آن سنو
كم دُهشت حين رأيت أن سوريا حسّنت مكانتها من المرتبة 176 إلى 171 على مؤشر المرأة والسلام والأمن هذه السنة، وهو مؤشر يصنف الدول بموجب مدى توفر الأمن والعدالة للنساء وشمولهن في المجتمع. لكن، في واقع الأمر، الوضع في سوريا بالنسبة للمرأة السنة الماضية ازداد سوءا. وهذا التغير في المرتبة إنما كان بسبب تدهور أزمات وحالات طوارئ أخرى في مناطق نزاع أخرى في العالم.
تلك حكاية معهودة لدى السوريين- يتحول الانتباه بعيدا عن سوريا بسبب الصراع فيها الذي طال أمده، وبسبب أزمات أخرى في العالم تحتل عناوين الأخبار. لكن من الضروري إبقاء تركيزنا على الصراع في سوريا، الذي يمر الآن في عامه الرابع عشر. فما يحدث في سوريا أمر يعني ليس السوريين وحدهم فقط، بل يعني كذلك الدول المجاورة، والمنطقة ككل، وخارج المنطقة. ولا بد أن تُذكّرنا الأحداث التي وقعت مؤخرا بالخطر الذي يشكله هذا الصراع الذي طال أمده، وما يفسحه ذلك من مجال لفاعلين من الدول وغير الدول للتسبب في مزيد من المعاناة للشعب السوري.
كذلك فإن أكثر المتضررين من هذا الصراع النساء والفتيات، اللواتي يشكلن نصف المحتاجين لمساعدات إنسانية في سوريا. بالتالي فإن دعم النساء والفتيات يأتي في صميم سياسة وبرامج المملكة المتحدة في سوريا، التي تحتل أولوية في خطتنا الوطنية بشأن المرأة والسلام والأمن. نريد أن يكون للنساء والفتيات مقاعد حول طاولة صنع القرار، ونريد أن تؤدي استجابتنا الإنسانية إلى تمكينهن. لكن من الواضح مع ارتفاع الاحتياجات الإنسانية في سوريا، وبالنظر إلى أن نصف المحتاجين في سوريا من النساء، فما زال علينا فعل المزيد.
وبصفتي الممثل البريطاني الخاص لسوريا، فإن أكثر ما أحب في عملي هو لقاء الناشطات والمدافعات عن الحقوق، والعمل معهن. فشجاعتهن وعزمهن لأجل تحقيق مستقبل أفضل للسوريين مصدر إلهام يومي للجميع. وفي “يوم الحوار” الذي يُعقد في بروكسل اليوم، تحدثتُ مع الكثير من الناشطات في منظمات المجتمع المدني من داخل سوريا، ومن المنطقة، ومن المغتربات في الخارج، لبحث التحديات الأساسية التي تواجه السوريين، وكيف يمكن للمملكة المتحدة المساعدة في تذليلها. وكل هؤلاء النساء يطلبن مزيدا من الحلول المستدامة وتجديد التركيز على سوريا.
وأنا أتفق معهن. فنحن بحاجة إلى أن نكون أكثر ذكاء في كيفية إنفاق مساعداتنا لأجل تعزيز الصمود محليا في مجابهة التحديات، ولتقليل الاعتماد على المعونات على المدى الطويل. ومن هنا نحن ملتزمون بالتعافي المبكر في سوريا. نريد مساعدة المواطنين السوريين، وخاصة النساء، لبناء مستقبل أفضل لأنفسهم وعائلاتهم.
أدرك تماما أن للتعافي المبكر تفسيرات مختلفة. بالنسبة للمملكة المتحدة، ذلك يعني سعيها لإيجاد حلول مستدامة لتلبية الاحتياجات. فعوضا عن توزيع مجموعات من المواد الغذائية المستوردة، فإن جهودنا في التعافي المبكر توفر دعما عالي الجودة- كالبذور والأسمدة للزراعة، والغذاء للمواشي، وتصليح أنظمة الري، ومساعدة المزارعين لدخول الأسواق ليبيعوا منتجاتهم فيها– لكي يتمكن المزارعون السوريون من زيادة دخولهم وإنتاج مزيد من الغذاء لأنفسهم ولمجتمعاتهم.
