٢٠١٩: روجآفاي كُردستان.. وحالة الاستقرار

48

فاروق حجّي مصطفى

“في 2019سيكون السجال حول مستقبلنا سجال يومي ويزيد من مخاوفنا، ومثلما افترقنا من المشهد السوري منذ السنين الأولى لتكون مختلفة من حيث المسار والمصير، فإن عناوين التحديّات ستكون مختلفةً، مع التأكيد بأن نتائج المشهد السوري ستضع حدّ لكل شيء بما فيها تهديدات تركيا

من الأشهر الأخيرة، من ٢٠١٨، صُرفت كل الطاقات الدولية والمحليّة، لأجل وضع حد لهذه الفوضى الكبيرة الطاغية، ليس على المشهد السوري الأمني فحسب إنّما على المشهد السياسي أيضاً، بينما الطاقات الاقليميّة كانت تُصرف على غير ما نحن نسعى إليه.

اشتغل العامل الدولي والإقليمي ومعه القوى المحليّة السوريّة على تضييق الخناق على الحرب. انعقد مؤتمر “سوتشي” ولقاءات آستانة التي وصلت إلى ١١ لقاءاً، في لحظة شغف المبعوث الخاص بلورة القرار الأممي ٢٢٥٤، وكيفية الإستفادة من مخرجات “سوتشي” والإعلان عن اللجنة الدستوريّة، أو لجنة صياغة الدستور. كانت محاولة ذكيّة من المبعوث الخاص، فيما القوى المحليّة بدت في السنة الأخيرة خاصة بأنّها بلا إرادة ولا موقف. الكلام كله لا علاقة لـ”شرق الفرات “بالأمر؛ هو عن المشهد السوري.

ولا نستغرب أنّ لشرق الفرات وضعٌ خاص؛ فمنذ ثلاث سنوات تتعامل الدول وتريد أن يكون لهذا الشرق المُثقَّل بالمخاوف نافذة خاصة بها.

أذكر أنّه في ٢٠١٤، انتقد بعض الزملاء من منظمات المجتمع المدني “أوتشا”، متسائلين لماذا تتعاملون مع المناطق الكُرديّة بالخفاء، أو أنّهم لا يشاركون اجتماعاتنا؟!

والحق، منذ بدء الحراك السوري كان أعين الجميع موجَّهة إلى الكُرد؛ المعارضة أرادت أن تستثمر طاقاتهم التنظيميّة للدفع بالحراك نحو التقدم، النظام كان يعرف أهمية الكُرد وأصرّ أن يكون خارج الحراك، الأتراك حاولوا ألّا يكونوا بحالة جيدة. الأمريكان قالوا وأكدوا على حقوق الأقليات والنساء على أنه “خط أحمر”. بينما الكُرد أنفسهم كانوا بمحل آخر؛ كل حزب كان يفكر كيف يكون هو صاحب الامتياز، لذلك تشتّت الأحزاب والرؤى ومعها الأحلام. والآن المخاوف هي سيدة المواقف.

الكل يعلم أن تركيا لا تريد أن يكون الكُرد أحراراً، وأن الوضع الذي بلغ إليه الكُرد يزعجهم، ويضعهم في حالة من التوتر في السياسة وفي الموقف. أخذت عفرين ومن قبلها جرابلس والباب لتسد الطريق نحو الغرب أقصد “البحر الأبيض المتوسط”، وأسسوا لأنفسهم حلماً من بطن الحلم الكُردي، أي الوصول إلى البحر مع أن الأتراك يعرفون بأنّه إذا كان الوصول إلى المياه الدافئة صعباً للكُرد، فكيف لها الوصول إذا كان في واجهتهم الأرمن في كَسب والعلويين في الجبال؟!

استطراداً.. إن ما اشتغلت وعملت عليه القوى الدوليّة والأمميّة في الأشهر الأخيرة مثل “لجنة صياغة” الدستور، بلورة فكرة التسوية السياسيّة، وبناء الاستقرار من الطبيعي بمكان إنها ستكون عنوان الأشهر الأولى في ٢٠١٩، ومثلما تنعكس الأشهر الأخيرة من العام على الأشهر الأولى من العام القادم فإنّ ذلك يمكن تعميمه كُرديّاً؛ في الأشهر الأولى من ٢٠١٨ خسر الكُرد عفرين/كُرداغ، وواجهوا تحدي آخر هو “خارطة طريق منبج”، والتهديدات والقصف على شرق الفرات، في لحظة تباطؤ التحالف في تنفيذ خارطة منبج، والسير بالدوريات على حدود الشمال، وبناء نقاط أو تمركز لمراقبة الحدود، في ٢٠١٩ سيُسحب هذين العنوانين على حضنها، وسيكون السجال حول مستقبلنا سجال يومي ويزيد من مخاوفنا، ومثلما افترقنا من المشهد السوري منذ السنين الأولى لتكون مختلفة من حيث المسار والمصير، فإن عناوين التحديّات ستكون مختلفةً، مع التأكيد بأن نتائج المشهد السوري ستضع حدّ لكل شيء بما فيها تهديدات تركيا.

