عمد الصحافيان إلى الاتفاق مع أبو عمر، أحد أفراد العصابة في اسطنبول، للحصول على فيزا إلى إحدى الدول الأوروبيّة، وجواز سفر سوري للآخر. وبحسب محضر التحقيق للجندرمة التركيّة في غازي عنتاب، ادعى أبو عمر، أن مسؤول الائتلاف في مدينة غازي عنتاب وفريق آخر معه من داخل الائتلاف، يُحصّلون فيزاً ويصدرون جوازات ويساعدون في الحصول على الجنسية التركية، وخدمات أخرى، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 2000 وعشرة آلاف يورو. وطلب أبو عمر إيداع مبلغ معين لدى أحد مكاتب التأمين باسم الصحافيين نفسيهما.
وبالفعل سافر الصحافيان، اللذان يعملان في القناة التركيّة، ويُساهمان في الكتابة لـ”العربي الجديد”، إلى مدينة غازي عنتاب، الأربعاء الماضي، حيث قابلا شخصاً أعطاهما رقمَ هاتفه الأشخاصُ الذين قابلوهم في اسطنبول. وهناك بدأت عملية الاستدراج إلى خارج المدينة ليتمكّن أفراد العصابة من الاستفراد بهما، وانتزاع الشيفرة منهما، وإبلاغها للأشخاص الموجودين في اسطنبول ليُبادروا إلى سحب الأموال من مكتب التأمين.
ويروي الزميل عدنان علي لـ”العربي الجديد”: التقينا بهذا الشخص أمام فندق “استقبال” في غازي عنتاب، حيث قال إن سيارة من طرفه ستأتي لتأخذنا إلى المسؤول المزعوم في الائتلاف، وبعد أخذٍ ورد، أصرّ الشخص ومرافقه على الذهاب بالسيارة التي من طرفهما رغم عروضنا لهم بأن نستأجر سيارة عمومية حتى لا نتأخر عن الموعد. وبعد حوالى نصف ساعة حضرت السيارة وهي صفراء عمومية، وأقلتنا أنا وزميلي جابر وهذين الشخصين، إضافة إلى السائق، الذي اتضح انه عضو في العصابة أيضاً.
ويضيف: ” بعد أن استقلينا السيارة لاحظنا أنها بدأت تخرج خارج المدينة في اتجاه ضاحية قيد الإنشاء، فاستفسرنا عن الأمر، فقالوا إن المسؤول المزعوم في الائتلاف يُقيم في فيلا منفردة، ويُحبّ إجراء المقابلات فيها بعيداً عن الأعين، ثم انحرفت السيارة في طريق فرعي شبه ترابي، عندها أدركتُ على الفور أننا وقعنا بيد عصابة، فطلبتُ من السائق التوقف فوراً… لكنه زاد السرعة فأمسكتُ برأس السائق من خلفه، وكنتُ خلفه مباشرة فبادر الشخص الذي بجانبي إلى ضربي على رأسي بقوة وأشهر سكيناً ووضعه على رقبتي، وكذلك فعل الشخص الذي بجانب السائق مع زميلي جابر، وكانت السيارة حينذاك قد وصلت إلى الهدف، وهو مكان معزول حيث كان ينتظر أربعة أشخاص يحملون سكاكين.
حاولتُ النزول من السيارة عندما لمحت هؤلاء الأشخاص من بعيد، لكن الباب كان مغلقاً وتشاجرتُ معهم داخل السيارة حيث وجهوا لي عدة ضربات على رأسي، قبل أن تتوقف السيارة وينزل السائق ويفتح الباب ليضربني مجدداً بيده على وجهي. ثم حضر الأشخاص الأربعة وأشهروا أيضا سكاكينهم وبدأوا بضربنا عشوائياً، مطالبين بالمحفظة والهاتف المحمول. زميلي جابر أعطاهم ما أرادوا، بينما حاولت أنا المقاومة فزادوا في ضربي مستخدمين حتى السكاكين، فتلقيت طعنة في يدي وأخرى في رجلي، إلى أن أعطيتهم المحفظة والهاتف، وعندها لاذوا بالفرار وتركونا على هذه الحال”.
ويُتابع الزميل علي: “استدرنا خلف الفيلا بحثاً عن أي شخص لطلب المساعدة، حيث كانت يدي تنزف بشدة فوجدنا نساء وأولاداً في الفيلا نفسها، وهم سوريون، وطلبنا منهم الاتصال بالشرطة، لكنهم تلكّؤوا واتصلوا بدلاً من ذلك بشخص قالت إحدى الفتيات إنّه خطيبها، فحضر وهو شاب ثلاثيني واضح انه من ريف حلب، كما بقية أفراد العصابة. في هذه الأثناء بحثتُ عن زميلي جابر فلم أجده، وكان قد ذهب مسرعاً في اتجاه الشارع الرئيسي لطلب الشرطة.
