علم نساء الثورة

في قبو أرضيّ تعلوه طبقات خمس تحميه من براميل طيران الجيش السوري وسط بلدة كفرنبل، يقع مركز “مزايا”. وفي هذا القبو، نجحت نساء المركز بحياكة أطول علم للثورة السوريّة في العالم.

والعلم الذي رفعته هؤلاء النسوة بأيديهنّ في ريف إدلب، أتى بطول 75 متراً وعرض مترَين وربع المتر. وقد شاركت في حياكته أكثر من خمسين امرأة على مدى شهر كامل

وتقول مديرة المركز غالية رحّال إن الأمر كان “فكرة، أردنا من خلالها الإشارة إلى إرهاب النظام السوري وإرهاب تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش). والعمل يمثّل بطوله ووزنه ودقّة عمله، العبء الذي حملته المرأة السوريّة في السنوات الأولى للثورة”.

تضيف “هو تعبير عن انتمائنا إلى ثورتنا، علم الرجال يُحمل بسهولة. أما علمنا فثقيل جداً، لأنه من الصوف الخالص”. وتتابع أن “هذا النشاط حقّق استفادة اقتصاديّة لعدد من النسوة، إذ تقاضت كل امرأة مبلغاً وفقاً للأمتار التي حاكتها. ولا يمكن تخيّل السعادة التي ارتسمت على وجوههنّ عندما علمن أن لذلك مردوداً من شأنه أن يسدّ جزءاً من مصروف المنزل”.

وهذا المركز الذي يُعنى بتمكين المرأة السوريّة وتأهيلها، كان قد تأسس في الأول من يونيو/حزيران 2013، بهدف أن تتكيّف النساء مع الظروف المحيطة بهنّ. وذلك من خلال التدريب على الإسعافات الأوليّة والاستفادة من دورات مهنيّة، وبالتالي مساعدة أسرهنّ اقتصادياً بأعمال بسيطة وسط ظروف الحرب الظالمة التي دخلت عامها الرابع.

وتقول رحّال: “كانت مدّة العمل التطوّعي المتّفق عليها ثلاثة أشهر. وبعد إعلان افتتاح الدورات، تفاجأنا بالأعداد الكبيرة لنساء المدينة وللنازحات إليها”.

وتوضح أن المركز “يقدّم دورات في مجالات مختلفة منها الإسعافات الأوليّة واللغة والخياطة، بالإضافة إلى الدعم النفسي الذي يتمّ من خلال لقاءات تجمع النسوة لمشاركة تجاربهنّ وطرح المشاكل والهموم المرتبطة بالوضع المعيشي والحربي الذي تعيشه المدينة”.

استطاع المركز لمّ شمل أكبر عدد من النساء في زمن يصعب عليهنّ التجمّع، بسبب القصف والنزوح المتواصل، وبسبب خوف الرجال عليهنّ من الخروج على خلفيّة الحالة الأمنيّة السائدة في البلدة ومن المقاتلين الأجانب.

لكن هؤلاء النساء واجهن انتقادات من محيطهنّ الذي تتحكّم به العادات والتقاليد. فهو عبّر عن عدم رضاه بخروج المرأة من منزلها هي التي يفترض عليها رعاية أطفالها. وتشير رحّال إلى أن “المرأة أصبحت عبئاً على أهل بيتها، ظناً منهم أنها غير قادرة على التأقلم مع الوضع الجديد الذي فُرض على الجميع. فكسر المركز الخوف واستبدله بأمل للنساء بإتقان مهنة يرغبن في العمل بها. لم نصغِ لأحد وقرّرنا المتابعة. وبعدما توضّحت نتائج جودة عملنا، تغيّرت الآراء.

تضيف “صار عندنا سيدات مؤهلات في التمريض والتدريس والحياكة وغيرها. واليوم يسعى الجميع إلى إرسال البنات والزوجات لتلقي التدريب في المركز”. وتتابع “وهكذا نجح المركز بتحقيق الجزء الأكبر من شعاره: لم أعد عبئاً، أصبحت سنداً”.

يتراوح عدد المتدربات اليوم ما بين 250 و300 متدرّبة، صبا واحدة منهنّ. تقول: “النساء بحاجة إلى مساندة بعضهنّ البعض، في وقت لا يلتفت أحد إلينا وإلى مطالبنا واحتياجاتنا لا في الداخل ولا في الخارج. على الرغم من عدم توفّر الدعم، قرّرنا توسيع كادر العمل والاستمرار في دورات التمكين من نسج ومحو أميّة وخياطة، إلى جانب المحاضرات والمسابقات ودورات الكمبيوتر. فالقضيّة ليست تعليم مهن وحسب، بل هي حاجة لنا كي نؤمن بقدراتنا وإمكانياتنا ونجتمع ونتحاور ونحاول حلّ بعض مشاكل المجتمع المحلي بصفتنا نساء سوريات فاعلات”.

عن العربي الجديد