الربيع العربي الجديد ولكن!

43

فوزة اليوسف

 

شرق الأوسط ومنذ القرن الخامس عشر تقريبا ولحد الآن يعيش أزمة عارمة. بعد أن نقل مركز الحضارة إلى الغرب و نحن نعيش حالة حرب دائمة، هذه الحرب ليست فقط ضد الهجمات الخارجية إنما أغلبها حروب داخلية أما بين الدول الإقليمية أو بين الشعوب و حكوماتها أو بين مجموعات مختلفة ضمن البلد نفسه، سلسلة العنف هذه باتت جزء من الحياة أو اللاحياة في الشرق الأوسط . بالطبع تفسيرنا للوضع الذي نعيشه دائما يعتمد على نظرية المؤامرة و بأن الغرب يتآمرون علينا و هم سبب كل الكوارث فلا نستخرج أي نتائج ونعيد ونكرر كل فترة نفس الدوامة التي تطحننا كشعوب وكأفراد. لا أدعي بأنه لا يوجد مؤامرات و خطط على إقليمنا و لكن الأسباب الداخلية هي أكثر مصيرية وإذا لم نحللها ونستوعبها بشكل جيد ولم نقنع أنفسنا بأن الداء  والدواء مكنون فينا فلن نفلح في تجاوز ما نعيشه وسنظل نعيش هذه المآسي أبد الدهر.

 إننا اليوم أمام موجة جديدة من الربيع العربي في لبنان والعراق والجزائر، ففي هذه الدول يقوم الشعب يوميا بالمطالبة بالقضاء على الفساد، على سوء الإدارة،  على تدني مستوى المعيشي على نظام المحاصصة وغيره، المطالب الشعبية في لبنان لا تختلف عن العراق، ولا يختلف عن مطالب التونسيين والجزائريين. لكن دون أن نستخرج أي درس من الربيع العربي الماضي يتم اتهام هذه الاعتصامات والحراك الشعبي أيضا بأنه مدبر من الخارج. هناك مثل كردي يقول ” اذا لم يكن دودة الشجرة منها فلايمكن أن تسقط الشجرة ” بمعنى أن السبب الداخلي هو الذي ينخر جذورنا وساقنا ويجعل المجتمعات كأوراق الشجر تسقط في مهب ريح ولو بسيط.

نعم إن قضيتنا الأساسية في الشرق الأوسط هي افتقارنا للوعي السياسي والوعي الديمقراطي، إننا نفتقر لثقافة قبول الآخر، إننا لا نحب أوطاننا وحكوماتنا لا تحب أوطانها، لذلك لا تبني ولا تعقد علاقة حميمة مع شعوبها بل الحكومة يعني أن تحكم بالعنف و تسرق، فالدولة عندنا تتحول الى أفضل آلية للسرقة، هل رأيتم شخص وزير فقير أو رئيس وزراء فقير أو قائد أركان فقير، كلهم لديهم نقود في البنوك، من أين حصلوا عليها، أنه مال السرقة و لا يمكن إطلاق اسم آخر عليه. من أجل أن تسرق وتنهب أكثر تفتح الحكومات الإقليمية المجال للدول الخارجية أن تسرق هي أيضا عن طريق الاحتكارات بحيث يحولون بلدانهم إلى بقرة يحلبها ويستفيد منها الحكومات اللصة وأسيادهم الغرب أو الإقليمين ، لكن الشعب يتضور الجوع والعطش.

كل ما يحصل هو نتيجة عدم وجود نظام ديمقراطي، عدم وجود قادة وطنية تحب أوطانها، السبب هو التمزق الفكري والمجتمعي الذي نعيشه نتيجة قتل بعض الهويات لبعضها الآخر، فالكل متربص بالآخر، المذهبية، الطائفية، الدولة القومية الفاشية التي تنكر التنوع وهوية الآخر، يمكن أن لا نكون قد خلقنا نحن كل هذه الأسباب وهو ميراث ترك لنا، لكننا نتوارثها و نشربها مع حليب أمنا. فكل شيء يتغير لكننا نبقى كما نحن، مائة سنة والقضية الكردية تنزف دما في أربعة أجزائها ولكن مازال أردوغان يريد القضاء عليها و إبادة شعب بالكامل، أكثر من ستين سنة و القضية الفلسطينية تعيش حالة العقم، مائتي سنة و نحن نتقاتل فيما بيننا، حرب الخليج بين صدام و إيران، حرب اسرائيل و العرب، حرب السنة والشيعة، حرب الطوائف، حرب الحكومات ضد شعوبها، حرب الدولة ضد المجتمعات، حرب الرجال ضد النساء، حرب القبائل، حرب التنظيمات المتطرفة ضد الهويات الدينية، الحرب على قطعة أرض…….أصبحت حرب الكل ضد الكل.

تتغير الأجيال و لكن نكرر نفس الشيء، لأنه لايوجد لدينا شيء اسمه تغيير طريقة الفكر، تغيير نمط الحياة، التزمت العقائدي والتعصب القومي والجنسي أصبح كابوسا يقطع أنفاسنا. لكن حان الوقت باعتقادي علينا أن نبدأ بالتغيير من أنفسنا كل من نفسه، وأن يعيد النظر في مبادئه وطريقة حياته وسلوكه، وأن يقنع نفسه بأنه لا يمكن أن ينقذنا أي شيء سوى الديمقراطية، إننا بحاجة إلى الحداثة الديمقراطية بكل جوانبها أكثر من حاجتنا للخبز والماء، إننا بحاجة إلى نمط جديد في سلوكياتنا وهو أن نعلم أن هذه الأرض تسعنا جميعا و لا حاجة لأن نقتل بعضنا لكي نعيش، يجب أن نرى بأن التنوع والاختلاف لا يعني العداء وإنما يصنع جوا طبيعيا لكي نعيش فيه بشكل صحي أكثر. إننا أمام مرحلة تاريخية كشرق أوسطيين، أما أن نطرق باب الحداثة الديمقراطية فينفتح أمامنا آفاق حياة جديدة خلال القرن الواحد والعشرين أو أن نبقى أسرى للتعصب القومي والديني والجنسي والمذهبي وأسرى للجشع بكل أنواعه، فنعيش قرن دامي آخر وهذا سيكون هديتنا لأجيالنا مع الأسف وهو حياة مليئة بالحروب والعنف والظلم والاضطهاد والخوف والكوابيس.

نقلا عن صفحية “الفيسبوك” لعضو منسقية حركة المجتمع الديمقراطي، فوزة اليوسف

التعليقات مغلقة.