قبر يوسف “مسمار جحا” الإسرائيلي

لا يهدأ بال عشرات العائلات الفلسطينية من سكان الحي الشرقي في بلاطة البلد. فالمنطقة التي تقع في نابلس بالضفة الغربية، يزعم الحاخامات الإسرائيليون أنّ فيها قبر النبي يوسف.
ذلك الزعم، يدفع عشرات المستوطنين إلى القيام بزيارات ليلية إلى القبر. مع العلم أنّ الأهالي يؤكدون أنّه قبر رجل فلسطيني، كرّمه أهل المنطقة يوماً ببناء مقام فوق ضريحه.
ندرة المعلومات وتضاربها حول هذا المكان، وحساسيته السياسية والدينية، تجعل الحديث عنه محفوفاً بالمخاطر. ففي سؤال “العربي الجديد” لسياسي فلسطيني، حول سماح الأجهزة الأمنية للمستوطنين بزيارة قبر يوسف، يقول: “لا تبحثوا عن المشاكل، اكتبوا في موضوع آخر”.
القبر شأنه شأن 25 مقاماً، تزورها مجموعات المستوطنين، بشكل متكرر في الضفة الغربية تحت حماية جنود الاحتلال. يقيمون الطقوس هناك في ساعات الليل. ولا يخلو الأمر من اتخاذ قوات الاحتلال، بعض البيوت الفلسطينية كثكنات عسكرية، لحماية المستوطنين.
يقول الأستاذ الجامعي السابق الصحافي أمين أبو وردة، لـ “العربي الجديد” إنّ “ما تقوم به مجموعات المستوطنين بحماية قوات الاحتلال يتسبب في الكثير من المواجهات مع الشبان الفلسطينيين”. ويتابع: “في العادة يزور المستوطنون المقام مرة في الأسبوع، لكنهم توقفوا عن ذلك طوال شهر رمضان هذا العام، وكذلك خلال فترة الحرب على قطاع غزة”. وعن السبب في ذلك، يوضح: “يبدو أن المستوطنين يخشون من المواجهات مع الشبان الفلسطينيين الذين يسهرون لساعات متأخرة من الليل في رمضان. كما أنهم يهابون أثناء الحروب دخول المناطق الفلسطينية التي تشهد في مثل هذه الأوقات حالة من الغضب والغليان”.
وعن قصة القبر يقول: “أهالي نابلس قديماً كانوا يميلون للصوفية. وبالتالي فالرواية الأقرب للواقع هي أنّ القبر يعود لرجل صالح اسمه يوسف دويكات. أراد الأهالي تكريمه ببناء هذا المقام”.
أما الحاجة فاطمة محمد محمود دويكات (77 عاما)، التي تسكن في مكان ليس بعيدًا عن المقام، فتقول لـ “العربي الجديد”: “عندما كنت صغيرة كانت النابلسيات يأتين إلى القبر وينظمن الموالد. وما أعرفه أنّ المكان هو قبر سيدنا النبي يوسف، لكن لا أعرف إن كان الكلام صحيحاً أم لا”. تضيف: “حين يأتي الجيش والمستوطنون يزعجوننا بتراتيلهم الدينية واحتفالاتهم، خاصة أن زياراتهم تتم في الليل”.
في ساعات النهار، تحرس المقام دورية للشرطة الفلسطينية، لكنّها تنسحب عند دخول المستوطنين. وفي الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حاول عدد من الشبان الفلسطينيين الغاضبين إحراق المقام، لكنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية حالت دون وقوع ذلك.
مراحل
من جهته، يطرح الشاب ربيع دويكات تساؤلاً: “يوجد في نابلس بئر يعقوب. وهو والد يوسف. فلماذا تركته إسرائيل، وتتمسك بقبر يوسف؟ هذا الأمر يثير الغرابة”.
مرّ قبر يوسف، على مدار القرن الماضي بالكثير من المراحل. في البداية كان قبراً بسيطاً فوقه قبة. لكن مع نهاية الحقبة العثمانية بنيت أسوار حوله، وأغلقت القبة. عام 1927 أضيفت له عدة غرف، وعينت دائرة الأوقاف في نابلس موظفًا يحرسه، بصفته أحد الأماكن التراثية الإسلامية، وبات يستخدم كمدرسة لأهالي المنطقة. وفي تلك الحقبة كان اليهود يزورون المقام كسياح. وبعد عام 1967 الذي شهد احتلال الضفة والقدس، أمسى اليهود يحجون للمكان تحت حماية جيشهم.

ليس النبي يوسف، بل الصالح يوسف دويكات الذي كرّمه الأهالي

بقي الأمر على هذا الحال، حتى عام 1987، الذي شهد اندلاع الانتفاضة الأولى، فاستولت قوات الاحتلال على المكان بشكل كامل. ولم يخرج الإسرائيليون من المقام إلا تحت ضربات المقاومة الفلسطينية في الانتفاضة الثانية عام 2000، حيث حاصر مسلحون فلسطينيون القبر، وبداخله مجموعة من جنود الاحتلال الذين انسحبوا، بعد مقتل أحدهم.
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، شكل القبر نقطة ساخنة للمواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مما أدى إلى الوقوع العديد من القتلى في صفوف الطرفين. كما شكل المستوطنون مجموعة أسموها نواة شخيم (أي نواة نابلس)، حاولت إعادة الوجود اليهودي إلى القبر، من خلال السيطرة العسكرية عليه.
من جهتهم، يتندر الفلسطينيون على القبر، ويسمّونه “مسمار جحا”، استناداً إلى الطرفة الشهيرة. ويأتي ذلك في ظل الاختلاف الحاصل بين علماء التاريخ الإسرائيليين أنفسهم، حول مكان دفن النبي يوسف. فقسم منهم يعتقد أنه موجود في نابلس، وآخرون في الخليل، بينما يؤكد قسم ثالث أنّه دفن في مياه النيل في مصر.

عن العربي الجديد