التعليم في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم ” داعش “

منع منعاً باتاً أن يقوم معلمون ذكور بتعليم الطالبات، كما منع المعلمات أيضاً من تعليم الذكور فوق سن الـست سنوات.
حُذف من مادة العلوم، كل شيء يتعلق بنظرية دارون، أو رد الخلق للطبيعة، أو الخلق من عدم، ورد كل الخلق لله سبحانه وتعالى.

التعليم بأسسه الرصينة أمر أساسي لبناء المجتمعات, لكن في ظلّ الصراع القائم في سوريا منذ اندلاع الثورة بدأت تتوتّر الأنظمة التعليميَّة وتختلف المناهج من منطقة إلى أخرى حسب “سلطة الأمر الواقع” التي تحكم المنطقة في مختلف المحافظات السورية, وكل سلطة أمر واقع تفرض جدلها التعليمي, ففي سوريا هناك ما يقارب سبعة مناهج دراسيَّة بدءً من التفكير السلفي وانتهاءً بالمناهج الكرديَّة, وأغلبية هذه المناهج تنظر إلى الآخر الذي لا يتفّق مع فكرها نظرة إبادة وليس تعايش, ومن هذه التنظيمات وسلطات الأمر الواقع, سلطة الدولة الإسلامية في العراق والشام التي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السوريَّة وبدأت فعليَّاً بتطبيق منهجها التعليمي وطرح أفكاره وتنفيذها بالقوَّة , فحسب “تعميمٍ” صادر مؤخرَّاً عن (ديوان التربية والتعليم) التابع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وجّهتهُ إلى كلّ المؤسسات التربوية والتعليمية في المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم في مناطق شمال سوريا, وبعض المناطق في شرق سوريا لم يعد بإمكان الطلَّاب في هذه المناطق تلقّي أي دروس تعليمية في مواد التاريخ والفلسفة, كما لم يعد بمقدورهم تعلّم فنون الرسم والموسيقى, أو حتّى الحديث عن الانتخابات والديمقراطية, إضافَةً إلى أن التعليم لدى تنظيم الدولة الإسلامية يتّسم بالعنف, وينظر  هذا التنظيم إلى التعليم من زاوية دينيَّة ويطبق منهجه على اعتباره “منهجاً أممياً” يمكن تطبيقه على تلاميذ سوريا والعراق وغيرهم.
ويتبع “داعش ” نظاماً أقرب الى النظام البدويّ، ويقوم بتعليم الأطفال ومنذ سن العاشرة كيفية استخدام السكين للذبح، بالإضافة إلى ثقافة العمليات الانتحارية وغيرها, وقد ذكر التعميم الذي يأتي ضمن حملة تعليمات أصدرها التنظيم الإسلامي المتشدد أنه سيتم إضافة مواد تعويضيَّة عن تلك المواد التي تمّ إلغاؤها بشكلٍ نهائي من قِبَل ما يسمَّى بـ ” مديرية المناهج في الدولة الإسلامية”.
وشملت قائمة المواد المحظورة التدريس كما ورد في التعميم الصادر مواد تعتبر مواداً مهمَّة لا بل هي الأساس في كل تربيةٍ عقليَّة صحيحة والمواد التي تمّ حظرها هي: التربية الفنية الموسيقية والتربية الوطنية والدراسات الفلسفية الاجتماعية والتاريخ والتربية الفنيَّة التشكيلية والرياضة بالإضافة إلى التربية الدينية الإسلامية والمسيحية, كما واحتوى التعميم على فرض شطب جملة ( الجمهورية العربية السوريَّة ) أينما تواجدت واستبدالها بعبارة ” الدولة الإسلامية” ومحو كافَّة الصور التي لا تتوافق والشريعة الإسلاميَّة, وأيضاً حذف النشيد العربي السوري وشطب عبارة وزارة التربية ووضع عبارة وزارة التربية والتعليم أو ديوان التربية والتعليم في الدولة الإسلاميَّة.
وكلّ هذه القرارات والتعميمات هي سلسلة من محاولات فرض الفكر الديني المتشدد, والأهالي بشكل عام ليسوا مرتاحين لهكذا تعليمات وخاصَّةً فيما يخصّ بالتربية والتعليم, كما يحدِّثنا مواطن سوري نزح من مدينة دير الزور إلى مدينة الرقة الخاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية: “كل هذه التعليمات التي تقرَّر بالقوَّة تسبّب ضرراً بالنسبة للأطفال مستقبلاً بسبب خلل طرائق التعليم المعتمدة على الجانب الشرعي فقط والمتديِّن ومدى خطورة هذه التعليمات في حال تطبيقها لأنها تساهم في تأسيس جيل متشدِّد وسلفيّ”. وقد تضمنَّت التعليمات عدم تدريس مفهوم الوطنيَّة والقومية وإنما شعور الانتماء للإسلام وأهله والبراءة من الشرك وأهله وإن بلاد الإسلام هي البلاد التي يحكم فيها شرع الله وأن يحاول المعلم على الدوام سدّ منابع النقص بالنسبة لمادة قواعد اللغة العربيَّة المترتبة على الحذف وبأمثلة لا تتعارض مع الشريعة أو سياسة الدولة الإسلاميَّة.