وهناك بعض الأمثلة الرائعة على تعاون فريق عملي، في مكتب سوريا، مع شركاء لتحقيق ذلك، وتمكين النساء في الوقت نفسه. وتعتبر فاتن فغالي، من ريف حماة، مجرد مثال واحد على ذلك. فهي المرأة الوحيدة المختصة بالتلقيح الاصطناعي للأبقار في سوريا بعد حصولها على دعم من المملكة المتحدة من خلال أحد شركائنا، منظمة الأغذية والزراعة (فاو).
هذا مجرد مثال على كيفية مساعدة المملكة المتحدة للنساء في مجابهة التحديات: عن طريق الحصول على خدمات الصحة الحيوانية من خلال توفير التدريب والمعرفة والمعلومات لهن. حيث تتعاون شريكتنا، منظمة الفاو، مع 66 من البيطريين ذوي الخبرة لتقديم خدمات الصحة الحيوانية والتلقيح الاصطناعي لأكثر من 24 ألف عائلة تمتلك مواشي في حلب ودير الزور وحماة وحمص وريف دمشق.
لكن عملنا لا ينصب فقط على المساعدة في زيادة مشاركة النساء في الزراعة والأعمال المهنية، بل أيضا لدينا برامج تهدف إلى خفض العنف ضد النساء والفتيات في الحسكة وحمص وريف دمشق. حيث نجرب ما إذا كانت جلسات التوعية بالعنف ضد النساء والفتيات، بموازاة مساعدة النساء المحليات للسعي إلى العمل وكسب الرزق، سوف يكون لها أثر في خفض العنف ضد النساء والفتيات. ذلك يشمل أيضا تيسير عقد جلسات نقاش على مستوى العائلات والمجتمع تتناول مواضيع صعبة، مثل زواج الفتيات صغيرات السن. هذا البرنامج مبتكر، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كذلك تركز جهودنا في مجال التعافي المبكر على التعليم والتعلم، وخاصة للفتيات. فمنذ سنة 2018، استطاع مشروع التعليم في سوريا، الذي تموله المملكة المتحدة، مساعدة أكثر من نصف مليون طفل. ورغم التحديات الهائلة، فإن هذا المشروع مستمر في تحقيق مخرجات تعليمية ممتازة، حيث تشكل الفتيات نسبة 51 في المئة من تلاميذ مشروعنا. وفي فبراير/شباط، أطلقت المملكة المتحدة برنامجها الجديد “التعليم في سورية-2″، الذي يُعرف محليا باسم “مناهل” وهو امتداد لمشروع التعليم في سوريا، لتوفير تعليم جيد ومتساوٍ لأكثر من 100 ألف من الأطفال المحتاجين للمساعدة في الشمال الغربي لسوريا في كل سنة.
“عندي حلم الآن، لديّ مستقبل أتطلع إليه. أريد أن أصبح معلمة لإلهام أطفال آخرين كما ألهمتني معلمتي”، كما تقول نور، وهي تلميذة في الصف الخامس فقدت أبيها قبل بضع سنوات في سوريا. حصلت نور على دعم إضافي من خلال “مشروع التعليم في سوريا” الذي نموله، حيث استفادت من مساعدة في مجال الصحة العقلية والدعم النفسي-الاجتماعي من معلماتها في المدرسة. وإلى جانب دعم اعتداد الفتيات بأنفسهن، وفي تحصيلهن الدراسي، أعتقد أن عملنا هذا يساعد في تنمية الإحساس بالأمل لدى جيل المستقبل. ومع ذلك، ما زال الطريق أمامنا طويلا.
نحن الآن في السنة الرابعة عشرة من الصراع في سوريا، ومن الواجب علينا أن يستمر تركيزنا جميعا على سوريا، والعمل مع السوريين لفعل الأمور بشكل مختلف، لكي نفهم بشكل أفضل من السوريين أنفسهم ما هو المطلوب، وبلورة حلول مستدامة وطويلة الأمد لتحسين ظروفهم ومعيشتهم.
المصدر: المجلة