قراءة نقدية لتجربة الإدارة الذاتية بعد ست سنوات من التأسيس…!

62

أكرم حسين

 

 تأسست الإدارة الذاتية في المناطق الكردية الثلاث في سوريا (قامشلو، عفرين، كوباني) من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، انطلاقاً من نظرية الأمة الديمقراطية التي أرسى دعائمها زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان.

لاشك بأن هذه الإدارة قد صمدت في وجه العوامل التي حاولت إنهائها واستطاعت أن تحافظ على السلم الاجتماعي وأن تقدم بعض الخدمات وتمنع دخول المجموعات الإسلامية المتطرفة إلى مناطق سيطرتها، إلا أنها لم تكن النموذج الذي كان يطمح إليه الكرد رغم طابعها العلماني فقد رافق عمل هذه الإدارات الكثير من التقاعس والفساد والتقصير.

اليوم بعد ست سنوات من تأسيس هذه الإدارات يجد الكرد أنفسهم أمام تجربة لم يكتب لها التطور والتقدم إلى حالات أو نماذج من الحكم الرشيد تنتهج الشفافية  والمشاركة وحكم القانون في عملها وتوجهاتها وتنتقل إلى صيغ  تتجاوز شمولية النظام السوري وتتفوق عليه في إطلاق الحريات وكسر الهيمنة وإنهاء الاحتكار والحد من البيروقراطية والروتين، ووضع نظام عادل لتوزيع الثروة، وتأمين الرعاية الصحية والاجتماعية، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين بسهولة ويسر، وهي من بين أهم الأسباب – إضافة إلى حقوق الكرد القومية –  دفعت الكرد إلى النزول إلى الشارع، للمطالبة بتغيير النظام، كي تكون سوريا دولة مواطنة متساوية، ديمقراطية تعددية لكل السوريين بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين. وهنا لابد من القول كي لا نتهم بالعدمية أو الانفصال عن الواقع بأن الظروف التي تأسست  فيها الإدارة، وحالة الحرب والحصار، ومحاربة داعش، ونقص الخبرات، وضعف الموارد، وكل ما يمكن أن يقال هنا، هي أسباب منطقية لتبرير بعض النواقص والثغرات، لكنها لا تبرر واقع الحال الذي وصلت إليه تجربة الحكم التي خاضها حزب الاتحاد الديمقراطي، وواقع الإدارة الحالية، وما وصلت إليه من ضعف وفساد ومؤسسات شكلانية، وتكريس النزعات الفردية والأنانية، والتي لم تتقدم من داخله، وتاهت عن هويته السياسية الكردية بشكل متعمِّد ومدروس، وانقلبت إلى هوية سياسية مضادة، وإلى نظام حكم يحاكي تجربة النظام السوري من استبداد، وغياب العدالة، وتمركز السلطة والثروة، مع غياب المشاركة الحقيقية في ظل تقوقع فكري وايديولوجي، وهو ما دفعها إلى أن تبتعد عن طموحات الكرد وبعض المكونات الأخرى في سوريا، لدرجة أنها اسَتهْلَكَتْ تحت شعارات الثورية والديمقراطية، القيِّم الأخلاقية والنضالية، والمفاهيم السياسية والمبادئ الأيديولوجية لنظرية الحزب المذكور.

إن بقاء الإدارة الذاتية في بعض المناطق بعد خسارتها لـ (عفرين وكري سبي وسري كانييه) واحتلالها من قبل الدولة التركية لا يضمن ديمومتها واستمراريتها، فبقاؤها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتوازنات القوى الإقليمية والدولية وبالوجود الأمريكي الذي لولاه لكانت الآن في مكان آخر .! فهي الآن بين فكي كماشة، لأن تركيا وروسيا والنظام على أهبة الاستعداد للانقضاض وتكرار سيناريوهات عفرين والمناطق الأخرى عبر إجراء صفقات متبادلة، فالكرد هم الورقة الأضعف في الحرب السورية القذرة، وربُّما يكونون دائما ضحايا لهذه الصفقات.

إن تكرار هذه السيناريوهات -لا قدر الله – يعني مزيد من التهجير والتغيير الديمغرافي، وخسارة ما تبقى من كردستان سوريا، ولن يكون بمقدور الكرد البقاء في مناطقهم أو العودة إليها، لأن ممارسات الفصائل والانتهاكات الفظيعة التي تجري في مناطق الاحتلال، إضافة إلى سلوك النظام في جغرافيا المصالحات تثير في نفوس الجميع الخوف والفزع، بحيث لا يكون لديهم أي خيار أو تفكير بالبقاء أو العودة.

الصراع الذي يجري الآن في مناطق الإدارة القائمة لا علاقة له بالصراع الأول الذي اندفع إليه الكرد في البدايات لأسباب تحررية أو قومية، فهو يفرز الآن تمايزاً بين هويتين متناقضتين لا علاقة لهما ببعضهما، رغم أن الكرد هم من يتحملون وزر وتبعات سياسات الإدارة وصراعاتها مع الأطراف المختلفة وهم ليسوا جزءاً منها.

الخطأ الذي ارتكبته الإدارة في السياسات والممارسات القمعية والاقصائية، والتي مارستها بحق المجلس الوطني الكردي، وأوصلته إلى حالة من الضعف والوهن والشلل هو خطأ قاتل، دفعت بنشاط – الكردي-  وتحركه في الخارج بروح عدائية وانتقامية لدى الدول الإقليمية والدولية والمنظمات الأممية المعنية بحقوق الإنسان للحد من نزعات الإدارة وتفردها، وقد انعكس هذا التحرك سلبا في العديد من مواقف هذه الدول وتقارير المنظمات. أضف إلى ذلك حالة العداء مع حكومة إقليم كردستان. إن هذه الحقائق حرمت الإدارة من موقع الإقليم الهام، ومن مشاركة طيف واسع من أبناء الشعب الكردي، يمتلك الخبرة والكفاءة الإدارية والعلمية، ومن جذب الفعاليات المهنية والاجتماعية الأخرى، ونفت عنها علوُّها التشاركي الديمقراطي.

أمام الإدارة اليوم فرصة حقيقية لمراجعة تجربتها وتحصين ذاتها من خلال مبادرة السيد مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية وإجراء ترتيبات جديدة في ما تبقى من منطقة الشمال الشرقي بما فيها المنطقة الكردية، تكون مرضية لدول الجوار و للجانب الأمريكي وللمرحلة اللاحقة من الصراع في سوريا.

أمريكا لا تريد استفزازاً يفجر علاقتها مع الجانب التركي خصوصا وأن الوضع الآن قد مال للاستقرار بعد أن كان جاهزاً لمزيد من سيناريوهات الانزلاق إلى الوضع الأسوأ..!

تعزيز إجراءات الثقة المتبادلة ووجود وسيط أمريكي متابع يصر على حل الخلافات وتحصين الإدارة وإعادة هيكلتها وتوسيع دائرة المشاركة بين المكونات لدرء الإدارة والمنطقة برمتها من شر حقيقي ومن  الأخطار المحلية والإقليمية فرصة جديدة أمام الإدارة، فهل ستكون مكونات الإدارة والقوى الكردية الأخرى على قدر المهام الجسام التي تقع على عاتقها؟!

التعليقات مغلقة.