لقاح أطفال سورية.. جرعة الموت

15 طفلاً قضوا، أول من أمس، بعد حملة تلقيح ضد الحصبة في محافظة إدلب شمالي سورية، رقم جديد يضاف إلى عدد الشهداء من الأطفال، البالغ 12795 شهيداً، منذ انطلاق الثورة السورية في العام 2011 وحتى 27 يوليو/ تموز الماضي، بحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
كيف وقع الحادث
انطلقت، منتصف الشهر الجاري، حملة تلقيح ضد مرض الحصبة في محافظة إدلب شمالي سورية، لقح 500 طفل في بلدة سرمدا، و2000 طفل في مدينة كفر نبل ومحيطها، وما لا يقل عن 300 طفل في بلدة كللي، وحوالى 300 آخرين في قرية كفر يحمول، من دون أي إصابة بين الحاصلين على اللقاح في المناطق المذكورة.
يوم الثلاثاء، انطلقت حملة جديدة للتلقيح ضد الحصبة في منطقة ريف مدينة معرة النعمان شرق محافظة إدلب، لُقّح مئات الأطفال في البلدات والقرى التابعة لمعرة النعمان، وقعت على إثرها عشرات من حالات التسمم، تطورت إلى وفاة الأطفال ممن حصلوا على اللقاح في بلدات ومدن جرجناز وتلمنس وصراع وأم مويلات والشيخ بركة، الواقعة في ريف معرة النعمان.
أدت حالات التسمم إلى إصدار مديرية صحة ادلب الحرة، التابعة لوزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة (المسؤولة عن حملة التلقيح التي كان مقرراً أن تتواصل لخمسة أيام)، بياناً أعلنت فيه الإيقاف الكامل لحملة تلقيح الأطفال، مؤكدة أن كل اللقاحات مستلمة من منظمة الصحة العالمية، وأنها مطابقة لمواصفات السلامة المعتمدة دولياً، وأشارت إلى احتمال وقوع اختراق ذي طبيعة جنائية لكوادر الحملة بهدف قتل الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
داخل مشفى الشفاء في مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، التقت “العربي الجديد” المسعف ياسر عبد الرزاق، أحد سكان بلدة جرجناز، الذين شاركوا في إسعاف الأطفال المصابين في البلدة. لا يستبعد ياسر فرضية العمل الجنائي بناء على العلامات التي رآها على الضحايا بعد حصولهم على اللقاح بفترة قصيرة.
“المصابون كان لديهم تشنجات عصبية وعضلية وارتفاع كبير في درجة حرارة الجسم وتحول لون البشرة إلى اللون الأزرق، بالإضافة إلى حالات تقيؤ. ظهرت الأعراض على الأطفال بعد فترة قصيرة من حصولهم على جرعة لقاح الحصبة”، يقول ياسر.
يتوقف لالتقاط أنفاسه ويتابع “بالتأكيد يوجد سبب جنائي لما حدث لأن فترة ظهور أعراض التسمم على الأطفال بعد الحصول على اللقاح بين خمس دقائق إلى نصف ساعة فقط”. يحوي مشفى الشفاء قسماً خاصاً لعلاج الأطفال، قام الأطباء في المشفى بإعطاء الأطفال المصابين بالتسمم مجموعة من المضادات الحيوية وخافضات الحرارة بالإضافة للأدرينالين، الأمر الذي ساعد في حفظ حياة المصابين، كما أوضح ياسر.
خارطة الموت
يحدد الناشط محمود العبد الله، من مدينة جرجناز، عدد حالات الوفاة والإصابات وأماكن انتشارها بالقول “تم تسجيل 15 وفاة لأطفال في منطقة ريف معرة النعمان بعد حصولهم على لقاح الحصبة، حتى الآن سجلت 5 حالات وفاة لأطفال من بلدة جرجناز و3 حالات وفاة لأطفال من بلدة تلمنس و3 حالات وفاة في قرية صراع وحالتا وفاة في قرية الشيخ بركة وحالة وفاة واحدة في كل من بلدة سنجار وقرية أم مويلات، بالإضافة إلى أكثر من 100 حالة تسمم تم إسعافها في مشافي المنطقة”.
في المقابل لم تسجل أي حالة تسمم في منطقة سرمدا، التي انطلقت فيها حملة التلقيح، بحسب الناشط الميداني شريف الشيخ.
