ظاهرة الطلاق في بلاد المهجر… مآسي على الأبناء والأطفال

47

 

 

مزيت مصطفى

تحت ظل الهجرة القسرية وما تعرضتْ إليها البلاد من حروب وقتل وتشريد، الفكرة الرئيسية كانت (الخلاص)- خلاص الأسرة والأطفال، الخلاص من كوابيس المدافع والطائرات، ومن رائحة الموت التي عمّتْ المكان، ومن المستقبل المجهول والمنتظر.

بدأتْ حركة الهجرة القانونية والغير قانونية في بُعديْها المحلي والدولي بالتفاقم والتزايد مع اندلاع المحنة السورية، وذلك منذ بداية عام 2013م إلى يومنا هذا، رغم مخاطر ركوب الأمواج وقوارب الموت أو السير عبر الطرق الوعرة وفي أقسى الظروف، أو الناجمة عن سطوات شبكات تهريب البشر، بينما القلة هجروا عن طريق “لم شمل” بعد معاناةٍ طويلة. بلاد الغرب كانت الوجهة الرئيسية، حيث السلام والراحة والأمان.

بعد العناء والخوف وبعد وصال الحلم، تقع الكارثة التي لا تكون بالحسبان، الطلاق بين الزوجين، ربما لم يمضِ بينهما شهوراً أو قد مضت سنوات أو أكثر.

لماذا ازداد الطلاق بين اللاجئين السوريين في أوروبا، ليغدو ظاهرة؟ كيف أثّر اللجوء إلى مجتمعات جديدة أكثر انفتاحاً على هذهِ الظاهرة؟ وما أسباب معظم حالات الطلاق التي أغلبها تقع بطلب من المرأة؟ هل هي نتيجةً نيل المرأة لحريتها، والتي كانت مكبوتة في مجتمعاتها الأصلية؟ أم تعبيراً عن التمرد والعصيان كما يصفهُ البعض؟

هناك دراسات في هولندا تشير إلى نسبة ٢٥% من عائلات اللاجئين إليها تم فيها الطلاق بين الزوجين، ونسبة ٢٥% منها يُفكر الزوجان فيها بالطلاق.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بشدة، ما هي أهم أسباب ظاهرة الطلاق هذه؟ التفسيرات كثيرة، فلا يمكن تعميمها، ولكل حالة وجه خاص.

عند وصول العائلات إلى أوروبا، تكون عرضةً لقوانين وأنظمة جديدة وبيئة اجتماعية منفتحة غير تلك التي تكونت فيها، فتكون كالصاعقة على رأس الرجل، وبنفس الوقت كملاذ للمرأة التي كانت تعاني الاضطهاد والظلم خاصةً، فالقوانين والعادات تضمن للمرأة حرية الحياة والعيش الكريم ضمن إطار البحث عن الذات والاستقلال المادي دون الحاجة إلى الرجل، بعكس ما كانت المرأة عليهِ سابقاً.

هناك تفسيرات أخرى، ماهي إلا نتيجة لرواسب فكرية قديمة متعلقة بالمرأة في بلادنا، للأسف كان يُنظر إلى المرأة المطلَّقة وكأنها مكسورة الأجنحة، ذليلة، فاقدة لكل شيء، حتى كانت تُبعد عن أطفالها أحياناً أو تفقد حق حضانتهم إلى سنٍّ معين أو إذا تزوجت من رجلٍ آخر، إلى جانب ذلك كانت الأمور أسوأً إذا كانت الظروف الاقتصادية للأهل سيئةً. أما في أوروبا لا تجد المرأة كل هذه العراقيل، فلها كامل الحق في حضانة أطفالها، بالإضافة إلى منحها رواتب الأطفال والمساعدة النقدية الإضافية للمرأة المطلقة؛ هذه جزء من دوافع المرأة نحو الطلاق. هناك أيضاً أسباب عديدة أخرى، كالعنف في الأسرة إن كان لفظياً أو جسدياً وضرب الأطفال والخيانة الزوجية من كلا الطرفين.

هناك حالات انفصال بعد مضي العلاقة بين الزوجين أكثر من /25/ سنة، نظراً لاتساع الفجوة بينهما، وعدم مواكبة واستيعاب التغيرات التي فُرِضَت عليهما، وضعف تفهم الوضع الجديد لديهما، وتدني قدرة الزوجين على متابعة الحوار بينهما مع غياب روادع تلزمهما بتنازلاتٍ ولو قليلة في ظل احترام الحرية الشخصية ضمن حدود مقبولة.

