أصدرت هيئة الصحة في إقليم شمال وشرق سوريا بياناً إلى الرأي العام، استنكرت فيه هجمات العدوان التركي على مناطق (روجأفا) إقليم شمال وشرق سوريا، ولا سيما التدمير الكلي لمحطة الأوكسجين المركزية والكثير من المراكز الصحية، إضافة إلى حصول أضرار كبيرة في مركز غسيل الكلى، الوحيد في المنطقة، والذي يقدم الخدمة لما يقارب الــ/100/ مريض وبمعدل /250/ جلسة أسبوعياً.
وجاء في نص البيان:
“كعادتها عندما يقترب موعد أي استحقاق انتخابي في تركيا، تلجأ حكومة حزب العدالة والتنمية للخروج من دوائر أزماتها المتعددة إلى التصعيد العسكري خارج حدودها، لتصرف أنظار الناخبين الأتراك، وتقودهم إلى صناديق الاقتراع، مدفوعين بوهم الأمن القومي، وتضغط على المعارضة وتحرجها.
وفي ظل الظروف المعقدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وعلى مسافة نحو ثلاثة أشهر من الانتخابات البلدية المقبلة، والتي يتطلع الحزب الحاكم والرئيس التركي أردوغان من خلالها إلى استعادة كبرى البلديات لإحكام سيطرته على مفاصل الدولة، بعدما احتكر منصب الرئاسة والبرلمان في انتخابات أيار الماضي، تلجأ الحكومة التركية إلى التصعيد العسكري لتصرف عوائده في صناديق الاقتراع البلدية بزعم الأمن القومي، الذي لم تعرف حتى اليوم أبعاده وحدوده.
شمل التصعيد التركي الجديد خلال اليومين الماضيين كامل امتداد مناطق الإدارة الذاتية ابتداء من ديريك وتربسبيه و قامشلو وعامودا، وصولا إلى كوباني وقرى في ريف منبج.
وتسبب العدوان التركي الجديد كحصيلة أولية بارتقاء ثمانية شهداء من المواطنين المدنيين وإصابة عشرات آخرين،
وأعادت أنقرة سيناريو العدوان السابق قبل ثلاثة أشهر فاستهدفت البني التحتية المدنية والمؤسسات الخدمية والمرافق العامة، والمنشآت الحيوية، وحتى منشآت وورش خاصة، كما لم تسلم مؤسسات تابعة للقطاع الصحي من القصف التركي، هذه المؤسسات التي تقدم خدماتها لعموم المواطنين، وهي مشمولة ضمن الحصانة القانونية بوصفها من الأعيان المدنية التي يجب تحييدها من الأعمال العسكرية،
وللتوضيح وكنتيجة للقصف المذكور، فإن التدمير الكلي لمحطة الأوكسجين المركزية المجاورة لمركز غسيل الكلى قد أدى إلى خروجه عن الخدمة نهائيا، تلك المحطة التي كانت تؤمن غاز الحياة (الأوكسجين) لعشرات المشافي الخاصة والعامة والكثير من المراكز الصحية إضافة إلى حصول أضرار كبيرة في مركز غسيل الكلى، الوحيد في المنطقة، والذي يقدم الخدمة لما يقارب الــ/100/ مريض وبمعدل /250/ جلسة أسبوعياً.
وذلك بسبب تضرر أجزاء حيوية متممة لهذا المركز، كمحطة التحلية فيه، الأمر الذي أدى إلى توقف جميع أجهزة الغسيل عن العمل، وبالتالي تعريض حياة أولئك المرضى للخطر الشديد.
أما في مدينة كوباني، فإن التدمير الكامل لأحد المراكز الصحية الرئيسية فيها قد أدى إلى توقف استمرار تقديم الخدمة الصحية لما يقارب الــ/400/ مريض يوميا كانوا يستفيدون من خدمات ذلك المركز، إضافة إلى خروج سيارات الإسعاف الموجودة عن الخدمة.
أنقرة، التي تفاخر بتطور صناعتها العسكرية وامتلاكها أسلحة الدقة العالية لا يمكن أن تستهدف جملة هذه الأهداف المدنية نتيجة خطأ، بل وضعتها في سياق بنك الأهداف، فكان القصف متعمدا لها.
يعد الصمت والتجاهل الدوليان بشكل أو بآخر، عامل تشجيع لحكومة أنقرة للمضي في سياستها العدوانية حيال شعوب شمال وشرق سوريا، الذين يقاسون ظروفا حياتية صعبة نتيجة الحصار المفروض عليها، وكذلك بسبب النتائج الكارثية للعدوان التركي نفسه، وتدميره العديد من المنشآت الحيوية والمرافق العامة، وبخاصة مع دخول فصل الشتاء.
وقد ضمنت القوانين الدولية تحديدا الأعيان المدنية من الصراعات المسلحة والاستهداف العسكري، مثل اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والقانون الدولي الإنساني العرفي،
كما خص القانون الدولي جملة الممتلكات والمنشآت والمرافق الخدمية في إطار الحماية المعززة، وإن كل ذلك يشمل زمن الحروب والصراعات المسلحة، والمفارقة أن ما يحدث اليوم ليس حالة الصراع المسلح الذي ينطوي على تبادل لإطلاق النار بين جانبين، بل هو عدوان همجي سافر من طرف واحد يشن على مناطق آمنة.
واعتبرت المادة ثمانية /8/ من نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية لعام 1998 جريمة حرب، أي استهداف متعمد ومباشر للأعيان المدنية، بما فيها المستشفيات. والأماكن التي يوجد فيها مرضى وجرحى، ولا دليل على أنها أهداف عسكرية.
إن هيئة الصحة في شمال وشرق سوريا، إذ تجدد تنديدها واستنكارها للعدوان التركي، وقصف المنشآت الخدمية الصحية والإنتاجية فإنها تطالب المجتمع الدولي بمؤسساته الحقوقية والإنسانية والصحية، بأن تتخذ موقفا واضحا إزاء العدوان التركي، وتعلن رفضها وادانتها أمام المحافل التي تشغلها لكافة الجرائم المرتكبة، وصولا إلى مستوى تتبلور فيه أدوات الضغط، وتتحرك تبعا لها مؤسسات العدالة الدولية للإيقاف الفوري للعدوان، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة القانونية لممارسات إرهاب الدولة الممنهج.
إننا في هيئة الصحة في شمال وشرق سوريا، مؤسسات وأفرادا نؤكد مواصلة السير على طريق الحل السياسي السلمي الديمقراطي، مؤمنين بأنه المشروع الوحيد الضامن لوحدة كل السوريين، وإننا لن ندخر جهدا في تقديم الخدمات الصحية لأبناء شعبنا. رغم كل الظروف الصعبة، وسيبقى مرتدون الرداء الأبيض في مؤسسات القطاع الصحي، أمناء مخلصين لقسمهم ومعاني اللون الأبيض ودلالاته التي ترمز إلى السلام والمحبة والوئام”.