معايير السلامة
كيف تجرى عملية تلقيح الأطفال في مناطق الثوار؟ للإجابة عن هذا السؤال، يشرح الناشط محمد السلوم، المقيم والمتابع للوضع الصحي في كفرنبل بريف إدلب، ما يجري قائلاً “في العادة تنتدب الجهة التي ترغب بتنفيذ حملة تلقيح للأطفال في المناطق التي يسيطرعليها الثوار مجموعة من الأطباء والممرضين العاملين في النقاط والمراكز الطبية، تسلمهم كميات من اللقاحات في الغالب يكلفون شباناً غير مختصين بالأمر، لعدم وجود الكوادر اللازمة”.
يقوم الناشطون بجولات ميدانية على السكان، يلقحون الأطفال عبر نقاط الفم، يتم النداء على الأهالي عبر مكبرات الصوت في الجوامع لجلب أطفالهم إلى مراكز التلقيح، في الغالب لا يجري اتباع معايير السلامة الخاصة باللقاحات من حيث كيفية حفظها ونقلها، ذلك أن المسؤولين عن تلقيح الأطفال غير مختصين، على عكس الوضع في مناطق سيطرة النظام السوري في محافظة إدلب، كمدن إدلب وأريحا وجسر الشغور، التي ما تزال المستوصفات والنقاط الطبية الحكومية فيها توفر اللقاحات للسكان في يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ويشرف على إعطاء هذه اللقاحات ممرضون مختصون، بحسب السلوم.
لم يؤد عدم اتباع معايير السلامة الخاصة باللقاحات إلى كوارث مماثلة من قبل، رغم تعدد حملات التلقيح التي جرت في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال والشرق السوري، في العام الحالي والماضي، في مناطق حلب وإدلب والرقة ودير الزور وريف الحسكة وريف اللاذقية، والتي تم تلقيح مئات الآلاف من الأطفال فيها ضد أمراض شلل الاطفال والليشمانيا والحصبة.
يستبعد الطبيب السوري أحمد صبيح، وهو أخصائي الأمراض الفيروسية، أن يكون سبب وفاة الأطفال عدم صلاحية اللقاح “لأن لقاح الحصبة، مثل مختلف اللقاحات، عبارة عن فيروسات ضعيفة جداً تزرع في جسد الطفل لتقوم مناعة جسده بالقضاء عليها”.
ويتابع “لا يحتاج الفيروس سوى إلى ثلاجات لحفظه، وفي حال عدم وجود هذه الثلاجات يموت ويفقد صلاحيته للتلقيح ولا يبقى له أي مفعول”.
يتفق صبيح مع فرضية السبب الجنائي، لأن الحالات التي أصيبت بالتسمم في ريف معرة النعمان الشرقي توفيت خلال مدة قصيرة تراوح بين نصف ساعة وساعتين، وهو أمر لا يحصل في حالة العدوى بفيروس الحصبة، الذي تؤدي الإصابة به إلى أعراض، منها ارتفاع درجة حرارة الطفل المصاب بالحصبة لمدة ثلاثة أيام يعاني فيها من زكام وسعال واحمرار وحرقة بالعينين، وعند نهاية اليوم الثالث تظهر بقع بيضاء داخل الفم تشبه ذرات الملح، وفي اليومين الرابع والخامس يظهر طفح جلدي أحمر اللون يبدأ خلف الأذنين ثم ينتشر على الوجه، ثم الجذع، وأخيراً يغطي سائر الجسد، ليبدأ الطفح الجلدي بالتلاشي في اليوم السادس من بداية المرض، فيما يتماثل الطفل للشفاء بعد مرور أسبوع تقريباً.
يؤكد صبيح أن الفيروس لا يؤدي للوفاة إلا في حالات نادرة قائلاً “إذا افترضنا أن اللقاح تم تخزينه بدون تبريد وفسد فإنه فاقد للفعالية ولن يقتل الطفل”.
صحة الائتلاف
للبحث عن السبب الحقيقي وراء الحادثة، تواصلت “العربي الجديد” مع بلال الأحمد، الناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، والتي تتخذ من مدينة غازي عينتاب التركية مقراً لها، سألنا الأحمد عن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة للتأكد من صلاحية اللقاحات، فأكد أن وزارة صحة الحكومة المؤقتة فحصت جميع العينات قبل تسليمها لمراكز التلقيح. “الوزارة وجدت جميع العينات سليمة ومطابقة للمواصفات المعتمدة دولياً”، يقول الأحمد، قبل أن يتابع “أوقفنا جميع عمليات التلقيح داخل سورية لحين انتهاء التحقيقات خاصة، مع وجود شبهة جنائية، كما قال وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة عدنان حزوري”.