الجمعية وحدة بشرية تعنى بخدمة الأعضاء المكونين لها، والذين تجمعهم أفكار وآمال معينة سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو فنية، وتقوم بتلبية حاجات جماهيرها من خلال خطط وبرامج محددة تقوم بوضعها وتنفذها الهيئات التي تتألف منها.
وفكرة تأسيس الجمعيات هي تأكيد على الممارسة السليمة للديمقراطية على المستوى السياسي والاقتصادي.
ويمكن القول أن الجمعيات هي وليدة الفكر التعاوني، فمنذ الأزل ظهرت في العالم الأفكار والمبادئ التي تدعو الناس إلى التعاون والتآلف فيما بينهم، وقد كانت تلك الدعوات تأتي في أغلب الأحيان كردّ على غضب الطبيعة أو اتقاء لشر خارجي أو لدفع بلاء محتم عن مجتمع ما.
كما كان التعاون بين أفراد المجتمع في القديم وعلى زمن المشاعيات ضرورة تقتضيها استمرارية الحياة في تلك المشاعيات، وحين جاءت الأديان كانت الدعوة إلى التعاون تأتي في مقدمة المبادئ التي تنادي بها.
وفي المجتمع الإغريقي القديم كانت أوجه نشاط المدينة الإغريقية تؤدى عن طريق تطوع المواطنين بالتعاون، ولكن هذه المعاونة كان محورها هو حرية بحث السياسة العامة مناقشتها من جميع نواحيها.
وربما لهذا السبب بقيت الديمقراطية إحدى أهم المبادئ التي يقوم عليها الفكر التعاوني.
وقد ظهرت النوازع التعاونية في أفكار الفلاسفة القدماء، فأفلاطون يعتبر: ” أن الجماعات ظهرت قبل كل شيء نتيجة للحاجات البشرية التي لا يمكن إشباعها إلا حين يكمل الناس بعضهم بعضاً “.
وأبرز أرسطو ظاهرة التعاون في المجتمع على أنها حقيقة لا بد منها في تكوينه، وقد وصف أرسطو الإنسان بأنه “حيوان سياسي” لأنه لا يمكن تصوره منعزلاً، ولهذا ” فلا بد أن يوجد في جماعة “.
إن تجميع الجهود وتضافرها من أجل العمل الجماعي لتحقيق هدف مشترك قديم قدم الحضارة، وقد نادت به الفلسفات القديمة والديانات، ومارسته شعوب الأرض قاطبة.
ولا شك في أن نجاح الإنسان حتى الآن في البقاء على سطح الأرض يعود بالدرجة الأولى إلى أنه نَزّاع إلى التعاون مع أفراد المجتمع الآخرين.
ولكن التطبيق التعاوني المعاصر على شكل جمعيات يرجع تاريخه إلى عهد قريب هو الثورة الصناعية وما نتج عنها من آثار اقتصادية واجتماعية، وما تمخض عنها من أفكار وفلسفات هزّت ولا تزال تهزّ العالم.
وبما أن مجتمعنا السوري بشكل عام والكردي بشكل خاص يفتقر إلى فرز سياسي وطبقي واضح فإنه يمكن القول أن الجمعيات بمختلف أشكالها وأهدافها يمكن أن تساهم إلى جانب التنظيمات والأحزاب المختلفة في خدمة شريحة واسعة من الجماهير وإشباع حاجاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية والفنية.
وإذا لم تنحرف الجمعيات وخاصة الناشطة في خضم الثورة السورية بمختلف تسمياتها وغاياتها عن استراتيجية بناء الإنسان، ولم تنجرف إلى مستنقع الاصطفافات والولاءات السياسية الحزبية، أو الاقليمية، أو المصالح الشخصية لقادتها ومؤسسيها؛ ولم تغرق في أنهار المال السياسي الفاسد والمفسد؛ فإن عملها سيكون سعياً إلى جانب كل القوى الخيرة في هذه البلاد إلى تحقيق مجتمع عصري ديمقراطي إنساني ينبذ استغلال الانسان للإنسان بكافة صنوفه.
11/11/2013
المحامي فاضل موسى