قال هذا الشخص، وسمعتهم ينادونه عدنان، إنّه يعرف هذه العصابة وسوف يسترجع ما أخذوه منا، وبدأ يشتمهم ثم اتصل مع أحد أفراد العصابة، كما قال، وسألهم أين هم. حينها شعرت أنّه واحد منهم، وخفت أن أبقى في المكان معه، فتوجهتُ بعد عدة محاولات لاستخدام هاتف إحدى الفتيات في الفيلا للاتصال بالشرطة وبالمكتب في اسطنبول، حتى لا يتمكن أفراد العصابة من سحب الملبغ، حيث كانت الشيفرة موجودة في محفظتي، لكنّي لاحظت أن الفتاة وهذا الشخص لا يتصلان بشكل صحيح، وإنما يضيعان الوقت، وللمصادفة كان رقم مكتب التأمين موجودا في
”
تعرض أفراد العصابة للزميلين بالضرب والطعن بالسكاكين
”
جيب بنطلوني، فتوجهتُ إلى الشارع الرئيسي حيث وجدت جابر مع عجوز تركي اتصلنا من هاتفه بأحد زملائنا، الذي كانت بطاقة تعريفه بالمصادفة أيضاً مع جابر، فبادر زميلنا إلى الاتصال مع المكتب، وطلب منهم عدم إعطاء المبلغ، الذي يخصنا لأحد حتى نحضر نحن.
وبالفعل حضر أحدهم، كما أبلغنا المكتب، بعد ربع ساعة من اتصال زميلنا وطلب المبلغ وقدم لهم الشيفرة، لكن المكتب رفض إعطاءه المبلغ، كما اتصل العجوز بالشرطة، التي حضرت بعد قليل، وعاينت المكان ونقلتنا إلى المستشفى حيث أصيب جابر بنوع من الصدمة، ولم يعد يقوى على الحركة.
هناك قدموا له العناية، وقاموا بقطب يدي، بينما لم أكتشف أنّ قدمي تعرضت لضربة سكين إلا بعد مغادرة المستشفى، لأن الوجع كان يعمّ جسدي. واكتشفت ذلك بعد الانتقال إلى مركز الجندرمة في شاهين بيه، في غازي عنتاب.
وهناك بدأت رحلة التحقيق وثم البحث عن الجناة من حوالى السادسة مساء حتى الخامسة فجر الخميس، حيث أمكن القبض على السائق، إضافة إلى المسؤول الرئيسي للعصابة، ثم أحد الأشخاص الأربعة، الذين كانوا في انتظارنا عند الفيلا، وساهموا في حفلة الضرب، وقد رافقنا أنا وجابر الجندرمة والاستخبارات في عمليات المداهمة بُغية التعرف على الأشخاص المطلوبين، الذين وجدنا أحدهم يسهر مع بعض الشباب، وأنكر بداية قبل أن يواجهه السائق، الذي كان أول من تم القبض عليه بدلالة السيارة، التي التقطت صورتها كاميرة مراقبة، حين توقفت السيارة في إحدى محطات الوقود، وكانت تعود إلى مواطن تركي أعارها للسائق في تلك الساعة، ومن خلال هذا المواطن تم الاستدلال إلى السائق، الذي ارشد بدوره إلى بعض زملائه، وادعى انه لا يعرف أمكنة الباقين. وخلال تفتيش منزل ما بدا أنه المسؤول الرئيسي للعصابة في غازي عنتاب، ويدعى سعيد الحاج (ريف حلب)، وجدنا حقيبتي وحقيبة جابر ومعظم المسروقات، باستثناء الأموال، وكانت حوالى ألف دولار لكل منا.
وادعى سعيد أن الشخص، الذي رافقنا في السيارة هو المسؤول، وأنّه هرب بالأموال إلى سورية، كما وجدنا السكين، التي كانت معه، إضافةً إلى مسدس حربي مذخر بالرصاص”.
لم يخطر ببال الزميلين أن تكون المغامرة هذه خطرةً إلى هذا الحدّ، بحسب ما يروي عدنان علي لـ”العربي الجديد”. وقال علي: “كان الأمر على سبيل الاستطلاع والفضول الصحافي، لمعرفة شبكة الفساد هذه في الائتلاف، خصوصاً أنّنا كنا، أنا وزميلي جابر، بصدد الذهاب بطبيعة الحال إلى غازي عنتاب لزيارة بعض الأصدقاء، ففكّرنا بالتحري عن الموضوع طالما لن نخسر شيئاً!”.
ويختم علي قائلاً: “نسيتُ القميص المدمى داخل الفندق، الذي بتنا فيه بعد خروجنا من الكركون. ولم يبقَ سوى البنطال وقبعة الجاكيت عليهما آثار دماء، احتفظت بهما لهذه الذكرى التعيسة”.
إسطنبول