كوباني / عين العرب / تقاوم…

اسماعيل جربي عالم اثار، انهى اختصاصه في الجامعة اللبنانية في بيروت وتوجه الى بلدته الواقعة في شمال سوريا لاكمال حياته. لم يكن يتوقع يومًا ان بلدته عين عرب المعروفة باللغة الكردية باسم “كوباني” ستكون محاطة بتنظيم ارهابي يقتل ويذبح وينحر ويطبق الشريعة وفق اجتهاداته البربرية. لاسماعيل ولدان روني (١١سنة) وروان (٣سنوات) يخاف عليهما ويقلق من ما سيخبئ لهما المستقبل. ذلك المقاوم بطبعه مثل غالبية الشعب الكردي يرفض رفضاً تاماً الخروج من منطقته بسبب ارهاب “داعش”، وعندما تذكر ابنيه وزوجته استدرك قائلاً “اذا دخل داعش سننزح الى تركيا لأحميهم”، وفي صوته يظهر حزناً كبيراً وخيبة أكبر في حال سقطت “كوباني”.

حال اسماعيل العاطل عن العمل حال كثيرين، يعيشون الحرب والقذائف التي تسقط والاشتباكات التي تدور على الجبهات الشرقية والغربية والجنوبية بين مقاتلي “الدولة الاسلامية” ووحدات حماية الشعب الكردي.
لا كهرباء، لا مياه، لا طبابة ولا حتى مواد غذائية كافية، فلولا المساعدات من هيئات الاغاثة الكردية والجمعيات والاحزاب الكردية، لكانت كوباني اليوم تعاني اكثر مما يعيشه الاهالي من اسى. يقول اسماعيل الذي ابى ان يترك منطقته مثلما فعل المئات ولجؤوا الى تركيا، “نعيش اليوم قساوة الحرب وارهاب داعش”.
يتخوف سكان مقاطعة عين عرب من دخول التنظيم الى القرى التي لا تزال تحت سيطرة اكراد سوريا، غير ان “داعش” استطاع السيطرة على اكثر من ٦٨ قرية كردية ضمن مقاطعة عين عرب الكردية، وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان لـ”النهار”، في حين اشار شاهد من كوباني ان التنظيم الارهابي سيطر على اكثر من مئة قرية كردية.
وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان مقاتلي “داعش” باتوا على بعد بضع كيلومترات فقط من مدينة عين العرب…”.

“داعش” يتقدم.. والسبب؟
تقع عين عرب التابعة لمحافظة حلب في الشمال السوري، وهي منطقة حدودية مع تركيا. تعيش هذه المدينة الكردية التي تضم أكثر من 400 قرية منذ نحو سنة ونصف السنة، حالاً من الرعب والخوف مع تقدم “داعش” عند الجبهات التي تحدها جنوباً شرقاً وغرباً. منذ منتصف هذا الشهر، دخل الأكراد القاطنون في هذه المنطقة، حرباً قد تنتهي بـ”سنجار” جديد!
تشهد كوباني قصفاً عنيفاً من تنظيم “الدولة الاسلامية”، والاشتباكات لا تتوقف على كل الجبهات، الشرقية والغربية والجنوبية.
يشرح مساعد وزير خارجية مقاطعة كوباني ادريس نعسان في حديث مع “النهار” أن تقدم “داعش” وسيطرته على أكثر من مئة قرية، ناتج عن قدرة “داعش” العسكرية، “فالمقاتلون يمتلكون عتاداً ثقيلاً، اضافة الى عدد كبير من المقاتلين الاجانب وهم مدربون ولديهم خبرة كبيرة وطويلة في هذه العمليات الارهابية”. كما يعزو تقدم “داعش” الى أن وحدات حماية الشعب الكردي تفتقد الى السلاح النوعي، ويشرح ان أولوية هذه الوحدات حماية الأهالي، لذلك هم ينسحبون لتفادي الخسائر التي قد يتكبدونها ويقومون باخلاء القرى.
ورغم ضربات التحالف الغربي “الخجولة” ضد “داعش” في المناطق المحيطة بعين عرب، لا يزال ارهاب “داعش” يتوغل في القرى الكردية، “هذه الغارات تقصف داعش بشكل طفيف، وتقتل بعض العناصر ولا تؤثر حتى في تحركاتهم”، ويطالب نعسان بضرورة أن يلتفت المجتمع الدولي الى معاناة أهالي كوباني وأن يعمد على تسليح وحدات حماية الشعب الكردي واغاثة المواطنين وتكثيف الغارات .

