ترك علاء، وهو سوري من بلدة الحارة في ريف درعا، عائلته قبل 4 أشهر عند الحدود الأردنية السورية. قادته رحلته إلى تركيا، منها إلى إيطاليا بحراً، حتى وصل إلى كوبنهاجن. لكن العاصمة الدنماركية لم تبتسم له. صدمته القوانين المتعلقة بالإقامة ولمّ الشمل. يقول لـ “العربي الجديد”: “تركت عائلتي وأطفالي على أمل الوصول إلى بلد يمنحني اللجوء والإقامة، فأجلبهم إليه. هكذا أخبرنا المهربون وبعض الذين وصلوا إلى الدنمارك. كان حظي سيئاً. وصلت وإذ بهم يشددون قوانينهم، ويقولون إنه لا يحق للاجئ جَلْب عائلته إلا بعد مرور سنة على إقامته. ماذا أفعل؟ تركتهم على أمل إحضارهم في أقرب وقت ممكن. كيف سأتحمل الابتعاد عنهم؟ من سيهتم بأولادي وزوجتي؟
يبدو أن اللاجئين السوريين غير مرحب بهم في الدنمارك. هؤلاء يواجهون صرامة قوانين جعلت منهم مادة للتنافس بين الأحزاب المعارضة والحكومة، بسبب تعديلات على منح الإقامات ولمّ شمل العائلات. رأت الدنمارك في تدفق 3300 لاجئ سوري هذا العام إحدى “أكبر مشاكل المجتمع”. في المقابل، يشغل بال السوريين الذين وصلوا إلى الدنمارك حال عائلاتهم التي تركوها في ظروف صعبة على أمل لم شملهم. يجدون أنفسهم عالقين بين الأحزاب المؤيدة والرافضة، وعدم قدرتهم على السفر إلى دول أخرى كالسويد. فبعدما أخذت السلطات الدنماركية بصماتهم، يصبح من حق الدول الأخرى إعادتهم إليها.
وتجدر الإشارة إلى أنه بات من حق الدنمارك، بعد توقيع تركيا على اتفاقية لقبول اللاجئين الذين رفضت طلبات لجوئهم في أوروبا، أن ترسل غير المرغوب فيهم إلى تركيا.
أوضاع غير إنسانية
وصف رئيس منظمة “مساعدة اللاجئين” اندرياس كام أوضاع اللاجئين بـ “غير الإنسانية”. أضاف: “تستقبل الدنمارك البعض لعام كامل، فيما تنتظر عائلاتهم بمناطق غير آمنة في سورية أو البلدان المجاورة”. ملامح اللاجئين لا تعكس سوى الإحباط والخوف. يقول عمر الحوراني، الذي يعيش إضافة إلى سبعين 70 شخصاً في مكان مؤقّت قرب إحدى الغابات، إننا “اضطررنا إلى ترك عائلاتنا في مناطق غير آمنة وتتعرض للقصف. لو كنا ندري أن الدنمارك ستتعامل معنا بهذا الشكل، لما قدمنا إليها وقبلنا أن تأخذ الدولة بصماتنا”. وتجدر الإشارة إلى أنه من تؤخذ بصماتهم، يصبح من المستحيل عليهم التراجع عن اللجوء للذهاب إلى دولة أخرى. يشرح عمر: “البصمة تعني أننا لم نعد قادرين حتى على الذهاب إلى السويد”.
لدى سماعهم بنوايا الحكومة، يفكر هؤلاء بالإضراب ثم ما يلبثون أن يتراجعوا. بعض أولئك الذين علموا أن تركيا وافقت على استقبال من رفضت أوروبا منحهم إقامات، يلفتون إلى تعرضهم “للخداع من قبل المهربين”. أحد هؤلاء هو محمد. يوضح لـ “العربي الجديد” أن “المهربين استغلّوا حاجتنا، وأخبرونا أن الدنمارك تمنح إقامات ولم شمل سريعاً. لكننا اكتشفنا أن الأمر مجرد كذبة”.
