فريد شوقي… أيقونة «الفتوة» السينمائية التي لا تشيخ

99

فنان مصري كبير تربع على عرش السينما المصرية في النصف الثاني من القرن الماضي، بعد نجاحه في كتابة وإنتاج وتمثيل عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، هو فريد شوقي الذي قدم أدوار الرجل الشرير، في بداية مشواره بالسينما، والرجل الشهم والشجاع والبطل الأحد والخارق، في منتصف عمره، والأب الحنون الذي يحتضن أبناءه خوفاً من انحرافهم إلى الطرق المجهولة.

وبمناسبة مرور 100 عام على ميلاده، قررت مهرجانات سينمائية من بينها مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، ومهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان العالم العربي بباريس. ومؤسسات ثقافية مصرية الاحتفاء بالفنان المصري الكبير الذي رحل وتركه أثره بيننا. وتسلط «الشرق الأوسط» الضوء على حياته الفنية الطويلة، وتفتش عن قرب في ذكرياته الخاصة المليئة بالأحداث، وتزور عائلته في بيته الذي كان مفتوحاً لجميع الفنانين الكبار والصغار قبل وفاته في عام 1998.

«فريد الشرير»

شهد حي السيدة زينب، بالقاهرة، مولد الفنان فريد شوقي، في 20 يوليو (تموز) 1920. وهو الشهر ذاته، الذي توفي فيه أيضاً عام 1998، عن عمر 78 عاماً بعد حياة حافلة بالأعمال الفنية، قدم خلالها نحو 400 فيلم سينمائي، من بينها 14 فيلماً تم اختيارهم ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية بالقرن الماضي، بجانب 12 مسلسلاً تلفزيونياً، و18 مسرحية.

فريد شوقي، الذي ينتمي إلى أسرة بسيطة، درس الهندسة التطبيقية، ثم اتجه لدراسة التمثيل بالمعهد العالي للتمثيل، على يد الفنان الكبير زكي طليمات، ويعد شوقي حالة فنية فريدة، تطابق اسمه، فقد حظي بقبول جماهيري كبير، وكان وجود اسمه على أفيش أي فيلم كفيل ضمان نجاحه وإقبال الجمهور عليه، وتحقيقه رقماً قياسياً ببقائه على القمة لمدة تزيد عن أربعين عاماً. ولم يكن شوقي ممثلاً فقط، بل تميز كاتباً ومنتجاً أيضاً، وقد كتب بنفسه عشرات الأفلام المهمة بداية من «جعلوني مجرماً» عام 1952 بالاشتراك مع المنتج رمسيس نجيب، الذي حقق نجاحاً كبيراً، وأدى إلى إصدار قانون بإلغاء السابقة الأولى للمجرم، لذلك حمل ألقاباً عدة من الجمهور والنقاد، على غرار «وحش الشاشة»، «وملك الترسو»، و«الملك»، و«أبو البنات»، كما حصل على عشرات الجوائز والتكريمات خلال حياته، وكان يعتز بوسام الفنون الذي منحه له الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

وشهدت مرحلة الأربعينات تقديمه أدوار الشر الثانوية، في أفلام «ملائكة في جهنم» أول أفلام المخرج حسن الإمام، و«قلبي دليلي» 1947. إخراج أنور وجدي، و«اللعب بالنار» 1948، و«غزل البنات» 1949 وخلال هذه المرحلة شارك في نحو 39 فيلماً

