بين الدخان والشيشة عقود … وصراع أجيال

تتبدل في المجتمعات عادات، بعضها يندثر، فيما تصمد أخرى بقوة أمام التقدّم، ويتسع حجمها لتتشكل بصور يقف أمامها المجتمع بين القبول والرفض. وما كانت عادة منبوذة قبل عقود، أصبحت مقبولة في هذا العصر، إذ أضعفتها عادة أخرى طغت عليها واحتلت مكانها فأصبح المجتمع يتقبلها، بينما كان يرفضها ويمقتها إلى حدّ قد يصل إلى مستوى الخزي والقبح.
ويعتبر تدخين السجائر في المجتمع السعودي عادة مذمومة قد يصل فاعلها إلى حد التجريم قبل أكثر من خمسة عقود. وعلى رغم أنها ظاهرة غير محمودة في الوقت الحاضر، إلا أنها لم تعد مستغربة، إذ طغت عليها عادة شرب «الشيشة أو المعسل» (النارجيلة)، التي هونت من النظرة السيئة للمدخن، وربما يُبرر فعله أمام تفشّي ظاهرة الشيشة.
ويقول أبو محمد أنه لا يدخّن ولا يستخدم الشيشة كذلك، إلا أنه جرّب التدخين في فترة طفولته: «كنت صغيراً حينها ومن عائلة محافظة جداً تصف من يدخّن بسوء الأخلاق وإنعدام التربية. وكنا نعتبره من المحرمات، وعندما بلغت العاشرة من العمر جذبتني رؤية أعقاب السجائر الملقاة على الأرض، وحاولت استخدامها وتقليد أحد المدخنين، فسرقتها منه (علبة السجائر)، وانطلقت في اتجاه بيتنا لأجرب واحدة. ولم يكن يدور بخلدي أن أبي سيشم رائحتها وستنتشر في أجواء البيت، وإذا به يهرع صوبي وهو ثائر وضربني بشدة وعنّفني على فعلتي (جريمتي) كما يصنفها والدي».
ويضيف أبو محمد: «بعد هذا الموقف الذي لا أنساه أعلنت توبتي ولم أحاول العودة إليها مرة أخرى. والحمدلله كبر أبنائي وبلغوا سن الرشد وهم من غير المدخنين».
في المقابل، بتر أحمد العمر سبابة ابنه (14 سنة)، بقطعة زجاج حين علم أنه يدخّن. سأله والده: «كيف حملت السجارة؟». فأجاب الإبن: «بإصبعي هذا وهو يشير إلى سبابته». عندها التقط والده الزجاج وأحدث جرحاً عميقاً في الإصبع ما أدى إلى قطعه. لكن تم تدارك الأمر بنقل الفتى إلى المستشفى فأعيد الأصبع في مكانه بواسطة جراحة.
أما أبو سلطان فله تجربة مع التدخين، لكنها لم تستمر لاستعاضته عنها بشرب الشيشة، ويتحدّث قائلاً: «كنت شاباً ورغبت في تجربة التدخين، لكن السيجارة لم ترق لي وكرهت رائحتها». وإستعاظ عنها بتدخين الشيشة، ويذكر أنه كان «برفقة صديق يدخّن الشيشة وحاول التأثير عليّ بقوله أن لا ضرر منها إطلاقاً، كما أنها تساعد على نسيان الهموم وتبعث الراحة في النفس. ودفعني الفضول إلى تجربتها ثم تعودت عليها فأدمنتها وبت لا أستطيع الإنفكاك عنها».
ويضع أبو سلطان اللوم على أصحاب المقاهي المنتشرة بكثرة في كل مكان، ما سهّل لكثيرين تدخين الشيشة، فضلاً عن سبل الإغراء والجذب في تلك المقاهي، ما يساعد على ارتيادها والترويح عن النفس من خلال جلساتها، «فأصبحت ظاهرة طبيعية وانتشرت في مجتمعنا».
وتقول أم سحر، التي تخلّت عن عادة تدخين الشيشة: «كنت قبل الزواج وبعد العودة من الجامعة أداوم يومياً على المعسّل خصوصاً فترة بعد المغرب». وتؤكد أنها لا ترغب بذلك ولكنها تعتبر عادة لدى أسرتها، فيما تخلّت عن هذه العادة بعد زواجها. وتضيف: «ابتعدت عن تعاطيها تماماً خشية على أطفالي من تقليدي، كما أن زوجي لا يستخدمها وشجعني على تركها».
من جهته، شدد إبراهيم الجوير أستاذ علم الإجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود، على خطورة التدخين والشيشة واصفاً هذه الظاهرة بـ«السلوك المستقذر». وقال إنه: «مؤشر لسلوكيات أخرى»، مشيراً إلى دراسة على عينة من متعاطي المخدرات يبلغ عددها 100 شخص، تظهر أن هؤلاء بدأوا في تعاطي المخدرات من طريق التدخين».
وحول تحوّل نظرة المجتمع إلى التدخين والمدخن من الــنظرة التجريمية إلى أخرى أقل قســوة وحدّة، عزا الجوير الســبب إلى «كثرة المتـــغيرات في المجتمع السعودي وطغـــيان عادات أكثر خطورة (…) ما أدى إلى تخفيف النظرة إلى التدخين والمدخـــنين». وزاد: «هذا لا يعني أن التــــدخين أصبح مقبولاً، فلم يـــكن مقبولاً سابقاً ولن يكون في وقتنا الحاضر»، لافتاً إلى أن هذه النظرة «تحـــوّلت في المجتمعات الــغربية خصوصاً في أميركا في شكل عكسي، حيث حظّر التدخين في الطائرات والقطارات والأماكن العامة. واتصفت النظرة الموجهة إلى المدخن بالدونية».