قلم أخضر (موسكو تسعى لكسب التسوية النهائية)

51

زاوية يكتبها حسين قاسم

كردياً هنالك أسئلة راهنة تتلخص في ثلاث: أولها الرهان على الضمانات الروسية في الحوار مع نظام الأسد, وثانيها سؤال الاستبداد الذي يفتح الحديث عن علاقات الكرد البينية ومستوى التسامح والمناورة أمام الآخر والحساسية المزمنة أمام شراكة الخصم في القضايا الاستراتيجية وتأثيراتها المستقبلية على مجمل القضية الكردية, وثالثها الهجرة غير المبررة في كل المستويات بما فيها أوساط  الأحزاب والأطر المشاركة في الإدارة الذاتية ويفتح الباب أمام سؤال كبير عن الهوية والانتماء وعن مشروع الإدارة نفسها والحامل الاجتماعي لهذا المشروع ومدى تمثيل وصدق هذا الحامل لمشروعه.

كان تصريح ممثلي الإدارة الذاتية عن تشكيل لجنة متابعة مشتركة بينها وممثلي عن وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية خطوة إعلامية صحيحة في سياق الشفافية والعلنية بخصوص قضايا تهمّ مصير المواطن السوري في شماله, رغم حاجة هذه الخطوة إلى تفصيل وفيض من نقاشات, وهي تتنافى مع مضامين الخطاب الإعلامي السابق, الدعائي والتحريضي والثوروي, المفهوم في إطار الصراعات الداخلية والسياقات العامة التي ساهمت في إفشال الثورة السورية, وهي أيضاً تتماشى مع خذلان المجتمع الدولي لقضية السوريين عموماً والفئات الطامحة للتغير الديمقراطي, وتتسم مع عقلانية فكرة الرضوخ الدولي للقرار الروسي من خلال الفيتو, رغم أنه رضوخٌ مذلٌ في متنه وتفاصيله.

تشكل العقلانية السياسية في اللحظة الراهنة تناقضاً مرعباً مع القضية الأخلاقية التي تتسم بها مرحلة المقايضات النهائية على أعتاب الحسم النهائي للأزمة السورية في المعركة الأخيرة والتي بدأت طبولها تدق في إدلب التي ازداد عدد السكان فيها على أربعة ملايين مع تجميع أغلب الفصائل المتطرفة فيها من الغوطة ودرعا والقنيطرة والتي يرغب حلفاء النظام وحلفاء المعارضة أيضاً وبشكل خاص روسيا وتركيا, أن يكون حسمها غير باهظ.

 الروس أعلنوها على الملأ: لن نكتفي بكسب الحرب بل سنربح إدارة التسوية النهائية, ويترجم هذا إلى تفاصيل سمتها الرئيسية أن تكون سوريا ورقة مقايضة بوتينية مستمرة لإرغام خصوم موسكو الدوليين في ملفات أخرى, وهذه التفاصيل تؤثر على الرأي العام الأوروبي, وأبرزها ملف عودة اللاجئين والنازحين, حيث أعلنت موسكو فتحها عشر مراكز لاستقبالهم مع ضمانات بعدم الملاحقة والاعتقال حسب ما أوردته أوساط “معارضة” (لؤي حسين رئيس تيار بناء الدولة نموذجاً).

 في هذا الإطار يمكن فهم سعي موسكو الحثيث بالمبادرة إلى تشكيل لجنة دستورية تحل محلّ هيئة الحكم الانتقالي, لصياغة دستور سوري جديد والاستحواذ على ملف إعادة الإعمار وأيضاً ضمان حدود سورية آمنة مع  إسرائيل  بعودة قوات النظام إلى مناطق فض الاشتباك وإبعاد الفصائل الإسلامية عنها, ومحاولة تمرير مشروع إدارة ذاتية للأكراد في شمال سوريا, أبرز أوراق المقايضة الروسية التي تمهد وتؤسس أرضية فكرة تأهيل نظام الأسد.

مع إخلال موسكو المستمر لتعهداتها في الحفاظ على مناطق خفض التصعيد في درعا مثلاً, ونقض الالتزام بتعهداتها الأخلاقية في عفرين حيث حليفها القوي والأساسي في محاربة الفصائل الإسلامية الراديكالية, وعلاقاتها المضطربة مع تركيا وتصدرها لفكرة تطويق النفوذ الإيراني, يبدو في هذا الإطار الرهان على الضامن الروسي إشكال أخلاقي وسياسي كبير.

نشر هذا المقال في العدد /83/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/8/2018

 

التعليقات مغلقة.