«الثورة السورية» انطلقت جنوباً وتحققت في الشمال

49

فوزة يوسف

 

الثورة من أكثر المصطلحات التي تم تداولها في السنوات العشر الأخيرة، وبخاصة بعد الربيع العربي. السبب يعود إلى حاجتنا إلى التغيير وتوقنا لحياة جديدة. فشلت كل محاولات «الربيع» في منطقتنا لأن الثورة والثوار خرجوا عن مسارهم، وتم استخدامهم من قبل أجندات مضادة لمصالح الشعوب التي كانت مستعدة لتقديم كل شيء فقط كي تحقق حياة تليق بإنسانيتها.

هكذا هي الثورة السورية أيضاً. عندما خرج الشعب في درعا لم يخرج كي يتحول مع الزمن إلى ضحية لأجندات خارجية، ولم يكن هدفه خلق سماسرة حرب يسمون أنفسهم «قيادات الثورة»، ثم يعملون وفقاً لأجندات القوى التي ترعاهم.

الشعب عندما هبّ كان هدفه العيش بكرامة، أن تكون له كلمة، أن يسير في الشارع دون الخوف من رجال الأمن، دون الاضطرار إلى دفع الرشوة لرجال الشرطة، وأن يكون كل فرد من هذا الشعب مواطناً من الدرجة الأولى وليس من الدرجة الرابعة، وأن يعيش في نظام لا يقصي هويته، لغته، إرادته السياسية، دينه ومذهبه، لكن خيانة الثورة وخيانة الشعب أدتا إلى أن تتحول مهد الثورة السورية مدينة درعا إلى مدينة تتجول فيها الأشباح، حيث تم وأد الثورة هناك وعلى أيدي من كانوا يسمون أنفسهم أبناء الثورة.

الثورة تبدأ بالتغيير وتتحقق إذا ما كان هناك ثوار يؤمنون بمبادئ هذه الثورة، فالثورة يخلقها الثوار الذين ثاروا في البداية على ما في أنفسهم من خصائص ورواسب رثّة، ثاروا على كل شيء رجعي. فالثورات التي لا تملك ثواراً حقيقيين يضحون بكل ما لديهم من أجل تحقيق هذه الثورة لا يمكن أن تصل إلى النجاح. فالثوري هو من يجسد في نفسه نموذج المجتمع الذي يصبو إليه بأفكاره وأفعاله. لذلك؛ فإن الثورة في جنوب سوريا وغربها فشلت لأنها لم يكن لديها ثوار يقودون الحركة الشعبية تلك، فالذين كانوا يسمون أنفسهم «قادة الثورة» كان هدفهم فقط تغيير أشخاص الحكومة والجلوس على مقاعدهم وليس تغيير النظام الإداري والسياسي والاقتصادي الذي دمر السوريين.

لن يكون من الخطأ القول إن الثورة والحراك الشعبي بدآ في الجنوب، لكن حققا هدفهما في الشمال؛ لأن القوى السياسية في الشمال السوري كانت تملك مقومات القيام بالثورة.. نظرياً كانت تملك برنامجاً سياسياً واضحاً، وهو مناهضة نموذج الدولة القومية وطرح البديل وهو دولة لا مركزية تعتمد على الإدارات الذاتية، أيضاً كان لديها ثوار وقادة حقيقيون قادرون على تحقيق الثورة في ذاتهم.

إذا ما قيّمنا السنوات السبع «ثورة 19 يوليو (تموز)» التي بدأت في مدينة عين العرب (كوباني)، حيث ثار الشعب على المؤسسات الحكومية التي سلبت منه وأعادها للشعب، نرى أن سر نجاح الثورة الشعبية يعود في البداية إلى ما كانت تعتمد عليه من نظرية وبرنامج الأمة الديمقراطية، حرية المرأة ومبدأ الدفاع المشروع، وأيضاً السبب كان وفاء القادة والثوريين وصدقهم للشعوب في سوريا.

أيضاً، استقلالية الفكر والإرادة التي كانت موجودة لدى القوى السياسية في شمال وشرق سوريا كانت سبباً رئيسياً في تحقيق كل تلك الإنجازات التي تحققت خلال السنوات السبع الماضية.

كانت بالفعل ثورة؛ لأنها جسدت في ذاتها نموذج سوريا المستقبلية بما حققته من تعايش سلمي بين الشعوب، ومن تطورات في النظامين السياسي والاجتماعي، ومن تغيير في البنية الثقافية التي كانت سائدة.

هناك من يقارب هذا الواقع وكأن الثورة انتهت وأننا في فترة ما بعد الثورة، لذلك يطلبون مقاييس من الخدمة والتطور تعجز عنها أقدم الدول في المنطقة، ينسون أنه خلال السنوات السبع الماضية كنا في حالة حرب، والحرب، إن أبعدت عن بعض المناطق، لم تنتهِ تكاليفها وقد كنا نبني بيد ونحارب باليد الأخرى.

الثورة لم تنتهِ كما يزعم البعض، فما زلنا نواجه تهديدات وتحديات كبيرة، بالطبع حققنا مكاسب وإنجازات كبيرة، لكن يجب أن يتم تأطيرها وضمانها دستورياً، على هذا يجب ألا ننسى أننا ما زلنا في بداية الثورة؛ لأن الثورة حتى تتحقق لا بد من خلق تغيير في طريقة أفكارنا، أسلوب حياتنا، في رؤيتنا لأنفسنا وللآخرين، في علاقاتنا ضمن العائلة، في رؤيتنا للرجل والمرأة …الخ. لأنه بقدر ما تتحول الثورة إلى ثقافة اجتماعية قد حققت هدفها.

ثورتنا ما زالت كطفل في السابعة من عمره يحتاج إلى كثير من الرعاية والاهتمام والمتابعة، ويجب أن نعمل سوياً حتى يعيش الطفل ويكبر وينمو نمواً صحيحاً، ويجب ألا ننسى أيضاً أننا معه سنكبر ومعه سنحقق آمالنا وطموحاتنا.

 

نقلا عن الشرق الأوسط

التعليقات مغلقة.