البطل الشعبي

ومع بدايات الخمسينات من القرن الماضي، اتجه فريد شوقي لكتابة بعض أدواره بنفسه التي شهدت بدايات تمرده على أدوار الشر التي سجنه المخرجون في إطارها، فكتب عدة أفلام حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، منها «حميدو» 1952 للمخرج نيازي مصطفى، الذي فاجأه فريد شوقي، بعرض قصة الفيلم عليه، ليؤدي دور البطولة لأول مرة، وكتب لها السيناريو والحوار السيد بدير وهو صاحب جملة «وشرف أمي» التي ظلت ملازمة لفريد شوقي في أغلب أعماله، منذ فيلمه «كأس العذاب» 1952، ثم توالت أدوار البطولة لأفلام كتبها بنفسه ومنها «الأسطى حسن» إخراج صلاح أبو سيف، و«جعلوني مجرما» إخراج عاطف سالم، الذي شارك في كتابته الأديب العالمي نجيب محفوظ، «الفتوة» 1957 الذي كتب فريد قصته مع محمود صبحي، وكتب له السيناريو نجيب محفوظ والسيد بدير وأنتجه فريد شوقي من خلال شركة العهد الجديد التي أنشأها وأخرجه صلاح أبو سيف، وخلال فترة الخمسينات لعب فريد شوقي بطولة فيلمين على درجة من الأهمية هما «رصيف نمرة 5» و«باب الحديد» عرض الأول عام 1956 من تأليف أحمد مصطفى وحوار السيد بدير وسيناريو وإخراج نيازي مصطفى، وشاركه البطولة محمود المليجي وهدى سلطان، وإنتاج فريد شوقي، والثاني فيلم «باب الحديد» إخراج يوسف شاهين، وتأليف عبد الحي أديب، وبطولة فريد شوقي، وهند رستم، ويوسف شاهين، وقد اختير هذا الفيلم ضمن قائمة أهم ألف فيلم في السينما العالمية بالقرن الماضي، كما كان أول فيلم عربي يرشح للأوسكار.

«الأسطى حسن»

يرى نقاد سينمائيون مصريون، من بينهم كمال رمزي، أن فيلم «الأسطى حسن» هو بمثابة البداية الحقيقية لنجومية فريد شوقي، وخصوصاً بعد مشاركته في أكثر من 30 فيلماً لم يخرج فيها عن نمط الشرير التقليدي، ورغم محاولته تأدية تلك الأدوار بشكل مختلف، فإن ضعف بناء الأدوار لم تمنحه إلا فرصة استخدام بعض الأكليشهيات التي انتقل بها من فيلم لآخر مثل «رفع الحاجب الأيمن»، و«النظرات الإجرامية المباشرة»، لكن «الأسطى حسن» أنقذ فريد شوقي، وفتح له أوسع الأبواب أمام جمهور «الترسو» العريض، وقد انطلقت قدرات فريد شوقي، في هذا الفيلم فتميز بأداء صادق بلا مبالغة، وكان الفيلم قد رفضه بعض المنتجين لأن البطل بمقاييسهم ليس جميلاً ولا أنيقاً ولا يجيد الغناء، ومن ثم لا يمكن أن يكون فتى أول، لكن المخرج صلاح أبو سيف، وجد في بساطة وقوة جسد فريد شوقي، فرصة لتقديمه كبطل شعبي يعبر عن جمهور الدرجة الثالثة، لذلك اشترك مع فريد شوقي في إنتاج الفيلم، وفق رمزي. بعد نجاحه اللافت في «الأسطى حسن» قدم شوقي عدداً من الأدوار الهامة في أفلام تعد من كلاسيكيات السينما العربية من بينها «حميدو»، و«جعلوني مجرماً»، و«فتوات الحسينية»، و«صراع في الوادي»، ليوسف شاهين، و«بورسعيد»، لعز الدين ذو الفقار، و«تجار الموت»، لكمال الشيخ، و«باب الحديد» ليوسف شاهين، و«الفتوة»، و«مجرم في إجازة»، و«بداية ونهاية»، لصلاح أبو سيف، و«الأخ الكبير» لفطين عبد الوهاب، ووفق رمزي فإن هذه الأفلام حددت ملامح فريد شوقي الفنية وجعلت منه بطلاً شعبياً بارزاً بالشاشة الذهبية.

وعن الأعمال التي جمعته بالأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ يقول رمزي: «إن الأفلام التي كتبها محفوظ لشوقي تعد من أكثر أفلام (ملك الترسو) قوة وإقناعاً، حيث استطاع نجيب محفوظ توظيف معرفته وخبرته بالبيئة الشعبية، في رسم شخصيات وملامح قضايا أفلام شوقي». ويعد فيلم «بداية ونهاية» أحد أنجح أفلام فريد شوقي، لا سيما بعد إبراز تضحياته من أجل الأسرة، فمن بين الأمور الإيجابية في أفلامه أنه كان يعد الأسرة بمثابة شعاع الأمل.

