تقع القاعدة الأمريكية في “البرج 22” في الأردن، وسط صحراء واسعةٍ، على طول طريق دمشق-بغداد السريع القديم، بالقرب من الحدود مع سوريا. في شهر يناير/كانون الثاني، حيث يكون الطقس قاتماً وممطراً في الغالب، قُتل ثلاثة من الجنود الأمريكيين في “البرج 22” بواسطة طائرة مسيّرة أطلقتها ميليشيا تابعة لإيران. أدى مقتلهم إلى شن الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 80 ضربة انتقامية ضد “الحرس الثوري الإسلامي”، والميليشيات الموجودة في العراق وسوريا.
إن الهجوم في الأردن كان نتيجة واضحة ومتوقعة لردودنا الضعيفة على أكثر من 150 هجوماً ضد القوات الأمريكية في سوريا والعراق، والتي بدأت منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول. وحقيقة الأمر هي كما يلي: لقد أجّلنا التعامل مع التهديد المتزايد ضد قواتنا في المنطقة لفترة طويلة، بالرغم من أن قواتنا كانت قادرة على الدفاع عن نفسها بشكلٍ جيدٍ. وبعبارة أخرى، مكّنت قُدرات قواتنا واشنطن من تقليل المخاطر التي تواجهها، وتجنب اتخاذ قرارت صعبة.
لقد أنهى هجوم “البرج 22” هذا الوضع، وأثار تساؤلات جديدة حول سلامة الآلاف من الجنود الأمريكيين الموجودين في الأردن وسوريا والعراق، بالتزامن مع اتساع الصراع في الشرق الأوسط. وبدأت الولايات المتحدة والعراق الشهر الماضي محادثات قد تؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية من العراق. بالإضافة إلى أن بعض أعضاء إدارة بايدن ربما يفكرون في سحب القوات من سوريا أيضًا، وفقاً لأحد التقارير.
هذا النوع من المحادثات يمكن أن تضرّ بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة؛ فهي تعطي الأمل لطهران بأن تنجح في تحقيق هدفها طويل الأمد، والمتمثل في إخراج الولايات المتحدة من المنطقة من خلال ميليشياتها الوكيلة. وبالتالي، لا يوجد شيء أقل فائدة وأكثر خطورة من هذا بالنسبة لجنودنا الأمريكيين، الذين يواجهون المخاطر بالفعل.
هل ينبغي أن تبقى القوات الأمريكية في سوريا والعراق، أم يجب أن تنسحب؟ وإذا بقيت، فكيف تمنع القيادة الأمريكية استمرار هذه الهجمات؟ ما نحتاجه الآن هو قرار رئاسي تم تأجيله لفترة طويلة للغاية: التزام صارم بإبقاء قواتنا في سوريا، والتزام إضافي دقيق بالعمل مع الحكومة العراقية لإيجاد مستوى مقبول للطرفين في ذلك البلد.
أولاً، لنلق نظرة على الوضع في سوريا. لقد أصبح من الشائع في واشنطن القول إن وجود 900 جندي من قواتنا في سوريا قد تجاوز سياستنا الخارجية، والحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك بكثير.
دخلت الولايات المتحدة سوريا عام 2014 مع تحالف دولي لمواجهة داعش مع شركائنا، قوات سوريا الديمقراطية. وبحلول منتصف عام 2019، حققنا هدف إزالة “الخلافة” ككيان جغرافي، لكن بقايا داعش استمرت.
منذ ذلك الحين، واصلت القوات الأمريكية العمل مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا لتدريب قوات الحماية المحلية. لقد ساعدناهم في إدارة أكثر من 10 آلاف من مقاتلي داعش المستسلمين والموجودين الآن في السجن، بالإضافة إلى ما يقارب من 50 ألف شخص نزحوا هناك.
فالانسحاب سيأتي بمخاطر جسيمة، وبدون دعم الولايات المتحدة قد تجد قوات سوريا الديمقراطية صعوبة في مواصلة السيطرة على السجون التي تحتجز مقاتلي داعش والمخيمات التي يعيش فيها الكثير من النازحين السوريين حياة غير مستقرة. فإذا تم إطلاق سراح عدد كافٍ من مقاتلي داعش، وكان لديهم فرصة لتعزيز قوتهم، فإن ذلك سيؤدي إلى تهديد العراق والعديد من الدول مرةً أخرى. إلى جانب ذلك، فإن قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد –حتى ولو حصلت على الدعم من روسيا وإيران- ستجد صعوبة في محاربة داعش.