وتضمن البند العاشر من التعميم “يحذف من مادة العلوم، كل شيء يتعلق بنظرية دارون، أو رد الخلق للطبيعة، أو الخلق من عدم، ورد كل الخلق لله سبحانه وتعالى”، وأن “يقوم المعلم بتنبيه الطلاب دائماً إلى أن قوانين الفيزياء والكيمياء هي قوانين الله في الخلق.”
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان نقل إن ” الدولة الإسلامية في العراق والشام ” قد “منعت البنات من مستوى التعليم الأساسي وما فوق من الدوام في المدرسة ما لم يرتدين اللباس الشرعي والمؤلف من العباءة والقفازات والحجاب” .أما الأولاد، فقد طُلب منهم هم أيضاً ارتداء ما تعتبره الجماعة لباساً إسلامياً، حسب المرصد. كما وأفاد المرصد أيضاً بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” ألزم النساء “باللباس الشرعي”. كما أقر التنظيم على من لا تلتزم باللباس عقوبة ومخالفة قدرها 5000 ليرة سورية.
كما أوجب فاصل زمني يبلغ نصف ساعة على الأقل بين دوامي الطلاب والطالبات في حال اشتراكهما بنفس البناء, والاستياء من قبل المواطنين في تلك المناطق واضح ولكن لا يمكن لأيّ أحد أن يعترض من المعلمين أو الهيئات التدريسية في المدارس, إضافةً إلى تخصيص مدرّسين ومدرّسات منعاً للاختلاط بين الجنسين وكانت قيادات “داعش” الموكَل إليها مهمّة التغيير الجذري لقواعد وأسس ومناهج التعليم قد قامت باجتماعاتٍ مكثفة لإنهاء الجدل حول التعليم وإدراج مناهج تربوية إسلامية, وقد كثرت شائعات حول المنهاج الذي تمّ تأليفه ليكون منهاجاً عوضاً عن منهاج الأسد وحكومته, ومن تلك الشائعات حسب ما وردت في تقارير وتحقيقات صحفيَّة صدرت بهذا الخصوص بأنّ المنهاج الذي يتمّ تدريسه في المناطق الخاضعة للتنظيم الإسلامي هي مواد من تأليف المخابرات السعوديَّة وتتشابه إلى حدٍّ ما مناهج السعوديَّة المتشدِّدة.
كما أن تنظيم الدولة الإسلامية منع منعاً باتاً أن يقوم معلمون ذكور بتعليم الطالبات، كما منع المعلمات أيضاً من تعليم الذكور فوق سن الـست سنوات، كما وجب عزل المعلمين الذكور عن الطالبات في المدارس مع فرض نصب كاميرات  خاصَّة بالمراقبة في المدارس منعاً لأي اختلاء غير شرعي, كما أجبر التنظيم كل العاملين بالكادر التدريسي باجتيازهم “لدورة شرعية” يخضعون لها لتلقينهم المحظورات في العمل التعليمي, كما منع “ديوان التعليم” المسؤول عن فرض هذه التعليمات وغيرها على السلك التعليمي، تدريس اللغة الانكليزية أو أية لغة أجنبية أخرى من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الرابع الابتدائي، ومنع تدريس الفلسفة والقومية والتاريخ مطلقاً، كما أدرج مادتي الفقه والتوحيد كمادتين رئيسيتين على أن يتمّ التعويض عن المواد التي قُرِّرَ منعها. واختتم تنظيم “داعش” تعميمه بالتشديد، في بنده الثاني عشر والأخير، على أن “يُعتبر هذا التعميم ملزم، ويستوجب على المخالف المحاسبة”، دون أن يوضح طبيعة العقاب الذي قد يفرضه على مخالفي تعليماته. بالإضافة إلى ما نشرته المواقع والصفحات المؤيدة لهذا التنظيم أنه على كل من يرى في نفسه الخبرة الكافية لتقديم مشروع لمناهج دراسية في العلوم الدنيويَّة أن يقدّمها إليهم لمناقشته, كما وفرض الحجاب على الفتيات بدءً من الصف الخامس الابتدائي, وعادةً ما يقتحم مسلحو الدولة المدارس للرقابة على مدى تنفيذ التعليمات التي يصدرونها وقد ساد بين الناس هذا المنهج التعليمي بفعل القوة والإرهاب الممارَسين لأجل التطبيق الفعليّ وحرق كل مناهج التعليم الصادرة عن حكومة الأسد. بحجّة أن تلك المناهج هي مناهج لا تتفّق مع أفكار الدولة الإسلاميَّة.
كلّ المناهج التي تقوم “داعش” بتدريسها هي مواد مستندة على الفكر المتشدِّد لديهم, وقد تخوّف تربويون سوريون من سطوة هذه المناهج على الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم “داعش” لأن هذه المناهج تؤسس الكراهية وتعزز مبدأ التشدد الدينيّْ, فتنظيم مثل “داعش” لا يمكن نكران قوّته التأثيريَّة في فئة معينة من الناس.