بوتين يهدد بوضع أوروبا في “ثلاجة الشتاء”

هل يمكن أن يصبح الغاز الصخري الأميركي المسال بديلاً للغاز الروسي في أوروبا؟ هذا هو السؤال الذي سعى كبار مسؤولي وخبراء الطاقة في أوروبا إلى الاجابة عنه خلال مؤتمر “ريجا كونفرنس 2014″ الذي عقد أخيراً في بروكسل.
وأمن الطاقة الاوروبي يعتبر من المواضيع الملحة التي تشغل بال أوروبا منذ تفجر أزمة أوكرانيا وما تلاها من تداعيات الحظر والعداء بين بوتين وقادة المجموعة الاوروبية.
وتتزايد أهمية الغاز مع تهديد روسيا تارة بقطع إمدادات الغاز الطبيعي الى أوروبا وتارة تهديد أوكرانيا بأنها ستمنع مرور الغاز الروسي عبر أراضيها.
سباق ضد الشتاء
ما يقلق الاوروبيين أن موسم الشتاء بات على الابواب وأن مخزونات الغاز في العديد من الدول الاوروبية لا تكفي لأكثر من شهر ديسمبر” كانون الاول”.
ومن هذا المنطلق عقد هذا المؤتمر لمناقشة ماذا ستفعل أوروبا، في حال قررت أوروبا أستخدام ” كرت الغاز” خلال هذا الشتاء، وهل يمكن أن تمد أميركا يد المساعدة الى أوروبا ومدها بالغاز الصخري المسال؟
ترأس جلسات المؤتمر، كل من البروفسور الان رايلي أستاذ القانون في جامعة ” سيتي يونيفرسيتي بلندن” ، كما حضر المؤتمر ميخائيل كروتيخين الشريك في شركة” رس غاز” الروسية” والخبير في شؤون النفط والغاز الروسي وبيتر راغوس كبير نواب الرئيس بشركة “بيكر هيوز” التي تعد من أكبر شركات خدمات الآبار النفطية والغازية في العالم.

صادرات الغاز المسال الأميركي الى أوروبا ترتفع إلى 18 مليون طن بعد عامين

عن أحتمالات أحلال الغاز الصخري الاميركي مكان الغاز الروسي يقول البروفسور الان رايلي ، إن هنالك شكوكاً واسعة حول ما أذا كانت أميركا ستتمكن من مد أوروبا بالغاز الصخري. وذلك لأسباب عديدة أهمها، أولاً: ليس لدى أميركا الوسائل الكفيلة بنقل الغاز المسال الى أي مكان في العالم. وأن أولى محطات التصدير يجري بناؤها حالياً في أميركا. كما أن الشركات الاميركية لم تحصل بعد على رخص تصدير الغاز وربما تحصل على رخص التصدير في القريب. ويذكر أن الولايات المتحدة وافقت أخيراً على بناء 7 منصات ومنشآت لتصدير الغاز المسال، ولكن هذه المحطات لا تزال تحت طور التنفيذ.
وثانياً: يقول البروفسور رايلي، ان أسعار الغاز في أوروبا تتراوح بين 50 و60% من أسعار الغاز المسال في آسيا والمحيط الباسيفيكي، حيث تبقى اليابان والصين الاسواق الرئيسية لاستهلاك الغاز المسال.
وبالتالي فإن الشركات الأميركية المصدرة للغاز الاميركي المسال ستفضل بيع الغاز الى آسيا حتى تتمكن من تحقيق أرباح أعلى بدلاً من أوروبا التي يقل فيها سعر وحدة الغاز عن آسيا. ويذكر أن سعر الغاز المسال تراوح في المتوسط في الاسواق الاوروبية بين 250 و270 دولارا للوحدة المكونة من الف متر مكعب، فيما يبلغ حالياً 320 دولارا للألف متر مكعب. فيما يتراوح سعر الغاز المسال في آسيا بين 500 و540 دولاراً.
ويذكر أن أحد مفوضي الطاقة في المجموعة الاوروبية طلب في المؤتمر من أميركا ان تمد أوروبا بالغاز الصخري حتى تقلل أعتماد أوروبا على الغاز الروسي. غير أن البروفسور رايلي رد على المسؤول الاوروبي بقوله ” ربما تكون مفوضية الطاقة الاوروبية تعتقد أن الرئيس باراك أوباما يمكن أن يدعو شركات النفط وممثليها الى البيت الابيض ثم يأمرهم ببيع الغاز إلى أوروبا بنصف الثمن المعروض في آسيا … لا أعتقد أن ذلك سيحدث واقعياً”. وأضاف ” لا أظن أن المفوض الاوروبي الذي طلب تصدير الغاز الاميركي يفهم تعقيدات وحسابات صناعة الغاز”.
وأشار البروفسور في هذا الصدد الى ان مثل هذا الاوامر للشركات يمكن أن تصدر وتنفذ في الدول الشيوعية مثل الاتحاد السوفييتي سابقاً”.
الحل ليس أميركيا
قال رايلي إن ثورة الغاز الصخري في أميركا أثرت على سوق الطاقة الأوروبي، ولكن ليس بصورة مباشرة. وتؤثر ثورة الغاز الصخري الأميركي على المعروض العالمي من الغاز الطبيعي وكذلك على سوق الولايات المتحدة كمستهلك كبير للغاز المسال، إذ أصبح مكتفياً من الغاز. وبالتالي فان زيادة معروض الغاز الصخري الاميركي تخفض أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، ولكن بالتأكيد لن تكون ذات تأثير على أمن الطاقة الاوروبي في المدى القصير.
وتوقع رايلي أن يأخذ تصدير الغاز المسال الاميركي إلى أوروبا، عامين على الاقل. وقال إن أميركا بعد عامين ربما تستطيع تصدير 18 مليون طن متري من الغاز الى أوروبا. ولكن

أوروبا مهددة بفقدان 20% من إمداداتها من الغاز الروسي الذي يُصدر إليها عبر أوكرانيا

أعتقد أن معظم صادرات الغاز المسال الاميركي ستتجه الى آسيا. وبالتالي حينما يتم الحديث عن أمن الطاقة الاوروبي يجب أن لا نتوقع أمدادات كبيرة من الغاز الأميركي الى السوق الأوروبي على المدى القصير.
من جانبه يقول بيتر راغوس نائب رئيس شركة” بيكر هيوز” ، أعتقد أن ارتفاع صادرات الغاز المسال الاميركي الى أوروبا ستكون في حدود 18 مليون طن متري بعد عامين، ولكن يجب أن نفكر في حجم أمدادات الغاز التي ستصل الى أوروبا من أميركا في العام 2018.
وحسب منظمة ” ناتشرال غاز يوروب” التي تراقب صناعة الغاز لصالح الدول الأوروبية، فإن الدول الأوروبية تواجه مخاطر فقدان 20% من إمداداتها من الغاز الذي يُصدر إليها من روسيا عبر أوكرانيا، في حال أستفحل الصراع الروسي الاوكراني وأدى الى قطع الامدادات الروسية عبر أنابيب الغاز التي تمر عبر أوكرانيا.
ويلاحظ ان معظم دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تركيا ودول البلقان وأوكرانيا نفسها، تحصل على جزء من إمدادات الغاز الروسي من خطوط انابيب تمر عبر أوكرانيا. ولكن هنالك خطوط إمداد روسية لا تمر عبر أوكرانيا.
ومثالاً على ذلك فإن المانيا تحصل على الجزء الأكبر من امداداتها من الغاز الروسي عبر خطوط أنابيب ” نورد ستريم” التي تمر تحت بحر البلطيق، فيما تغذى بولندا عبر خط أنابيب “يامال” وتمد تركيا بالغاز الروسي كذلك عبر خطوط “بلو ستريم بايبلاين” .
وهذه الخطوط تمتد من روسيا مباشرة إلى هذه الدول ولا تمر عبر أوكرانيا.
من بين الاحتمالات المتوقعة، حسب مصادر في صناعة الغاز في لندن، أن تنقطع إمدادات الغاز الروسي من الخطوط التي تمر عبر أوكرانيا، أما بشكل متعمد أو من خلال تصعيد الصراع الروسي مع أوكرانيا في المناطق الشرقية.
وتشير منظمة “ناتشرال غاز يوروب” في هذا الصدد إلى أن الدول التي ستكون أكثر تأثيراً في حال قطع إمدادات الغاز الروسية عبر أوكرانيا، هي دول أوروبا الشرقية وايطاليا التي تعتمد بنسبة 30% على إمدادات الغاز الروسي واستوردت في العام الماضي حوالى 68.7 مليار متر مكعب من الغاز الروسي.