أهمية كوباني استراتيجياً بالنسبة لـ”داعش”

تقدم تنظيم “الدولة الاسلامية” سريعا، خصوصاً في الأسبوعين الماضيين، وهو مستمر في ولوجه حتى يسيطر على المنطقة التي تهمه استراتيجياً لأسباب عدة. وبسيطرته على منفذ حدودي مع تركيا، ينعكس الأمر ايجابياً عليه وعلى امكاناته العسكرية والعددية “كون المقاتلون يستفيدون من تركيا لوجستيا”، وفق ما شرح أحد مواطني كوباني الملقب بـ”أبو حدو” لـ”النهار”.
يحاول “داعش” دخول عين عرب لربط “الريف الحلبي مع الريف الرقاوي”، وفق “أبو حدو” الذي لفت الى أن التنظيم يريد القضاء على “المقاومة الكردية كونها منظمة و شرسة في القتال و لا يمكن اختراقها”، كما أنه يهدف “للانتقام من الجيش الحر الذي تحالف مؤخرا مع القوات الكردية تحت اسم “بركان الفرات”.
سيناريوهات كثيرة ترسم لهذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة لجميع الاطراف، فلتنظيم الدولة الاسلامية اسبابه للسيطرة على عين عرب، ولتركيا حسابات ومخططات بين انشاء منطقة عازلة وبين اقامة منطقة مستقلة للاكراد. اما الاكراد فمستمرون في المقاومة للمحافظة على مقاطعة عين عرب، وذلك بمساعدة وحدات حماية الشعب الكردي.

“وحدات حماية”
تحاول وحدات حماية الشعب الكردي التصدي لـ”داعش” بكل ما تيسر من قوة وأعتدة، فقد أنشئت هذه القوة الشعبية مع بدء الحرب السورية ، ويقول نعسان أن ” أبناء كوباني القادرين على حمل السلاح وعلى الدفاع عن مدينتهم يشكلون هذه الوحدات”. ولا تقتصر هذه المجموعة المسلحة على أكراد سوريا فقط، فقد دخل المئات من أكراد تركيا للمشاركة في “المقاومة”ومقاتلة “داعش”. لا عدد محدداً لقوات حماية الشعب الكردي، كما لا احصاءات عن اعداد الأكراد الذين يدخلون من تركيا.
بين تركيا وعين عرب معبر واحد “مرشد بينار”، يدخل من خلاله أكراد تركيا، ويقول نعسان ان وفوداً كبيرة، رجال ونساء، من كل الأعمار دفعتهم القضية الى دخول كوباني، هذه الأعداد لم تدخل فقط بهدف المهمات العسكرية بل لاغراض اغاثية ومساعدة الأهالي. كما تمكن أولائك الوافدون من الدخول عبر معابر غير شرعية بعد أنهم أزالوا الأشرطة الشائكة التي تفصل بين المنطقتين.
نفى نعسان ما تم تداوله في الأيام الأخيرة عن ان قوات البيشمركة التابعة لاقليم كوردستان العراق دخلت كوباني، “هناك انباء عن تجهيز هذه القوة وارسالها لمقاتلة داعش لكن لم يتم ارسالها رغم وعود رئيس اقليم كوردستان العراق مسعود بارزاني”.

دور تركيا

تبقي تركيا العين مفتوحة على منطقة عين عرب كونها تقع عند الحدود، اما قاطنو كوباني فينظرون بطريقة سلبية الى هذا البلد المجاور وكثيرون يكيلون له التهم بأنه “حليف لداعش”. أحد الصحافيين الأكراد قال لـ”النهار” ان تركيا تلعب دوراً سلبياً تجاه القضية الكردية وكوباني. أما نعسان، فأشار الى أن “ساكني المناطق الحدودية اكدوا ان القطار التركي توقف قبالة قراهم وأنزل الامدادات العسكرية والذخائر والاسلحة التي يرجح انها وصلت للدولة الاسلامية”، مضيفاً ان تركيا تعالج جرحى “داعش” في مستشفيات عدة”.
وأكد نعسان لـ”النهار” ان اكراد تركيا يقومون بحراسة الحدود لمنع وصول هذه الامدادات الى مقاتلي الدولة الاسلامية، “غالباً ما تندلع اشتباكات بين هؤلاء الاكراد وحرس الحدود التركي… فمنذ نحو يومين استشهد كرديان نتيجة هذه الاشتباكات التي وقعت بين ثلاثة اطراف: الاكراد وحرس الحدود التركي وداعش”.
وعن المساعي للطلب من تركيا المساعدة، قال “قمنا بتوجيه رسالة الى الحكومة التركية والى اعضاء البرلمان التركي شرحنا فيها خطر داعش علينا وعلى تركيا وعلى المجتمع الدولي. واكدنا لهم اننا لا نشكل تهديداً بالنسبة الى تركيا وطالبناهم بدعمنا عسكرياً لكن الى الآن لم نتلق اي دعم”.

أكثر من 200 ألف كردي عالقون اليوم عند الحدود مع تركيا، ومع تقدم “داعش” سيرتفع عدد النازحين والضحايا. قلق كبير وتوتر في عين عرب من تنظيم لا يعرف الرحمة. والمأساة الكبرى ان تتحول كوباني “سنجاراً” آخر في حال لم يتعاون المجتمع الدولي والسلطات التركية في الدرجة الأولى مع النازحين ومع وحدات حماية الشعب الكردي. وتبقى الايام القليلة المقبلة مفتاحا لمرحلة جديدة تدخل فيها المنطقة، اما بالانتصار او بسنجار جديد.

عن النهار