نرجس إسماعيل تكتب: نعيش الحرب العالمية الثالثة

59

نرجس إسماعيل

سنوات عديدة متراكمة بين ثنايا مفهوم الشدة والعنف، بالطبع لا ينحصر هذا المفهوم ضمن إطار جنسي، أي على المرأة كجنس فقط على العكس يضُطهد المجتمع وطبيعة سريان الحياة عن طريق استغلال المرأة – الأم التي هي “الحياة” ومنبعها فإذا ما اتخذنا مفهوم العنف أو الشدة ضمن إطار ماديٍ ضيق، من المستحيل الوصول إلى جذور حقيقة هذه الذهنية التاريخية الموروثة منذ أعماق تجارب عقود تاريخية.

 نعيش الحرب العالمية الثالثة في ظل ذهنية سائدة في مجتمعاتنا على أساس ذهنية العنف وبكل أشكالها، وتعتبر استراتيجية هدر الدماء أساسية لها.

القرن الواحد والعشرون قرن فرض التغير على كافة التوازنات العالمية، والقوى الموجودة في العالم إما أن تتخلص من جبروتها ومفاهيمها المكونة على أساس دول قومية وسلطات فوقية بحته جامدة، أو أن الزوال والانتهاء يكون مصيرها. الحرب الموجود هي حرب مقاومة الشعوب الديمقراطية وحرب السلطة المكونة على أساس ذهنية العنف والتي ولدت نتيجة الدولة القومية وما خلفته من ميراث متعصب وشوفيني يتخذ من الأنا والفوقية أساسا له.

على هذا الأساس فاذا كانت المرأة هي ضحية هذه الذهنية فأن الرجل والمجتمع أيضا يتم استغلالهما ضمنها، المتضرر ليس الفرد ولكن المجتمع بأكمله وحتى الطبيعة والإيكولوجيا تتضرر جراء هذه الذهنية ومن هذا المنطلق يعتبر يوم مناهضة العنف ضد المرأة هو يوم مناهضة العنف ضد الإنسانية والمجتمع لأنه بقدر ما تعاني المرأة من نتائج العنف والشدة يعاني المجتمع أيضا من هذه الذهنية التي تؤثر على المجتمع بكل زواياه .

القرن الواحد والعشرون هو قرن المقاومة والصمود والوقوف في وجه مفهوم الذهنية الذكورية السائدة وأساليبه المتنوعة. وانطلاقا من هذا المفهوم يُعتبر يوم مناهضة العنف ضد المرأة يوم رمزي لأن الحقيقة مخفية في ثنايا كل الأيام التي مرت بها المرأة وما عانته من عنف بحقها إن كان عنفا جسديا أو معنويا فتحول العنف والشدة الى أقنعة لا نفهم خفاياها فتبدو لنا “ماسكات ”  ملونة ولكن مخالبها حمراء وعنيفة تستخدم المرأة لتنهش من جسدها وروحها بأساليب مخفية أكثر من أن تكون شفافة وواضحة لتلجأ إلى أساليب الإعلام والحرب الخاصة من خلال الاعلانات أو الأفلام!! فتحولت أغلب الأفلام إلى وحوش تنهش من المجتمع وثقافته ولكن بألوان وأشكال براقة فجعل من  المرء شرسا ومتوحشا ليخرج من طبيعته  عكس ما يجب أن يعمل في ايصال المشاهد والمجتمع إلى رؤية تمتلك السلام والأمان الاجتماعي  فيجعل من المجتمع كتلة تتحلى بذهنية  تحل كافة قضياها عن طريق العنف.

الذهنية التي تبنى على أسس العنف والشدة من قبل المجتمع والتي تبدأ من خلال الأسرة والتي تقوم على أسس سوء التفاهم وضعف لغة الحوار فجعل من الأسرة تقوم على أسس غير سليمة، ولعل قضية حقوق المرأة والطفل باتت من أصغر الحلقات ضعفا للفت الانتباه إليها فقد عملت هذه الذهنية على إبعاد مواضيع التي تخص المرأة والطفل وحقوقهما وجعل من الشدة والعنف المتمثل بالضرب والقتل والحرق أو الاغتيالات.