أفلام في تركيا

عقب هزيمة مصر في حرب 1967 توقف الإنتاج السينمائي تقريباً بسبب ظروف الحرب، واتجه بعض الفنانين إلى لبنان، وكان من بينهم فاتن حمامة وفريد شوقي، الذي فوجئ خلال وجوده في لبنان، بأحد المنتجين الأتراك يطلب منه أن يقوم ببطولة فيلمين واشترط فريد أن يسند كتابة السيناريو والحوار لصديقه السيناريست عبد الحي أديب، الذي كتب له لاحقاً كل أفلامه في تركيا)، وإخراج نيازي مصطفى، ووافق المنتج، وبدأ شوقي رحلته هناك بتصوير فيلم «شيطان البسفور» الذي حقق نجاحاً مذهلاً عند عرضه في تركيا، مما دعا المخرج عاطف يلماز لاختيار فريد شوقي لبطولة فيلم «عثمان الجبار»، وأخرج له فيلماً ثانياً بعنوان «بعت حياتي» ثم توالت أفلامه في تركيا، ومنها «رجل لا يعرف الخوف» لمحمد رسلان، و«الحسناء والوحش»، لمارتين أركسان، و«مغامرات في إسطنبول» لخلقي سنر.

حضور لا يغيب

أربعة أفلام لعب بطولتها الفنان الراحل فريد شوقي حملت توقيع المخرج عمر عبد العزيز، وهي: «دعوة خاصة جداً»، «يا رب ولد»، و«للفقيد الرحمة»، و«ليه يا هرم»، وبينما كان عمر في بداية مشواره الفني، كان فريد في قمة نجوميته، لكنه رغم ذلك كان متحمساً للمخرجين والممثلين الشبان، الذين يلمس موهبتهم، ويقول عبد العزيز عن ذلك لـ«الشرق الأوسط»: «قدم فريد شوقي مخرجين كثيرين مثلما قدم ممثلين وكتاباً أيضاً، وكان يسعد حينما يقدم أي موهبة جديدة»، وعن أسلوب العمل معه أثناء التصوير يقول: «اعتاد أن يناقش كثيراً، قبل التصوير، وخلال جلسات السيناريو، وإذا كان يؤدي دوراً في قضية قانونية أو طبية كان يهمه أن يعرف الكثير عنها، ويسأل بنفسه الجهات المختصة، حتى يكون ملماً بكل تفاصيلها، وحينما تدور الكاميرا كان يتحول لممثل بسيط يستجيب لتعليمات المخرج، وكان كذلك أول من يصل إلى البلاتوه، فلم يحدث أن تأخر أبداً، وقد تعلمت منه أن النجم الحقيقي هو الذي لا يشعرك أنه نجم، وكان فريد يثير أجواءً جميلة في موقع التصوير بخفة دمه، وجمعه كل فريق العمل حوله فقد كان متواضعاً، وبيته مفتوح طوال الوقت للجميع، فكنا نذهب إليه كل ليلة ونجلس ونتناقش وكان يسألني دوماً عن المواهب الجديدة في التمثيل والإخراج، ولا أذكر أنني ذهبت لبيته مرة ووجدته مغلقاً.

ويرجع المخرج الكبير أسباب تربع شوقي على عرش الفن المصري لمدة عقود، إلى تمتعه بالذكاء الشديد، ومعرفته ببوصلة المشاهد، وإلى أين تتجه، كما كان عاشقاً لمهنته، مدركاً لكل تفاصيلها كونه كاتباً ومنتجاً ونجماً لا يغيب.

متحف فريد شوقي

السيدة سهير ترك، زوجة فريد شوقي الأخيرة، ووالدة ابنتيه رانيا وعبير، تروي جوانب إنسانية عن زوجها الراحل وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «فريد شخصية لا تنسى، فأنا أعيش في نفس البيت وسط ذكريات عدة، لم تفارق خيالي، ودائماً هو محور حديثي مع بناتي، فغرفة مكتبه وأوراقه كما هي، حيث كان يعتزلنا عند قراءة أي سيناريو جديد، يعرض عليه، أو في حالة كتابته للأعمال بنفسه، وكنت أنا أول قارئة وناقدة لما يكتبه من سيناريوهات وقصص، وكان يأخذ برأيي ويحترمه، بل إنه تعرف على بعدما انتقدت فيلمه «ابن الحتة»، وذلك بعد عرض مسرحيته «الدلوعة» بمدينة الإسكندرية، حينما سألني عن رأيي في المسرحية هل أعجبتني أم لا، فقلت له المسرحية أعجبتني، لكن لم يعجبني فيلم «ابن الحتة» لأنه لم يناسبك، ولم يعترض أو يغضب، بل أعطاني رقم مكتبه وبعد فترة علمت بوفاة والده، فاتصلت لمواساته، وكان يعاني بعد انفصاله عن هدى سلطان، وتقاربنا من بعض، واكتشفت أنه إنسان حنون جداً، وبعد زواجنا عشت معه حياة سعيدة، وحضرت تصوير بعض أفلامه في تركيا، ونجح هناك بشكل كبير.

حضرت السيدة سهير ترك مع زوجها الراحل الجلسات التحضيرية مع المخرج حسن الإمام قبل تصوير فيلم «وبالوالدين إحساناً» الذي أعاد فيه تقديم دور لعبه حسين رياض من قبل، وقال حسين رياض أستاذ، لكني سأؤديه بطريقتي، مع أنه رفض في الوقت ذاته، إعادة تقديم فيلم «هذا جناه أبي» الذي سبق وأن قدمه الفنان زكي رستم، وقال لن أستطيع أن أقدمه أفضل من زكى رستم، وفق ترك التي تؤكد أن فريد شوقي كان محبوباً جداً من الجماهير المصرية والعربية. وعن أبرز مقتنياته الشخصية تقول: «أحتفظ بكل شيء يخصه، وأتمنى تحويل بيته إلى متحف، لكني لم أجد حماساً من أي جهة رسمية لتبني الفكرة حتى الآن.

أبو البنات

رغم تقديمه فيلم «يا رب ولد»، عام 1984. والذي يحكي قصة أب أنجب ثلاث بنات تزوجن وأقمن معه بالبيت، ويضيق بمشاكلهن، مع حلمه بإنجاب الولد، فإنه لم يضق بإنجابه للبنات في الواقع، وكان يعتز بلقبه «أبو البنات»، وفق أسرته وزملائه. ويقول عمر عبد العزيز مخرج الفيلم: «عندما أعجبت بسيناريو الفيلم الذي كتبه فيصل ندا، عرضته على الفنان الكبير الذي تحمس له ورأى فيه حالة إنسانية متكررة في حياتنا، لكنها لا تعبر عن واقعه».

وأطلق على فريد شوقي لقب «أبو البنات» بعدما أنجب خمس بنات من خمس زيجات، منها زيجتان قبل مرحلة الشهرة، لم ينجب فيهما، ثم تزوج من الممثلة زينب عبد الهادي، وأنجب منها ابنته الكبرى منى، وبعد ذلك جمعته قصة حب بالفنانة الراحلة هدى سلطان، أثناء تصوير فيلم «حكم القوي» وتزوجا قبل نهاية الفيلم، واستمر زواجهما 15عاماً وأنجبا ابنتين مها وناهد، وشكل شوقي مع هدى سلطان ثنائياً ناجحاً في عدة أفلام من بينها «حميدو»، «الأسطى حسن»، «سواق نص الليل»، «المجد»، «النمرود»، «أبو الدهب»، «العائلة الكريمة»، «المحتال»، «رصيف نمرة 5»، «فتوات الحسينية»، ثم تزوج من السيدة سهير ترك التي أنجبت رانيا الممثلة، وعبير المخرجة، وظل يعتز بلقب «أبو البنات» حتى وفاته.

وتقول ابنته المنتجة الفنية ناهد فريد شوقي: لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لي فإن فريد شوقي لم يمت، وبرغم أنني افتقدته كصديق وأب حنون، لكنه باق بأعماله، الناس يستقبلونني بترحاب شديد مترحمين عليه، فهو صاحب رصيد كبير من الأفلام التي اقتربت من الجمهور وعبرت عنه بصدق ولا تزال تستقطب جمهوراً من الشباب، أبي لم يختلف عليه أحد، ولم يغضب منه أحد، فقد كان فريداً كاسمه في الوسط الفني، يحتضن المواهب الجديدة، ويدفع بهم في أفلامه، كان رحمه الله مؤسسة فنية مستقلة. وعن دوره في حياتها، تقول ناهد: «تعلمت منه كل شيء إيجابي، فقد كان يعطيني سيناريوهات لأقرأها وعمري 10 سنوات، ويسألني عن رأيي، وكنت أرافقه في كل مكان، وخلال تصوير فيلم (هكذا الأيام) توفىي مدير الإنتاج، وكنت أساعده، فقال لي أبي أنت المسؤولة عن الفيلم إنتاجياً، وكان هذا بداية عملي في الإنتاج، ثم دشن والدي شركة (نيو ستار فيلم)، وجمع فيها كل بناته وعملت منتجة لأفلامه التي من بينها (لا تبك يا حبيب العمر) و(البؤساء) و(لعنة امرأة)، وحينما أنتجت فيلم (هيستيريا) لأحمد زكي، كان أبي قلقاً علي من الخسارة المادية، فقلت له لقد فعلت أنت نفس الشيء في فيلم (بورسعيد) الذي أنتجته بتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر، وتسبب في خسارتك مادياً، فقال لي إن الزمن تغير».

دروس لا تنسى

قبل وفاته كان فريد شوقي يستعد لتصوير فيلم «أولاد الشوارع» أول أفلام ابنته عبير بعد تخرجها في معهد السينما، وتوقف المشروع بعد وفاته، ولم تسع عبير لتقديمه بعد غياب بطله، وعن ذلك تقول عبير فريد شوقي لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن هناك ممثل لديه المصداقية التي كان يتمتع بها أبي لأرشحه للدور من بعده، لأنه كان ابن بلد وقريب من وجدان الناس، وكان لا يكذب ولا يجامل في الفن، وأذكر أنه قال لأحد الراغبين في التمثيل ذات مرة: «معنديش مشكلة أنك تبقى أي حاجة تانية لكن ممثل لا، لأنه موهبة لا تملكها».

وتضيف: «كان بيتنا مفتوحاً، كأنه (بيت الأمة) يتردد عليه كبار وصغار الممثلين والمخرجين وكان يرحب أيضاً بالوجوه الجديدة ويتبنى الموهوبين منهم، لافتة: «كلما افتقدته أشاهد أفلامه التي أحبها على غرار «لا تبك يا حبيب العمر» «جعلوني مجرماً»، «يا رب ولد»، «30 يوم في السجن».

أما ابنته الصغرى، رانيا فريد شوقي، فهي لا تفصل بين فريد الأب والفنان، فهما بالنسبة إليها وجهان لعملة واحدة، وتقول: «أبي كان رجلاً عطوفاً وعظيماً ولا يزال يمثل لي الحياة رغم رحيله، وأحمد الله كثيراً على أنه أعطاني أباً مثله، لم يفرق بين أي من بناته، وكان يحتفي بأعياد ميلادنا منذ طفولتنا، ويدعو الفنانين إليها، لم يحرمنا من شيء ولم يدخر أي جهد لإسعادنا».

بروفة الموت

كان فريد شوقي، من بين أكثر الفنانين الذين طاردتهم شائعات الوفاة، فقبل وفاته بشهر واحد، وتحديداً في 17 يونيو (حزيران) 1998 وبينما كان يرقد مريضاً إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد، قطع التلفزيون المصري إرساله لإذاعة نبأ هام معلناً خبر وفاة الفنان الكبير فريد شوقي، وأثار الخبر بلبلة كبيرة في الشارع، وكما تروي زوجته السيدة سهير ترك، لـ«الشرق الأوسط»، فإن «فريد سمع بنفسه إشاعة وفاته، وانزعج منها، لكنه أخذ الأمر بشكل كوميدي، وقال مبتسماً: «هذه بروفة للموت، عموماً الموت علينا حق»».

وإذا كان فريد شوقي قد أخذ الخبر ببساطة، فإن هذا الخبر الكاذب قد أطاح برئيسة القناة الأولى بالتلفزيون المصري، المذيعة ملك إسماعيل من منصبها، مع تقديم اعتذارات عدة عن هذه الخطأ الفادح، وتبين أن أحد العاملين بقطاع الأخبار وراء الشائعة التي تم عرضها على التلفزيون الرسمي دون التحقق منها، وظهر شوقي على الشاشة بعد ذلك، وقال بصوت أنهكه المرض: «أنا بخير وهذه شائعة، لكنني أحسست منها مدى حب الجماهير العريضة في العالم العربي كله، لي، وتأكدت أن الخمسين عاماً التي قضيتها في خدمة فني وبلدي لم يذهبوا هباءً»، ثم توفي بعد ذلك بشهر واحد، وأذيع الخبر الذي كان في هذه المرة حقيقياً، ورغم رحيله منذ أكثر من 22 عاماً فإن لا يزال حاضراً على الشاشة بأدواره المميزة والرائعة.

 

 

التعليقات مغلقة.