لائحة مرشحي «نوبل للآداب».. هل يأتي الفائز من خارجها

في انتظار «الحرب» و«داعش»، في انتظار مختلف عمليات الانتخابات المتنوعة بمشاربها كما في انتظار إقرار سلسلة الرتب والرواتب وغيرها من الأشياء العالقة في هذا البلد السعيد، «لنتسلَّ» قليلا بأشياء بعيدة عنّا، تشغل بال الأوساط الثقافية في العالم هذه الأيام: «جائزة نوبل للآداب» ـ (التي تعلن نهار غد الخميس، الثانية من بعد الظهر بتوقيت بيروت). السؤال المطروح هو «من يخلف الكاتبة الكندية أليس مونرو التي حازتها العام الماضي»؟
عديدة هي التكهنات بالأسماء التي تأتي كلّ عام. منها ما يظهر للمرة الأولى ومنها ما يُستعاد دوماً. وبين الأمرين، قليلا ما تصيب هذه التكهنات، وغالباً ما يأتي اسم الفائز من مكان بعيد عن كلّ الطروحات التي نكون سمعنا بها. ربما بهذا المعنى يبدو أن اللجنة الملكية السويدية، «شاطرة» في مراهنات الخيل، لأن «الفرس» الفائزة دوماً تكون من خارج لائحة التكهنات.
في أي حال، واستمراراً لهذه اللعبة، تفيد الجولة على بعض مواقع «التكهنات» و«المراهنات» الخاصة بـ«نوبل للآداب» أن من أبرز المرشحين هذه السنة هو أيضاً الكاتب الياباني هاروكي موراكامي. منذ سنوات واسم موراكامي يرد بقوة، إلا أن اللجنة الملكية السويدية، لديها رأي آخر، وبخاصة أنها منذ سنتين كافأت كاتباً «آسيوياً» آخر هو الصيني مو يان، لذلك هل من المحتمل أن يكون الفائز؟ بعض النقاد السويديين الذين على علاقة مباشرة ببعض أعضاء الأكاديمية يجدون أن الكاتب الياباني لم يحز الجائزة بعد لأنه «لا يملك هذا العمق الكافي في أدبه». قد يكون هذا صحيحاً، لكن والحال كذلك هل كان مو يان، الصيني، يملك هذا العمق؟ بالتأكيد حاله ليس بأفضل من زميله ولكنه حازها العام 2012. ومن الأسماء المرشحة دائماً هناك الأميركيان جويس كارول أواتس وفيليب روث، لكن هل تتم مكافأة أميركا بعد أن كوفئت كندا السنة الماضية؟ سؤال يثير الكثير من التردد. ومن ضمن هذا السياق نجد سلمان رشدي والكيني نغوجي وا ثيونغ (الذي يبدو على الدرجة عينها من الحظوظ وفق مواقع التكهنات والترشيحات) والصومالي نور الدين فارح والروسية البيضاء زفلتانا الكسيسفيتش والألباني اسماعيل كاداريه والنمساوي بيتر هندكه والكوري كو أون، وهم كلهم من الكتّاب الذين لا تتوقف أسماؤهم عن العودة منذ سنوات عديدة، بيد أنهم لغاية الآن ما زالوا ينتظرون.

أدونيس

بالتأكيد علينا أن لا ننسى اسم أدونيس إذ يقول موقع «لادبروكس» أن اسمه هذا العام يبدو أكثر حضوراً في قائمة المرشحين المفضلين، فمن ناحية لأن الشعر لم يكافأ كثيراً في الفترة الأخيرة ـ حازها السويدي ترانسترومر العام 2011، وقبله البولندية شيمبوريسكا العام 1996 ـ أي منذ عشرين سنة تقريباً وكأن الشعر غائب عن أعضاء الأكاديمية. من دون أن ننسى أن الأدب العربي لم يفز إلا مرة واحدة وكانت في 1988 مع نجيب محفوظ. بيد أن سؤالا يطرحه الموقع لا بدّ من أن يجعلنا نفكر في احتمالاته. يقول السؤال: «هل ترغب الأكاديمية السويدية أن تشرّف حالياً كاتباً يأتي من منطقة ممزقة بالحرب»؟ إجابات مختلفة وعديدة يفترضها السؤال، وعلينا أن نقرأه بكل توجهاته الثقافية والسياسية وبعيداً عن كون أدونيس يستحق الجائزة، إذ لا يمكن تجاهل أن منجزه أفضل بكثير ممن حازوها.

