قراءة سريعة في بيان عين عيسى 17-12-2019

51

أكرم حسين

 

رغم إيماني بالمشروع القومي الكردي إلا أن هذا الإيمان لا يعيق العمل في إطار الوطنية السورية وبناء دولة المواطنة المتساوية التي تطمح إلى تحقيق الحرية والديمقراطية والمساواة والشراكة الحقيقية وإنهاء الاستبداد والهيمنة والاستئثار والإقصاء….الخ وفي هذا السياق يمكن النظر إلى ما سيأتي لاحقا من قراءة سريعة في بيان الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بالرغم من الأصوات الرافضة – معظمها في الخارج- لأي حوار أو لقاء مع تيار الإدارة الذاتية بمسمياتها المختلفة لأسباب باتت معروفة للجميع . فالبيان أشار إلى عدم وجود عوائق قانونية أمام المجلس الوطني الكردي من أجل فتح مكاتبه التنظيمية والحزبية ومزاولة نشاطه السياسي والإعلامي والاجتماعي دون الحاجة إلى موافقات أمنية مسبقة وإسقاط الدعاوي والقضايا المرفوعة أمام القضاء بحق شخصيات وقيادات المجلس الوطني الكردي المقيمة خارج البلاد دون أية استثناءات ودون وجود أية عوائق لانتقالهم إلى روجآفا وعموم شرق وشمال سوريا وممارسة نشاطهم بكامل الحرية إضافة إلى تشكيل لجنة مختصة لتقصي الحقائق والتحقيق في ملف السجناء والمغيبين ومشاركة جميع نتائج اللجنة مع المجلس الوطني الكردي وقيادة قسد في أقرب وقت

لقد جاء مضمون البيان كما أشار في المقدمة بناء على مبادرة قوات سوريا الديمقراطية لخلق وتعزيز أجواء الثقة بين الإدارة وبين المجلس الوطني الكردي ولعب دور المفتاح الأساسي في حل الخلافات وإنهاء الصراعات الكردية- الكردية حيث تضمن معظم ما كان يطالب به المجلس الوطني الكردي باستثناء عدم حسم ملف المعتقلين والمغيبين .

للمرة الأولى يتحدث بيان الإدارة الذاتية عن المشاركة الفعلية مع المجلس الوطني الكردي وتوحيد الخطاب الكردي في سوريا ، وبناء هذه الشراكة على أساس الندية التي طال انتظارها رغم العديد من الاتفاقات – هولير ودهوك- والمبادرات التي أطلقت من قوى وشخصيات محلية ودولية كالمبادرة الفرنسية . حيث شكل البيان تطوراً نوعياً من حيث العمل على تحقيق إجراءات بناء الثقة – الغير مكتملة بعد- كي تضع حدا للصراعات الإعلامية والسياسية التي كانت تجري في المراحل السابقة بغرض الدفاع عن الذات ” الأيديولوجية ” أو للحظوة بما هو قائم أو التحكم واكتساب مساحات إضافية كما أن إسقاط التهم السابقة عبر إزالة العوائق أمام من هم في الخارج والسماح بحرية العمل والعودة إلى الوطن ينهي أي مبرر حقيقي لبقاء هؤلاء في الخارج تحت حجج وذرائع باتت في مهب الريح ، فعودتهم إلى الداخل والعمل بين الشعب الكردي والدفاع عن حقوقه ومصالحه بعيدا عن المزايدات أو الأسباب الموجبة التي بررت لهم بعض البطولات بات ضروريا الآن .

انتظر الوطنيون كثيرا وهم يتمنون الوصول إلى هذه اللحظة التي جاءت متأخرة بسبب الخسارات التي حصلت في عفرين وكري سبي وسري كانيه ألا أنها خطوة مهمة في حماية ما تبقى من الوجود الكردي تجاه شرور الاحتلال والاستيلاء على الممتلكات فالحاجة إلى وحدة الموقف الكردي تبرز الآن أكثر من أي وقت مضى بسبب التدخلات الإقليمية والدولية المروعة والاتفاقات الأخيرة والتي بموجبها شرعنت احتلال أراضي كثيرة من كردستان سوريا وأدت إلى القتل والتدمير واستمرار الخطر على الجزء المتبقي منها ضمن التوازنات القائمة .

إن توحيد المطالب الكردية الوطنية والديمقراطية والحضور القوي والمكثف في اللجنة الدستورية وفي الحل السياسي القادم وكسر هيمنة الدولة المركزية القائمة والمتأثرة بالأيديولوجية الشوفينية في تعصبها لقوم ولغة وثقافة واحدة بعيدا عن الهوية الوطنية الجامعة والاعتراف بحقوق جميع المكونات والإثنيات يشكل عملا أساسيا في المرحلة القادمة وانفلاتا من المكبس المطبق على الكرد ومن السيل الجارف الذي يتهددهم .

لا يمكن اكتشاف النوايا الحقيقية لتنفيذ مضمون بيان الإدارة الذاتية إلا بالعمل والمساعي والجهود الدؤوبة والمركزة كعمل مجسد في الممارسة اليومية والاستراتيجية في ظل الواقع القائم للسلطة والمعارضة.

لابد من البحث الجدي والمشترك عن نموذج جديد لحل القضية الكردية في سوريا خارج النزعة الالغائية والاقصائية والانفصالية بحيث يستند إلى الاعتراف الدستوري والقانوني بالشعب الكردي في سوريا ويتسم بسمات خاصة لها علاقة حميمية مع الحرية الثقافية واللغوية والديمقراطية ويتوافق مع معظم الحقائق التاريخية والجغرافية والاجتماعية والتي تخلق أرضية خصبة لتعايش الشعوب وبناء الأوطان على أسس الوحدة والتكامل من جهة وعلى الأمن والسلام من الجهة الأخرى فهل تفعلها القوى الكردية وتكون على مستوى التاريخ ؟!

 

نقلا عن الحوار المتمدن

التعليقات مغلقة.