الأجهزة الذكية والتكنولوجيا وآثارها على الأطفال

228

إعداد: بريندار عبدو 

لا يختلف اثنان أن الهواتف الذكية أضحت تلعب دورا كبيرا في حياتنا اليوميّة، فقد أصبحت وسيلة للتواصل الاجتماعي والترفيه والمعرفة، ونتيجة لذلك انتشرت بين الأطفال والمراهقين بشكل لافت، وزادت المدة التي يمضونها مع تلك الأجهزة، الأمر الذي دفع كثيرا من الأخصائيين وولاة الأمور لدق ناقوس الخطر من الآثار السلبية التي قد تترتب على هذا الاستخدام مطالبين بتقنينه .

انتشرت في مدينة عامودا كما في غيرها من المدن هذه الاجهزة بشكل كبير، لكن الغريب أن معظم حامليها من الأطفال دون الثانية عشر، ويستخدمونها طوال الوقت مركزين نظرهم وحواسهم على الهاتف أو ما يسمى بجهاز الـ “آي باد” أو “جي تاب” الأمر الذي أثر بشكل ملحوظ على تربية الطفل من كافّة المناحي.

ومن المفزع جدّاً ظهور دراسات مؤخّراً  تفيد بأن نسبة عالية من الأطفال يمتلكون أجهزة ذكية مستقلون عن آبائهم حيث ذكرت مؤسسة “دوكمو” اليابانية أنها أجرت دراسة على خمس دول وكانت نتيجتها أن 70% من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاما ممن شملتهم الدراسة يمتلكون هواتف نقالة مستقلة عن ذويهم.

فماهي آثار هذه الظاهرة السلبية على تربي الأطفال وما دور الوالدين في استفحال هذه الظاهرة وانتشارها..!؟

 

كادار حاج قاسم من أهالي عامودا وهو أب لطفلين يقول:” بالنسبة لمجتمعنا، فأن الكبار والصغار يستخدمون التكنولوجيا والتقنية بشكل خاطئ، لأننا إذا استعملنا الأجهزة الذكية والتكنولجيا بشكل صحيح سنساهم في تطوير مجتمعنا، لكن من المؤسف أن العوائل التي تدلل أطفالها، تقتني لهم أجهزة ذكية كالخلوي والآيباد وغيرها، ويبدأ الطفل باستعمالها، بل ويفرط في الاستعمال لساعات طويلة مركزاً عليها ببصره الغضّ، وهذا يؤثر سلبا على الرؤية والسلوك لدى الطفل، وكذلك على تواصله مع محيطه”.

 ويضيف حاج قاسم:” تواصل الطفل مع محيطه يكون عن طريق الحواس والكلام، لكننا لا نرى ذلك الطفل الذي يتواصل، بل نجد الطفل الذي يقضي وقته كله على هذا الجهاز. هذا بالنسبة للأطفال دون العاشرة، أما الأطفال الذي تجاوزت أعمارهم العاشرة فالانترنت يعجّ ويضجّ بالمواقع الإباحية، وهي متوفرة للجميع وهذا يعني أننا ندفع أطفالنا نحو الخطأ، والطفل بطبعه فضولي، سيبدأ بالبحث مرارا وتكرارا مما سيولد لديه عادة سلوكية سيئة “.

ويتابع حج قاسم:” الأشخاص المتطرفين دينيا ويؤثرون على أفكار الأطفال والمراهقين عن طريق الانترنت، ناهيك عن ألعاب الفيديو المليئة بالعنف”.

ويرى حاج قاسم أن الحل يكمن في تخصيص الأهل وقتهم لأطفالهم إلى جانب مراقبة واختيار الألعاب، وعدم حمل أجهزتهم طوال الوقت والانهماك بها أمام أطفالهم، بل تبادل الحديث أو القراءة والمطالعة, وتبادل الكلمات الأجنبية لإثارة فضول الطفل لتعلم اللغة أو حمل كتاب، وكل ذلك سيساهم في تخليه عن الجهاز الذكي شيئاً فشيئاً.

 

شيرين قجو الإدارية في تجمع “معا لأجل عامودا” أوضحت الأمر من خلال الحديث عن الدكتور نيكولاس كار الذي أجرى العديد من الأبحاث في هذا المجال منها تأثير التكنولوجيا على الأطفال، حيث اختار فئتين منهم، قدم للفئة الأولى كتب صغيرة للمعلومات القرائية وقصص قصيرة وألواناً بينما قدم للثانية الأجهزة الذكية والتقنية، وكانت المفاجأة أن الفئة الأولى تميزت بفهم المعلومات واستيعابها بشكل سريع إلى جانب امتلاكهم لخيال واسع بينما الفئة الثانية تستطيع فهم المعلومات وتخزينها فقط. الفئة الأولى كانت أوسع خيالا, واستطاعوا محاولة تطوير ما تعلموه.

