. والخوف هو أولاً من تأثير الحرب المباشر عليهم، وإمكانية أن يحصل لهم ما يشاهدونه في مقاطع الفيديو التي يتأثر بها الكبار والصغار نفسياً، دون مراعاة لهذا الجانب في ما يعرض على الشاشات”. ويوضح حسين أنّ “الخطر يكمن في أن يصبح تكرار ما يقلده الأطفال من مشاهد وسلوكيات جزءاً من شخصياتهم عند النضوج. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة أمراض نفسية بسبب مشاهد العنف، لم تكن موجودة من قبل لدى الأطفال في إقليم كردستان”.
ويتابع حسين أنّ “هناك مخاوف حقيقية من تأثر الأطفال بالأشخاص الذين يظهرون في هذه المشاهد. فإذا قلد الطفل مقاتلي البيشمركة، فإنّ هذا يزرع فيه روح الدفاع عن الوطن، ويحفز فيه زرع خطط الدفاع والمقاومة. لكنّ المصيبة الكبرى أن يتأثر بشخصيات مسلحي تنظيم داعش”.
من جهتها، تقول عضوة “منظمة مندال باريز” المعنية بشؤون الأطفال، في إقليم كردستان، نرمين شوان، إنّ “قنواتنا المحلية لا توجد لديها أي مراعاة في بث مقاطع مصورة تعرض العمليات العسكرية الدائرة في حرب البيشمركة وتنظيم داعش. فما يهمها هو تحقيق أعلى نسبة مشاهدة دون التفكير بالتأثير السلبي في ما يعرض، بخاصة على الأطفال”.
كذلك تشير إلى أنّ المشكلة لن تحلّ بامتناع وسائل الإعلام فقط، عن بث هذه المشاهد “فالعائلات تشاهد هذه المقاطع عبر الإنترنت وتتناقلها دون وعي بتأثيرها على الأطفال”.
وتشهد الأسواق في كردستان، إقبالاً على شراء لعب تحاكي واقع الحروب والمواجهات العسكرية مع داعش وغيرها، بينما يؤكد التجار أنّ حرب داعش أنعشت سوق اللعب، وباتت لعب الحرب هي الأكثر رواجاً.
بدوره، يقول رزكار مصطفى، وهو صاحب متجر في السليمانية إنّ اللعب التي كانت مفضلة سابقاً هي السيارات والعرائس. لكن “منذ بدء حرب داعش في يونيو/ حزيران الماضي باتت لعب الكلاشنكوف والمسدسات والسيوف والمفرقعات وسيارات الهامر العسكرية هي الأكثر طلباً”. ويكشف أنّ أصحاب المتاجر يحاولون استيراد المزيد من هذه اللعب، بخاصة أنّها “تشهد إقبالاً عليها من الجنسين، الأولاد والفتيات”.
ويلفت مصطفى إلى أنّ “الأهل يحاولون إقناع أولادهم بشراء لعب أخرى، دون طائل. فالأطفال مصممون على القنابل والأسلحة”. ومع ذلك يشير إلى أنّ “ثمن هذه اللعب لم يرتفع رغم زيادة الطلب. فيتراوح سعر اللعبة بما بين 10 دولارات أميركية و250 دولاراً”.

العربي الجديد