صعوبات اندماج العرب في المجتمع الألماني

عندما يتعلق الأمر بالغرباء والمهاجرين، تبدو ألمانيا شديدة الحذر. فهي بشكل أو بآخر، ما زالت ترزح تحت وطأة التاريخ النازيّ. حتى على صعيد المواطنين العاديّين، يبدو التذّمر من الغرباء غير مقبول جهاراً، فيأتي سراً أو على شكل نميمة بين الجيران.
إلى ذلك، ينشط “النازيّون الجدد” من خلال برنامج سياسيّ معادٍ للأجانب بشكل واضح وصريح. وعلى الرغم من أن برنامج هذه الحركة السياسيّ يلقى استنكاراً كبيراً من قبل السياسيّين، إلا أنه يبقى حزباً مرخّصاً يخضع للقانون.
ومن هؤلاء المهاجرين الأجانب، مسلمون وعرب لهم خصوصيّة ثقافيّة ونفسيّة ولغويّة.
تخبر المهندسة المهاجرة لبنى المعايطة أن لأولادها “أصدقاء ألمان يشاركونهم اللعب ويقصدون المخيمات معاً. ولا مشاكل ثقافيّة بمعنى الكلمة في ما بينهم”. وأكثر من ذلك، تشير إلى أن المدرسة التي يقصدها أطفالها تقدّم لهم اللحم الحلال، وتسمح للبنات بارتداء لباس سباحة خاص”.
لكن ما حصل عليه أولاد لبنى من امتيازات لا تتعارض مع الشريعة الإسلاميّة، والتي تراها هي أموراً لا بدّ من توفّرها لتحقيق الاندماج، يراها عدد لا بأس به من الألمان تهديداً واضحاً لعلمانيّة الدولة. فبحسب القوانين المعتمدة في ألمانيا، يجب أن تُذبح الخراف بعد تلقيها صدمة كهربائيّة. وأيّ لحّام ألماني يخالف ذلك، يُعاقَب. كذلك، فإن السباحة تستلزم لباساً معيناً، وإدخال تعديلات عليه، لا يتناسب مع الفكر الألماني. وهو ما يعني أن السماح لفئة ما بممارسة حياتها وتقاليدها بما يخالف النظام في ألمانيا، أمر يثير حفيظة كثيرين.
وكان قرار سويسرا الصادر مؤخراً الذي يمنع نزول أي كان إلى الشاطئ بغير ثياب السباحة “المتعارف عليه أوروبياً”، قد أثار غيرة ألمانيّين كثر. فمؤخراً، انتشرت صور رجل مسلم يسبح في البحر، في حين جلست زوجته وهي ترتدي ثيابا شرعيّة مكتفية فقط بالنظر. والمظهر بالنسبة إلى البعض من مشكلات عدم تحقّق الاندماج.
من جهة أخرى، قدّمت شادية أبو حمدان وهي تنشط في مجال الاندماج في برلين مؤخراً، مشروعاً تحت عنوان “أهل ومدارس”، هدفه توثيق الروابط بين الأهل المهاجرين وأبنائهم من جهة والمدرسة الألمانيّة من جهة أخرى. تقول إن “عمليّة الاندماج تتطلب طرفَين. هي لا تُفرَض على العرب أو الأتراك ليقوموا بها منفردين. يجب أن يشعر المهاجرون بأن لغتهم وثقافتهم محترمتان. هم الطرف الأضعف في بلاد الاغتراب، لذا لا بدّ من أن يقوم الألمان بخطوة، وأن ينفتحوا على المهاجرين العرب، ليس فقط من خلال إجبارهم على الذهاب إلى مدارس لتعلم اللغة، إنما أيضاً من خلال احترامهم واحترام عاداتهم وتقاليدهم”.
واللغة هي أبرز العوامل التي تعيق الاندماج. الألمان يشدّدون على ضرورة أن يتعلم الأجنبي اللغة، حتى يتمكنوا من التواصل معه. لكن كثيرا من العرب “يُظهرون تكاسلاً في تعلم اللغة الألمانيّة”، بحسب ما يلفت الدكتور في القانون توفيق ريحان، الذي يقول: “يؤسفني أن أرى عرباً كثرين يتقاعسون عن تعلم اللغة، معتبرين أن الأمر ليس مهماً طالما أننا نحصل على المعونة”. ويضيف: أن في ذلك فهماً خاطئاً لمفهوم المعونة الاجتماعيّة.
وتجدر الإشارة إلى أن المهاجر يرتبط مع الحكومة الألمانيّة بعقد، يفرض عليه الذهاب إلى المدرسة لتعلم اللغة. وفي حال عدم تحقيقه المستويات المطلوبة، تخفّض المعونة المقدّمة له تدريجياً حتى تختفي.
وتشدّد هنا مدرّسة اللغة الألمانيّة دورينا هايدل مان على أن “تعلم اللغة شيء أساسي وضروري، ومن دونها لا يمكن بلوغ المرحلة التالية وإيجاد عمل”. وتضيف: “لكن الأتراك مثلاً يأتون إلى صفوف اللغة التي تغطّي الحكومة كلفتها، ويبدأون بالحديث فيما بينهم بالتركيّة. وكذلك يفعل العرب والروس، جميعهم يتكلمون ويثرثرون بلغتهم الأم”. وتتابع: “عدم تعلم اللغة لن يخلق فرصاً لاندماج المهاجر في المجتمع الألماني. إلى ذلك، شكاواهم كلها متشابهة وتتمحور حول علاقات الألمان الباردة التي لا تعجبهم، والطعام الذي ليس بلذّة طعامهم، والجيران الذين يراقبونهم باستمرار”.
أن تتأخر خمس أو عشر دقائق أو أكثر عن موعدٍ في البلاد العربيّة، ليس بأمر كارثيّ. أما أن تفعلها في ألمانيا، فهو يضعك في خانة غير المندمج. وهذا ينطبق على رفع الصوت في الأماكن العامة والصراخ على الأطفال في الشارع، وتشغيل غسالة الثياب أيام الأحد. فبموجب القانون، يُمنَع تشغيل أي آلة كهربائيّة في عطل أيام الأحد.

عن العربي الجديد