وأردفت قجو:” الأطفال الذين يستخدمون الأجهزة والتكنولوجيا يبقى دماغهم وخيالهم كما هو، بينما الذين يرسمون ويقرأون القصص ويبتعدون عن التكنولجيا يملكون آفاقا واسعة وخيالاً كبيرا، وينظمون أوقاتهم ويضعون خططا لتحقيق أهدافهم وتطوير مجتمعهم، لكن الطفل الصغير عندما يستخدم الاجهزة بشكل متواصل يبتعد عن محيطه بل ويدخل حالة شبيهة بالتوحد تسمى “طيف التوحد” حيث ينمو منعزلا، وتكون ردة فعله سلبية وقاسية تجاه أهله”.

وترى قجو أن الحل يكمن في تنظيم وقت استعمال الجهاز للأطفال لحدّ كبير أي لا تتجاوز مدة ساعة يوميا، وتكون تحت اشراف الوالدين، وتقديم أوقات ترفيه لأطفالهم كالرسم والموسيقى بدلا من استخدام الأجهزة الذكية معظم الوقت.

للأطفال آراء أخرى, عبروا عنها ببضع كلمات، فالطفل زانا ذو العشرة أعوام قال أنه حصل على جهاز الآيباد كهدية عيد ميلاده من والده ويستخدم الجهاز أكثر من ست ساعات يوميا، يلعب بالعديد من الألعاب منها كلاش اوف كلانس وكونتر، وهي ألعاب القتال والعنف إلى جانب ذلك فهو يتصفح في الفيسبوك ويتحدث عبر الواتس آب مع أقاربه خارج البلاد، ولا يتذكر أنه قد حمل دفترا للرسم أو قصة صغيرة أو دفترا وقلما منذ نهاية الدوام المدرسي.

 ويتابع الطفل زانا حديثه بعفوية: أنا أستمتع حينما ألعب على الجهاز أكثر من الرسم أو قراءة القصة، وتذكر فجأة أنه لم يلعب كرة القدم منذ زمن مع أنها لعبة رائعة حسب تعبيره.

 يوسف أحمد مدرس مادّة الفلسفة رأى أن :” التكنولوجيا تلعب دوراً بارزا في حياتنا اليومية ولها تأثير كبير وواضح على نمط الحياة لدى الاطفال من حيث تقديم الصورة المرئية بجانب مؤثرات الصوت والحركة مما تجذبهم اليها بشدة. ولكن الجانب الضار والاستعمال السلبي ولفترات طويلة ترجّح كفة المساوئ على الايجابيات”.

 وعن الضرر الذي تسببه الاجهزة الذكية على جسد ونفسية الأطفال اختصرها بـ: ضرر يصيب العين من إدامة النظر إلى الشاشة أيّاً كان نوعها، وخلل يصيب المفاصل وخاصة الرقبة والظهر نتيجة الجلوس غير السليم لساعات طوال، وأيضا تأثر الاذن بالصوت العالي وخاصة بوضع السماعات.

 ومن الناحية النفسية أوضح أحمد أن التكنولوجيا والأجهزة تتسبب في انعدام الاختلاط واقتصار اللعب بالألعاب الالكترونية، كما تؤثر على الالعاب الجماعية والحركية المفيدة للطفل إضافة إلى الانعزال والاكتفاء بالتواصل عن طريق الأجهزة مما يحرم الطفل خبرات لا يتعلمها إلا بالحياة الاجتماعية السوية من خلال مجتمع اللعب مع الأقران بالإضافة إلى تقلبات المزاج الناتجة عن اضطراب في نظام النوم والراحة وعادات الأكل.

 ورأى أحمد أنه يجب ترشيد استخدام الأجهزة بحيث يستفاد منها ولا يكون جاهلا في استخدامها لكن دون الاستخدام المطول الذي يؤذي الجسم والنفسية بمعنى آخر استعمالها يوميا لوقت محدد وليس لوقت لا نهاية له.

ابتعاد الأطفال عن ألعابهم الطبيعية في حياتهم اليومية واستبدالها بالأجهزة الذكية أثرت بشكل سلبي على تربية الأطفال، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل سنبدأ كأولياء أمور بخطو تلك الخطوة لتقديم أنشطة تساهم في دعم معرفة أطفالنا وتطويرها بدلا من قضاء معظم الوقت على تلك الأجهزة الذكية التي تساهم في خمول وربما غباء الأطفال أحياناً.

نشرت هذه المادة في العدد /83/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/8/2018

 

التعليقات مغلقة.