أما الجانب الأكثر مأساوياً في مسألة الطلاق، هو انعكاساتها على الأبناء، الأطفال منهم خاصةً؛ فمهما كانت أسباب الانفصال مبررة، يظل الأمر صدمةً مؤلمة للطفل، حيثُ يرى انهياراً لعالمهِ؛ ويُعتبر الطلاق بالنسبة له، انتقالاً إلى مرحلةٍ جديدة للعيش مع أحد الوالدين، في ظل غياب جزئي أو ربما كلي للآخر، وهذا يشكل تأثيراً سلبياً قوياً على شخصية الطفل المستقبلية ومعنوياته، عدا الشعور بالأسى ومعاناته أثناء أجواء المشاحنات التي تسبق الطلاق بين الأبوين، وربما تكون لفترة طويلة.

الرعاية التي يتلقاها الطفل في الأسرة المتمثِّلة بالأب والأم، هي بمثابة حجر الأساس في البناء النفسي والاجتماعي، فكلما كان بناء الأسرة قوياً ومتيناً، كان البناء النفسي للطفل صحياً وسليماً، إذ يشعر الطفل بأنهُ مرغوبٌ لدى الأسرة، ويحس بالاهتمام وتقدير الذات.

الطلاق يقود الطفل إلى فقدان الثقة بنفسهِ، فيكون متردداً وخائفاً من المجهول، وخاصةً إذا كان يرافق هذا الطلاق الصراع والأجواء المتوترة بين الزوجين.

أكدت دراسات عالمية بأنه يتكون لدى أطفال أبوين منفصلين القلق والاكتئاب وصراعات نفسية وسلوكية، تدفعه إلى الوقوع في فخ السلبيات والجهل وعالم الجريمة وربما تعاطي المخدرات، أو على الأقل تجعله في نقصٍ من المهارات الاجتماعية، وهذا يتفاوت لدى الأطفال طبقاً للمرحلة العمرية التي يمرُّون بها؛ وهناك أيضاً حالات انتحار الأبناء جراء الصفعة التي يتلقونها من طلاق أبويهم وتدحرجه إلى أجواء اجتماعية سلبية وإحساسٍ بالغربة والفشل.

نعلم أن الطلاق ليس هدفاً لدى أي شخص، ولا يريد أحدٌ أن يكبر أطفالهُ بدون أبٍ أو أم، لكن زيادة عدد حالات الطلاق بين أُسر اللاجئين السوريين في بلاد المهجر أصبحت واضحة وملحوظة، ومع تفسخ الأسرة تحت مسمى «الحرية الشخصية» تظهر عواقب أخلاقية واجتماعية وخيمة وخطيرة.

علينا جميعاً النظر إلى الموضوع باهتمام وجدية، مثقفين وإعلاميين، ساسة وشخصيات اجتماعية، والتركيز على قضايا الزواج والطلاق وشؤون الأسرة عموماً بين أبناء شعبنا في بلاد المهجر؛ لننشر الوعي والعلم ونذلل العقبات ما أمكن، لأجل تعزيز الاستقرار في الأسرة وتمكينها للتأقلم مع المجتمعات الجديدة عليهم.

إن بناء الأسرة والمجتمع والدولة والوطن دائرة مشتركة متكاملة، ويشكل الزوجان نقطة تلاقي القطرين فيها، أي هما مركزها ونواتها.

لابد من مواجهة تحديات الأجواء الجديدة الطارئة على الأسرة المهاجرة بالتفاهم والتعاطي الإيجابي بين أفرادها، وضرورة تحمل الزوجين لبعضهما وتذليل السلبيات الواقعة والعقبات باللجوء إلى الحوار وثم الحوار، والتعاون سواءً في المنزل أو العمل، وذلك لبناء أسرةٍ مترابطة وقوية يحكمها العقل والمنطق، حتى تحظى بعيشٍ رغيد ووئامٍ وانسجام، وتوافقٍ مع عادات وقوانين مجتمعات بلدان المهجر.

فلنجعل من أيامنا، أياماً للم الشمل والمحبة، لا أيام فرقةٍ وانعزال… كفانا تشتتاً واغتراباً.

/الدانمارك

* جريدة الوحـدة – العدد 316 – كانون الثاني 2020 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.