الأدب الفرنسي

منذ أيام، كان الكاتب «الفرنسي» الوحيد الذي ورد اسمه هو ميلان كونديرا (التشيكي الأصل). قد لا يختلف أحد على أهميته، وقد سبق للأكاديمية أن منحت «فرنسياً» آخر من أصل صيني هو غاو كسينيانغ. لكن البارحة أفاد موقع «لوفيغارو» أن فرنسياً آخر يبدو مرشحاً فوق العادة وهو الروائي باتريك موديانو. صحيح أن اسمه «مرّ منذ سنوات، لكنه لم يكن قد وصل بعد إلى هذه الدائرة الضيقة» كما يقول ناشره غاليمار. في أي حال، وتعليقاً على اسم موديانو يفيد موقع «لادبروكس» أن الكاتب معروف بالسويد منذ العام 1968، أي مع ظهور كتابه الأول «ساحة النجمة». أعمال موديانو اليوم مترجمة إلى 36 لغة، مثله مثل الفرنسي الآخر لوكليزيو الذي حاز الجائزة عام 2008. والنقطة الثانية المشتركة بين هذين الكاتبين أن ناشرهما السويدي هو ذاته، ما يعني أنه قريب من العديد من أعضاء الأكاديمية السويدية.
لكن قبل ذلك، لنقف قليلا ونتذكر: في عام 1964، أي قبل خمسين سنة بالضبط، رفض جان بول سارتر جائزة «نوبل للآداب»، لأسباب كثيرة كتبها وأعلنها، وما زال رفضه هذا يثير، بعد مرور نصف قرن، الكثير من الأحزان والكثير من الجدل. من هنا، هل يمكن في هذه «الذكرى» (التعيسة!!) أن تشير اللجنة الملكية السويدية إلى فوز كاتب فرنسي؟ نعرف جيداً أن «جماعة» نوبل «عاقبت» الآداب الفرنسية من العام 1964 (أي بعد رفض سارتر) ولم تمنح جائزتها لكاتب فرنسي آخر إلا في عام 1985 حين أعطتها لكلود سيمون؛ وخلال هذه السنين الواحدة والعشرين ارتفعت أصوات كثيرة منددة بخيار «الاستبعاد» هذا، ولم «تُحل» القضية إلا بعد مجيء هوراس إيغدال (عضو الأكاديمية السويدية ولجنة نوبل)، إذ يُعرف عنه حبّه الكبير للأدب الفرنسي. وإذا ما قررت اللجنة الملكية تكريم الأدب الفرنسي، لتبدو وكأنها نسيت ما فعله سارتر، لتظهر أكثر ديموقراطية وانفتاحاً، لا بدّ من أن نسأل لمَ لا تذهب الجائزة مثلا إلى الشاعر إيف بونفوا، حتى وإن لم يرد اسمه على قائمة المرشحين هذه السنة؟ أولاً هو شاعر، وبهذا تعيد الشعر إلى التكريم «النوبلي»، ثانياً، لو نظرنا جيداً إلى السنوات الماضية لوجدنا آلية تبدو موجودة مع أعضاء نوبل، وهي أن ثمة أسماء تظهر في سنين ويتحدث الجميع عن حظها الوافر بالفوز، إلا أنها لا تحوز شيئاً وحين تختفي الأسماء من التداول، تفاجئنا اللجنة باختيارها. هذا ما حصل مع ترانسترومر ومو يان وبارغاس يوسا ونايبول وغونتر غراس في هذه السنين الأخيرة.
أسماء وأسماء. لكل واحد ذائقته الخاصة، لكن الأكيد في الأمر أن غداً الخميس وبعد الساعة الثانية من بعد الظهر، يمكن لي أن أفيدكم باليقين المبين: اسم الفائز بجائزة نوبل لهذا العام.

عن السفير