 وهنا فأننا سوف نقع في كارثة مفهومية خاطئة لأن الشدة والعنف هي  مشاكل ذهنية بحتة ويستلزم حلها من جذورها لها ماسكاتها الخاصة ومخالبها الحمراء، ومن هنا يتم الاستمرار بالحروب في أغلبية الأوطان كي ينهي الاستقرار الاجتماعي والأمان النفسي لدى المجتمعات ونحن نرى أمام الأعين ما تعانيه العراق وليبيا واليمن ولبنان من حروب وصراعات ذهنية وطائفية ومذهبية ودينية والتي تؤدي وأدت الى تقسيم المجتمعات  فيما بينها.

ولعل الصراع في سوريا لم يكن مختلفا عن باقي المناطق التي تشهد الصراعات في الشرق الاوسط، ورغم أن الإدارة الذاتية الديمقراطية وكافة التنظيمات النسائية الخاصة بالمرأة عملت على محاربة هذه الذهنية المتجذرة في ذهنية المجتمعات إلا أن المحاولات الدائمة لمحاربة ما تسعى اليه المرأة في شمال وشرق سوريا من كسب لحريتها وحقوقها ومحاربة كافة أشكال العنف والشدة بحقها  لقى سياسات ومحاربة دائمة من قبل القوى الرأسمالية وأصحاب الذهنية المعتمدة على العنف والتعنيف على ضرب المرأة.

فكانت  كل ملاحم البطولة التي تسطرها شعوب شمال وشرق سوريا تحاول الدولة التركية المحتلة والمرتزقة التابعين لها من جبهة النصرة وداعش إلى استهداف المرأة وممارسة كافة أشكال عنف بحقها ولا يخفى على أحد ممارسات الاحتلال التركي في ظل هجماتها على كل كافة مناطق شمال وشرق سوريا و(سري كانيه وكري سبي) فقام باستهداف المدنيين دون التميز ما بين الأطفال والنساء والكبار السن إلا أن إرادة المرأة تكون الأقوى دائما.

فذهنية العنف تستخدم كافة الوسائل لأجل وضع المجتمع في حالة لا إرادة أو مقاومة فجعل من المجتمعات ابتداءً من المرأة وصولا إلى الرجل مسلوبي الإرادة ودائما ما يكون  الهدف الأساسي من العنف هي إمحاء ثقافة المقاومة الفكرية والسيكولوجية والروحية وحتى الفيزيولوجية لدى المجتمعات، فكانت الأسرة ضحية الحرب، الطبيعة ضحية الحرب لذلك عند تحليلنا لهذه الذهنية علينا أن نكون  واقعين أكثر، مثلا العنف والحروب الممارس في كافة مناطق العالم كيف نراها؟ بعض الدول يمارس العنف بشكل خفي وبكل معرفة وبطرق مدروسة، وبعض القوى تمارس العنف تحت اسم القضاء على الإرهاب ونشاهد جميعا كيف يتم تدمير مزايا وثقافة وتقاليد ووحدة الشعوب.

 الأنظمة الموجودة باتت أنظمة فاشلة لم تعد جوابا لمتطلبات الشعوب مع التغير المستمر للمجتمعات والتي لها أساسها فالمجتمع يمتلك طبيعة سلسة ومرنة منفتحة على التغير والتطور.

علينا الاشارة ان الهدف الاساسي للشدة والعنف هو إنهاء روح المقاومة والمطالبة بأخوة الشعوب والسلام لدى كافة الشعوب فبتماسك المجتمعات واتحادها والتعايش المشترك بين كافة الشعوب ، السلطات لا تستطيع الاستمرار في المنطقة ويبقى ويوم واحد لمناهضة العنف ضد المرأة رمزيا  علينا جعل كل الايام مناهضة للعنف ضد المرأة والمجتمع، هنا الدور والمحور الاساسي بيد المرأة ، بالمرأة الحرة صاحبة الارادة نستطيع الحديث عن مجتمع حر وديمقراطي مسالم. 

*شاعرة وكاتبة كردية من مدينة قامشلو تكتب بالعربية والكردية.

 

التعليقات مغلقة.