لقد كان هدفنا على المدى الطويل في محاربة داعش، في هذا الجزء من العالم، هو الوصول إلى مرحلة تصبح فيها قوات الأمن المحلية قادرة على تحمل المسؤولية الأساسية عن منع الهجمات. لقد أحرزنا بعض التقدم في سوريا، ولكن لا يزال هناك الكثير مما يجب علينا القيام به، والوقت لم يحن بعد للمغادرة.
في الجانب الآخر، في العراق، يوجد حوالي 2500 جندي، الذين كانوا يساعدون في تدريب قوات الأمن العراقية لمواجهة داعش. نحن قريبون أكثر من تحقيق هدفنا في العراق مقارنةً بسوريا، ولكن لا يزال هناك حاجة لوجودنا في العراق. من المنطقي أن نتوقع أن يقل عدد قواتنا في العراق مع استمرار المفاوضات مع الحكومة، وأن يتم الانتقال إلى نظام تعاون أمني اعتيادي أكثر يتطلب تواجداً أقل للقوات الأمريكية، ولكن سحب القوات بسرعة كما فعلنا في عام 2011 سيكون خاطئاً. علاوةً على ذلك، ينبغي علينا أيضاً أن نتذكر أن وجود منصة لنا في العراق هو شرط أساسي للحفاظ على قواتنا في سوريا.
وكما حدث في سوريا، فقد تعرضت قواتنا في العراق لهجمات من قبل ميليشيات موالية لإيران. التفاوض حول استمرار وجودنا هناك هو أيضاً موقف معقّد. قادة العراق في موقف حرج؛ إذ يدركون أنهم بحاجة إلى مساعدة حلفائهم لتدريب قوات الأمن، وفي الوقت نفسه، يواجهون ضغوطًا قوية من الجماعات الشيعية المدعومة من إيران لإزالة أي تواجد عسكري أجنبي في البلاد. وتزيد الولايات المتحدة من هذا الضغط عن طريق استهداف الحرس الثوري الإسلامي والمرتزقة الإيرانيين في العراق، كما فعلت هذا الشهر.
بالنهاية.. تتواجد قواتنا الأمريكية في سوريا والعراق لمنع تنظيم “داعش” من القدرة على شن هجمات على وطننا. وإذا انسحبنا، قد نمنحهم الوقت والفرصة الكافية لإعادة تأسيس “الخلافة”، مما يزيد الخطر علينا في الوطن. إلى جانب ذلك، قد نضطر أيضاً للعودة إلى المنطقة بتكلفة عالية جدًا، وستكون هناك عواقب سلبية على مستوى الإقليم أيضاً: سيتم اعتبار انسحابنا السريع على أنه مثال آخر على ضعف أمريكيا، والذي لن يتردد الأعداء في استغلاله.
المغادرة ليست خياراً ينبغي اعتباره بخفة، والبقاء ليس خياراً جيداً أيضاً، إلا إذا تمكننا من وقف الهجمات على جنودنا. ليس من الواضح ما إذا كنا سنتمكن من ذلك، وكثرة الخسائر الأمريكية سيجعل البقاء أصعب تدريجياً. إذا كنا نريد البقاء، فينبغي علينا أن نردع ونهزم الهجمات على القوات الأمريكية من قِبل المجموعات التابعة لإيران.
لقد مات الأمريكيون، ونحن الآن في نقطة تحول، لذا يجب ألّا تكون ردودنا مبنيّة على العواطف أو رغبة في الانتقام، بل على إصرار واضح حول ما هو أفضل للولايات المتحدة. أعتقد أن الأفضل لنا هو الاستمرار والدفاع عن وطننا في الخارج بدلاً من داخله.
الكاتب: الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية من عام 2019 إلى عام 2022. ويشغل حالياً منصب “المدير التنفيذي” لـ “معهد الأمن العالمي والوطني في جامعة جنوب فلوريدا“.
الترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة