House of Jazz
مشينا ساعاتٍ طويلةً حالمين ببار صغير في الزاوية،
بار لأجل كتابة ما تبقى من الحكاية
لم أقل لها كيف حطت الطائرة في كفي
أو خبأت في لغتي أصداف البحر الملونة.
أعطيتها يدي في شارع «سانت كاترين»
وانحنينا عندما فاجأتنا ريح الشتاء الباردة
رأيت في عينيها جوعي
وسرّ الجسور التي تتمدد تحت ثلوج «مونتريال».
دخلنا البار مثل غريبيْن
تاركين وراءنا كلمات مبهمة
وكائنات أليفة باكية
سيتأخر الصباح قليلا.. قلت لها
ومزجت في الكأسين عصيرا من الموسيقى
لأجل جسور أخرى في البلاد البعيدة
لي صديق في «فيينا»
وآخر في «باريس»
وأضفت… لا يهم ما قد يحدث
نشرب بيرة أخرى
ونعود إلى «سانت كاترين»
لعلنا نجد خاتمة أخرى للحكاية
في عيون غريب مثلنا.
أحاطت بذراعيها حولي
تحت الجدارالخشبي
سيدخل غريب آخر، قلت لها..
قلت…
لكنّ طعم النّبيذ بين شفتيها
بدّد الكلمات التي قيلت وما كان سيُقال
وأشعل في أصابعنا دماء جائعة.
على الجدار الخشبي، في مدخل البار يتباوسان
لم يهتما بالداخلين أو الريح التي لم تطفئ نارا يانعة،
الريح التي ألهبت في الموسيقى رائحة الرغبة
وأثارت على النافذة حركة خفيفة في السّتار الشفّاف.
عالية أصوات الرغبة
وبعيدة كؤوس الشامبانيا عن يد تائهة في ليل قصير
بين شمسين عالقتين في الغمام تنزل «كارن» من السرير
متلحفة بنصف رداء
وعلى كتفيها العاريتين كلمات مبهمة، خطوط حمراء ودوائر
تمشي في الغرفة، تاركة خلفها أنهارا صغيرة
وحدائق مشمسة…
——————
شارلستون- وست فرجينيا
أبريل 2008
على حافة الأرض
على حافة الأرض
نزعت ملابسها: القميص البنفسجيَّ الخفيفَ
والبنطلون الدّجينز
والسوتيان الورديَّ
وخيطا رقيقا من حرير الشّجر النابت في سرّة الأرض.
بيدها البيضاء حركت قمرا خفيفا في الصّورة
وأطفأت فوانيس النهار
أطفأت بكأس نبيذ آخر حركات الكائنات
وأثارت برأس لسانها عاصفة في المحيط.
إثنان هما
بين رمل الشاطئ
وأبدية المحيط حول «سان فرانسيسكو».
إثنان يتماوجان
يتداخلان
يتقاطعان
يصرخان حين تنكسر الموجة.
لا شيء على حافة الأرض
غير ملابس سقط عليها الليل
ورجل غريب يتأمل عريه في عيون امرأة سقطت من السماء.
———————
فرجينيا
ماي 2010
(شاعر تونسي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية)
رضا العبيدي
دويّ
قارورة زجاج مشقّقة
منسيّة فوق حائط
كافية لتغرورق عيناي
بمشاهد حروب
كافية ليتبلّل
منديل نظرة أخيرة
صوب ضحيّة مرصودة..
قارورة زجاج مشقّقة
فوق حائط عال
وُضعت هدفا للرّمي
ولم تصبها بعد
رصاصة الرّحمة
رغم كلّ الدّوي الصّارخ
الذي يتناهى إلى سمعي كلَّ يوم.
أمطار التّعارف
آناء اللّقاءِ الخاطفِ
تحت أمطار مفاجئة
كانت أسناني تتساقط متكتكة كساعة حائط
فيما كفّي الرّطبة البضّة
تحرقها النّجوم البرّاقة
في سماء المصافحات العابرة
وكان بطّ كثير يسبح في بحيرة التّعارف
مخلّفا الكثير من ريش أسود
تدفعه الرّيح إلى الحافات
وكان بمستطاع عينيّ الصّغيرتين
أن تلمحا عن قرب عبر غشاء النّعاس
مَنَاقير عريضة تنفتح
لتزدرد حبّات مطر
كان يشدّ بخيوطه الرّقيقة
السّماءَ إلى الأرض.
(شاعر تونسي مقيم في فرنسا)
يوسف خديم الله
سِياحةٌ داخِليّةٌ
هنا
كلُّما حاوَلتُ أنْ..
تَرتَدُّ يَدِي.
وعَصَافِيرُ تَفِرُّ بأَقفاصِها
فأمدُّ ساقي في فخٍّ
لاقتناصِ الأحذيةِ.
هُنا.
هُناكَ.
كم حاولتُ أنْ.
ثرْوةٌ شخصِيّة (1)
لستُ قاسيًا
إنّما الماءُ حجرٌ
يبلّلني بهِ الآخرونَ.
لستُ باردًا
إنّما الثلجُ جمرةٌ
يخونُها قلبٌ بلاَ ريشٍ
ولسانٌ بلا زغبٍ
يفسّر الصّحراءَ بالشّجرةِ
والجبلَ،
بالجرذانِ واللّصوصِ.
لست مخبولاً
إنّما الأرقامُ أنشوطةٌ لقنْصِ ضلوعٍ
ترفرفُ
وكيمياءُ لترجمةِ الرّعشةِ
إلى معدنٍ
والحنطةِ إلى بولٍ
يتبخّرُ
في جيوبِ الفقَراءِ ..
لستُ فقيرًا.
فقطْ:
جدّي يؤلمني في يسراهُ
ويمنايَ للإيجارِ
دائمًا.
فتحي قمري
كائن لطيف
الكلّ حولك يتجرّع الصّمت في شحوب وانكسار:
أحد يراجع يومه العاديّ جدّا،
أحد يدقّ بنعله الأرض دون إيقاع صريح،
أحد يخبّئ قفّازاته ويعدّ أصابعه مرّة بعد أخرى،
أحد يتسلّق أفكاره العالية ويترك ظلّه بيننا،
أحد يواكب أمطارا تدندن في الخارج لحنا أعجبه،
أحد دفعته الأحداث هنا صدفة،
(قل هو الله أحد..)
يسحبني صوت المقرئ من أفكاري.
وتقتّلني وجوه مازالت تتجرّع صمتك في شحوب.
وأنت، الكمنجة العمياء ملقاة بيننا،
أو نجمة أطفأت نور غرفتها وغادرت.
أنّة بلا أخوات
أنّك قد تموت الآن،
أن يُوقف قلبك فجأة عزفه الجنائزيّ الّرتيب،
أن تجتمع ظلال بلهاء كثيرة حول جثمانك المسجّى بلا جمال واضح،
أن تتباكى عيون غيابك النّهائيّ،
وتبكي عيون عيونَها كلّما حدّقت أفكارها فيك،
أن تتعثّر أمّك وهي تلاحق موكبك الأخير،
أن يذرف أب كسير دموعا لن تراها مطلقا..
………………………..
………………………..
بسيطة جدّا هي الكلمات،
غير أنّ طعم الموت فيها.
محمد جْلاصيّة
النّوم مع الرّاعي
كان عريُك بوصلةً للماء
كانت أصابعك أهلّةً وأظفارك حجرا كريمًا
كانت قطّتك شمسًا في اللّيل
كانت سرّتك نبعًا للموسيقى.
غادرتِ منزل القمر
كذبتِ على النّهر مثل عروس ليلة الزّفاف
لعبتِ الغمّيضة عارية مع الأعمى
هربت من بُرج الأسد إلى الغابة.
كانت شهوتُك أرحب من النّسيان
كان جسدك أعمقَ من الدُّوار
كانت عانتك مصباحي السّحريّ
كانت آهتك رصاصة الرّحمة الأخيرة.
خرجتِ من البرّ عن البحر ومن البحر عن البرّ
وضعتِ التّوأم في مركب نوح وغرقتِ
ثقّبتِ المرآة بحثًا عن تُفّاحة آدم
نمْتِ مع الرّاعي تحت بُرج الجدي في حقل محروق.
برتبة رجل
كان طفلاً
يلعب الغمّيضة مع الملائكة
يلعب الورق مع الشّياطين
يلعب الكرة مع الحائط
يلعب عريسا مع العروس الخشبيّة
صار رجُلاً
سيذهب إلى الجنديّة
سيتعلّم حلْقَ دموعِهِ بسرعة
سيتعوّد على رؤية النّجوم في الظهيرة
على أكتاف الجنرالات
سيحرس الجنديَّ المجهولَ من المجهولِ
سيعود برتبة رجل.
سترى أمّه من الأصلح تزويجه أقربَ فتاة
بينما العروس الخشبيّة مازالت تنتظرعريسًا
ربّما سيكون هذا الطفل!
ربّما سيكون ذلك الرجل!
صابر العبسي
مرآة
البِركة بين شُجيرات النّبق البرّيّ
منذ غسلتِ
مسامّكِ
وجهكِ
قرطكِ
نهدكِ
شعركِ فيها
كلّ صبايا القرية من عبق
يمشين على بيْض الحجل.
ما إن يعبرْن بجانبها
ما إن يُبصرْن ملامحهنّ بها
يُصبحن فراشاتٍ.
سارّة
أَحَبُّ الشُّجيراتِ أجملُهنّ
وأقربهنّ إلى القلب،
تلك التي خارج السّور
سور الحديقة،
ظلّت برغم المسافات والرّيح واقفة
في أعالي الجبل
خارج السّور،
سور المدينة ظلّت كما الأنبياءُ
مبشّرة بانبعاث النّهار.
ولمّا تزلْ
تسبّح رغم السّواطير من ألفِ عامٍ
تسبّح واقفةً خارج السّور
سور الحديقة
مزهرةً في انتظاري!
صبري الرحموني
قصيدة جان دمو الجديدة
إلى روح جان دمو
الرّجال الطيّبون يُقتلون في المعارك
فيم المخنثون يحملون على الأعناق
تحت ضحكات القمر
«ميغيل ارنانديث» – مثلا-
مات مرميّا في زنزانة متوحشة
بينما أصحاب المؤخرات المشبوهة يتغوّطون
في النزل الفاخرة
………………… تلك هي الحقيقة.
أنا «جان دمو» كوّة باب العار
ضفادع في قاع البئر
«جان دمو» ذو السن الواحدة والقلب المليء بالرّيح والغبار
أنا «جان دمو» الكلب ابن الكلب
قرة الحانات والمقاهي
………………..هذي حقيقة تتبع
إذا أيها الصّالحون الرائعون العظماء المحمولون على الأعناق
المتغوّطون في النّزل الفخمة ………
اغفروا لي كل الذي قلته
أيّتها السّماوات الرحيمة اغفري لي خطواتي الكئيبة
ونوْمي كالزجاجة الفارغة في الساحات
أيّتها الضّباع التي تجلس الآن فوق الكراسي
وتبتسم في الشّاشات
لا تتركيني جثة تتعفن وانهشي جسدي اللعين
كي أحسّ ولو مرّة بالعدالة!
Vlademir Yebanov Bibovic
أنا الآن وحدي – وحدي تماما –
لا عصافير في حقلي ولا فراشات
ولا حقل لي أصلا
أيّامي سخيفة وأفكاري أسخف
وصيحاتي تنسكب كالسيل البركاني في المحيطات
حتى أرانبي التي خبّأتها في دهاليزي أدركها الطّاعون
(ولا أخفيكم أرانبي ليست الا أحلاما، ليست إلا أحلاما تافهة)
قديما كنت أفكّر في دخول النّهر منتعلا حذائي
أما اليوم فأفكر في خلعه قبل الدخول
وأخشى أنني غدا سأنسى النّهر وأفكّر في حذائي..
الرّاحة أفسدتك كثيرا أيها الجالس الآن في نعيمٍ كالش..
صارت مؤخّرتك هبرة لحمٍ تتعرّق كثيرا وتثير خيال الجزّارين ولعاب البعوض وتعوق حركتك.
لا ضيرَ إذن أن تسخر منّي أنا وصاحبي لأنّنا نمشي كإبرتين خفيفتين وتكرهنا المقاعد…
يجب أن يعذّبك السّهر والحمّى ويذيبان الشّحم الذي يغطّي عينيك
كي تفهم أنك في جحيم وتتذوّق لذّة أن تكون إبرة..
ملاحظة : نحن أيضا نسخر منكَ!
محمد العربي
وداع
(إلى الشّاعر الراحل أنسي الحاج)
لم تَكُنِ الكلماتُ بيضاءَ
كانت بلا لون
والهواء كان بلا طعم
والسّماء قشّرت وجْهها بغيوم موحشة
السّماء لا وجه لها لترانا
…………………….
…………………….
شاعر آخر أشعل النّار في القلب
وأبحر في الدّخان…..
الجدّ
أتذكّر كيف كنت تخبّئني تحت بُرْنُسك
حين يداهمنا المطر في الحقول البعيدة
كيف كنت تخبّىء دمعك في قلبك
محدّقا في الفراغ
كنت صغيرا ساعتَها
وكنت أظنّك تنتظر أحدًا ما
كانت الحقولُ واسعة
وخرفانُك تحفظ الطّريق إلى زرائبها
لمَ لا نخرج الآنَ إثرَها
إنها في انتظارك!
لقد أضْربت عن العُشْب والماء
إنها تفتقدك
قم وحدّثني عن الرّيح وشجرة اللّوز
حدّثني عن الماعز الذي هزمه برد «فيفري»
وعن نسائك وما فعلتْه بكَ أوشامُهنّ
حدّثني عن ريفنا الحقير…
سأبوح لك بسرّ
فأنا لا حبيبة لي ولا أصدقاءَ
وأيّامي تافهة وحقيرة
قُمْ وحدّثني….
سأعترف لك أنّني كنت أرى الحياةَ شاسعةً
من فُتْحة بُرْنُسك الضّيّقة
كان العالمُ أرحبَ ياجدّي…
كان العالمُ أرحبَ…
سفيان رجب
الشّاعـر
عاش بين فخاخ من الأخطاء
يذكر أنّ أحدها انطبق على ساقه
لكنّه قطعها، وظلّ يمشي أعرجَ.
يذكر أنّ أصابعه،
غفت على أوتار كمنجة
قدّت من أمعاء ذبائحهم
لكنّه أيقظها بجرس شعريّ
وضّأها بماء النّار،
وأكل خبزته كأيّّ مخلوق حرّ.
يذكر أنّه نسي شفتيه مقطوعتين
على طبق من نحاس
جنب سكّين ونصف فاكهة
لكنّه ظلّ يغنّي للنّاس والخبز والوردة.
يذكر أنّه صَحِبَ الشّيطانَ
ليقول له:
– إنّ الله جميل!
سكّان الغابة
من مدخل الغابة،
قال الصّيّاد للحطّاب:
– أيّها الأرضيّ الحزين
ضيّعت دراهم روحك
بين أشجار هرمة!
قال الحطّاب للصّيّاد:
– أيّها الواهم المخبول
لم تملك من السّماء
غير الرّفرفات الجريحة!
وكانت الغابة تضحك
هي تدرك، أنّ فأس الحطّاب
لن يصل أبدا إلى كنوز الأرض
وأنّ خراطيش الصيّاد
لن تبلغ أبدا نجوم السّماء.
في أعماق الغابة،
كان الشّاعر سابحا في غيمته
والعاشق حاضنا زهرته
والراعي راقصا حول مزماره
والغابة تضحك
هي تدرك أنّ الجميع
حين يعودون في المساء إلى بيوتهم
سيملؤون مواقدهم بأخشاب الحطّاب
وسيأكلون جميعهم من طيور الصّيّاد!
سعيف علي
تدارك
ما مصير جناح يسقط من طير مهاجر
الأسماء لن تكفي لتصلح حالة تسمّى الطيران
نحاول النّفاذ الآن إلى ثقب الإبرة
يحاول الجناح أن يكون خيطا
نحاول تدارك الأمر بإنقاص أوزاننا
لم تعد الفرصة متاحة
لطائر بجناح واحد.
عقال
الرّعشة تمدّدت قليلا نحو الحائط
يبدو الإطار المعلّق مستعدا للسقوط
لن تنقذه يدي هذه المرة
الشراشف مازالت تعتقلني
أحاول فعلا النهوض سريعا
المسافة بين أصابعي صارت كبيرة
عليّ أن أعود سريعا إلى اليقظة.
-عن العربي الجديد