قيود
في شهر أغسطس/آب الماضي، أعلنت وزيرة العدل الدنماركية كارين هيكروب: “نتوقع زيادة عن الرقم الذي حددناه وهو 7500 طلب لجوء، إلى حوالي 10 آلاف حتى نهاية العام الجاري”. بعد هذا التصريح، لجأت الحكومة إلى “فرض قيود مشددة، وصلت حد توصية رئيسة الوزراء بجعل اقامات السوريين مؤقتة ولمدة عام”. ولفتت هيكروب أيضاً إلى أن “تقدّم الدولة الإسلامية في سورية والعراق سيدفعنا إلى تخصيص المزيد من المليارات للاجئين. إذ تُشير الأرقام إلى أن 20 ألف لاجئ سيطرقون أبوابنا”، وذلك في رسالة كتبتها في صحيفة “بوليتيكن” الدنماركية.
من جهتها، قالت رئيسة الوزراء في كلمتها خلال افتتاح البرلمان: “هؤلاء اللاجئون القادمون إلينا، والذين تنطبق عليهم الاقامة المؤقتة، ليس لديهم حق لم شمل عائلاتهم في السنة الأولى”.
في السياق، أوضحت مصادر حزبية محلية لـ “العربي الجديد”: “حين يسمع المواطن الدنماركي أن حوالي 800 مليون دولار هو المبلغ الذي ستصرفه حكومة بلاده على اللاجئين حتى نهاية العام الجاري، فإننا بلا شك أمام محاولة تشكيل رأي عام مساند لمزيد من التضييق”. بدوره، أوضح مورتن فيسترغوورد، وهو موظف حكومي، أن “هؤلاء القادمون لا يستحقون اللجوء، فهم يدفعون مبالغ طائلة ليتم تهريبهم. أُؤيد عدم منحهم إقامات ولم شمل”.
”
توقعت الدنمارك أن تزيد طلبات اللجوء إلى 10 آلاف حتى نهاية العام الجاري
”
ورأى حزب “الشعب الدنماركي” اليميني المتشدد أنه “إذا كان لدى الحكومة مشكلة في مواجهة التحديات هذه، يتوجب علينا تشديد القوانين. وسيكون ذلك جاهزاً في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. فمن أين ستؤمن الحكومة كل هذه المبالغ؟”.
هكذا، تقول الدنمارك للاجئين الباحثين عن مكان آمن لعائلاتهم، الذين عانوا ولا يزالون من ويلات الحرب، من خلال اضطرارهم إلى تركهم في سورية أو تركيا أو لبنان بسبب منع لم الشمل، إن “الدنمارك لن تسمح باستقبال عائلاتكم. وعلى الرغم من أن الحكومة قالت سابقاً إنها ستظل تدرس طلبات لجوء السوريين، إلا أنها تلجأ إلى التشدد من خلال وزرائها”.
وانتفض حزب “اللائحة الموحدة” اليساري في وجه هذه الاقتراحات، متسائلاً:” كيف نساهم في خلق أزمة لاجئين ثم نتخلى عن مسؤولياتنا؟”. وقال أحد قياديي الحزب المحليين لـ “العربي الجديد”: “يقال لهؤلاء اللاجئين إننا لن نمنحكم سوى إقامات مؤقتة لمدة عام، ثم ندرس إمكانية تجديدها. وبعد مرور عام سندرس إمكانية لم شمل أطفالكم وزوجاتكم. فهل يفكر هؤلاء بالانعكاسات النفسية والاجتماعية والإنسانية على هؤلاء البشر؟”.
ويبدو أن الحكومة تتجه لتطبيق هذه القيود على اللاجئين. وقد خلق هذا الأمر بلبلة في صفوف حزب “راديكال” الشريك في الحكومة، علماً أن “تدفق اللاجئين عبر الحدود ليس مهولاً، بالمقارنة مع الأعداد الكبيرة التي تستقبلها تركيا”.
ولا تتعدى أرقام اللاجئين السوريين، الذين يشغلون الحكومة الدنماركية ووزراءها وأحزاب المعارضة، 3300 لهذا العام، علماً أن بلدية واحدة في السويد استقبلت الرقم نفسه. إلا أن انغا ستويبرغ، من حزب “فينسترا” (يمين محافظ) المعارض، تلفت إلى أنه “لا يزال لدينا أوضاع أفضل للاجئين مقارنة ببلدان أخرى، أي أننا نجذب المهربين مغناطيسياً لاختيار إرسال اللاجئين إلينا”. –
عن العربي الجديد