ملحوظة: تركيا لن تسكت حتى لو أُجري معها اتفاق أو تفاهمات، فالتضاد التركي الكُردي تضادٌ مُزمِن ومحمّل بالتعقيدات، فهي حتى الآن تهدد كُردستان العراق، ومع ذلك تفرض على الكُرد والترك البحث سويّاً عن نافذة للتعايش، وبناء نوع من البيئات المنعشة لبلورة علاقة حسن الجوار. “منظمتنا” اقترحت على مكتب المبعوث الخاص بدعوة الكُرد والترك ورعاية لقاء بينهما، وهذا اللقاء ربما يكون مناسباً لبلورة نوع من العلاقة غير مضادّة عدائيّة، لأنّه إن كان الكُرد بحاجة لتركيا لكونه تربطهم مع تركيا حدود ٨٠٠ كم فإنّ تركيا أيضاً بحاجة إلى الطرق الآمنة إلى عمق العرب، وكل طريق تركي إلى العمق العربيّ يمر بجانب الكُرد أو من جغرافيتهم، وإذا كان وجود الكُرد السياسي يهدد الأمن القومي لتركيا، فإن الحساسيّة المتضخمة تهدد الأمن المجتمعي للكُرد.

في الحقيقة إن توتر العلاقة الكُرديّة التركيّة ستكون لها تداعيّات وانعكاسات على مستقبل روجآفاي كُردستان، وهذا التوتر أصبح عبئاً سياسيّاً ليس على الكُرد فحسب، إنّما على قوات التحالف، ما يعني إن الكُرد أمام استحقاق “أضعف الإيمان”:

-البدء بتفعيل تلك المرجعيّة التي كانت من نتائج اتفاقيّة دهوك برعاية الرئيس البارزاني.

-تطوير آلية الحكم المدني، وقبول بمبدأ الشراكات، والانفتاح على جميع التيارات.

-إجراء انتخابات محليّة، وأن تشارك مؤسسات القوى السياسيّة الكُرديّة مثل المجلس الوطني والتحالف.

-صياغة العقد الإجتماعي المحلي بين المكونات لتكون أنموذجاً للعقد الاجتماعي السوري العام.

ومن الناحيّة الفنيّة، على الكُرد العمل بآليّة:

-توزيع الأدوار.

-آلية صناعة التوافقات.

في الواقع، وحسب ما استنتجنا من علاقاتنا على مستوى المنظمات الدوليّة أو الأمميّة، وأيضاً اللقاءات مع الدبلوماسيين، استنتجنا انّه لا أحد يهتم بأمور تفصيلية كُرديّة، فهم يتعاملون مع الكُرد كجماعة او كمجتمع كُردي، ولا يهمهم إن كان هناك حزب (س) حضر مؤتمرا ما أو (ع) غاب عنه. هم يتعاملون مع المكون أو الجماعة أو لنقل المجتمع الكُردي؛ لذلك لا داعٍ لتعنُّت العقل الحزبي الكُردي والذي يكون سبباً في خسارة ما تم اكتسابه خلال السنوات الأربعة الأخيرة، وهي مكتسبات جداً مهمّة ما يضع الكل أمام المسؤوليّة التاريخيّة، ولعل المسؤوليّة الكبرى والأولى هي التعامل المرن مع التحديّات والإستهانة بها سيكون لها تداعيات كارثيّة.

بقي القول، إنّ المشهد السوريّ صار قاب قوسين أو أدنى من الخروج من عنق زجاجة الأزمة، وكل الخوف، وهو أنّ الوقائع والمعطيّات فُرضت لتكوّن المسار ومصير الكُرد مع المشهد العام السوري المختلف، فإنّ الخوف هو أن تنتقل سوريا إلى مرحلة البناء، ونحن ما زلنا منشغلين في كيفيّة التعامل مع تحدياتنا؛ أدعوا الله أن يكون اليوم الأول من ٢٠١٩ هو يوم الفرح الكبير للكُرد! يا رب.

نشر هذا المقال في العدد /86/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2018

 

التعليقات مغلقة.