عندما يتذكر السياسي عزيز أومري..!

74

 

أكرم حسين 

يُصنَّف كتاب ” في أروقة الذاكرة ” لمؤلفه عزيز أومري، ضمن فئة كتب المذكرات الشخصيّة والقائمة على ديناميّة الحضور والفعل ضمن الحركة الحزبيّة الكرديّة، واستظهار بعض خفاياها ، ونبذ القراءة المُتحزِّبة الفقيرة وفيه يضع عزيز أومري نضاله ومواقفه السياسيّة في إطار الحزب الذي اشتغل فيه بشفافية تامّة وصفاء منقطع النظير دون حقد أو انحياز. شارحا بعض التفاصيل التي قد تصطدم القارئ وكأنّ المؤلف جالس الى جانبك يتكلم بلغته المحكية وبالأسماء المتداولة شعبيا ويترك للقارئ الحكم على هذه الشخصيات من خلال مواقفها وأفعالها العيانيّة؛ لأنّ بعض هذه الشخصيات قد حكمت على نفسها بالعزلة عندما لم تقف في صف الجماهير. والكتاب توثيق لأحداث ومسيرة مناضلين ضاعوا ولم يتذكرهم أحد فغابوا في زحمة الأحداث ووقائع التاريخ وسردياتها؛ التاريخ الذي لا مكان للضعفاء فيه أو العامة، بل جله للأقوياء والطغاة وسيرهم بعيدا عن صنّاع التاريخ الحقيقين، والذي لولاهم لما كانت الحضارة ولما كان التاريخ أصلا، ولأنّ الذاكرة الكُرديّة سطحيّة ومؤقتة وبصريّة . فإنّ هؤلاء المناضلين ما إنْ يرحلوا أو يتنحَّوا جانبا حتى ينساهم الكثيرون وكأنّ ما وقع لم يقع.

كتاب في أروقة الذاكرة للمناضل عزيز أومري للجميع وليس للحزبين أو السياسيين، فهو يحتوي على أحداث مهمّة من تاريخ الحركة الحزبيّة و شهادة سياسيّة لها أهمية خاصة لأكثر من سبب؛ لأنّه صادر عن مناضل كردي، أدى دوراً كبيراً في الحركة الحزبيّة وكان في موقع قيادي في مرحلة مهمّة من تاريخها.

عزيز أومري تولُّد  7حزيران / يوينو من عام1942 مدينة الموصل، استقرت عائلته في القامشلي وهو في سن السادسة، انخرط في العمل الحزبيّ الكُرديّ عام 1958.  كان لوالده وعبدالله ملا علي دور أساسي في دخوله المعترك السياسيّ ودفعه للعمل في خدمة القضية الكُردية، والكتاب عبارة عن مقابلات وكتابات ووثائق عن مرحلة الخمسينات من القرن الماضي، حيث لم يكن الشعور القومي بعيدا عن أبناء الشعب الكُردي في كردستان الغربيّة رغم أن الميول العامة لدى الكُرد كانت باتجاه الحزب الشيوعيّ السوريّ والذي كان مهيمناً في المنطقة، وخاصة لدى قطاع المثقفين والعمال والفلاحين والشباب وكان هدف أغلبية المنتمين الكرد إليه تحقيق أهدافهم القومية بناء على تنظيراته وأهدافه. وبعد تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في 14 حزيران / يوينو من 1957 وتبنيه لشعار تحرير وتوحيد كُردستان تعرّض الى حملة اعتقالات بعد الوحدة المصرية السورية.  فاعتقل بحدود 60 عضوا من مناطق حلب والجزيرة ودمشق، وفي السجن تراجع رئيس الحزب نور الدين زازا عن تبنّي هذا الشعار- عندما سأله القاضي درويش الزوني عن منهاج وأهداف الحزب وبخاصة فقرة تحرير وتوحيد كردستان قائلاً  “ان تحرير وتوحيد كردستان محض خيال ” هامساً للرفاق أيضا كي لا يقروا بهذه الفقرة بعد خروجه من التحقيق –  في حين دافع أوصمان صبري بصلابة وشجاعة عن الحزب ومنهاجه بما فيه شعار تحرير وتوحيد كردستان مؤيداً الثورة الكُردية في العراق، وهو ما أدى لاحقا لبروز صراع امتد خارج أسوار السجن واستمر لسنوات، حيث تمّ تجميد عضوية نور الدين زازا ومن ثم فصله؛ لأنّه كان يطالب بأن يكون العمل في الحزب رئاسي وأن يكون كل شيء تحت يده، ويتطرق إلى دور حميد درويش في تزكية وإيصال حسن بولش للقيادة عام 1963والذي تبيّن فيما بعد بأنّه جاسوس تركي أو سوري أو كليهما معا ، فقد كان رجلا مُحنَّكا ورساما ماهرا قادرا على رسم صورة أيّ شخص بمجرد النظر إليه.

قبل كونفراس آب 1965كانت هناك كتلتان تتصارعان داخل الحزب على خلفية ما حدث من خلاف داخل السجن، وعمَّت الفوضى ولم يعد هناك تنظيم ولا قيادة بمعنى القيادة، ولم يعد لوحدة الحزب أي أساس, في هذه الأوضاع المضطربة دعا أغلبية الرفاق إلى عقد كونفراس 5 آب 1965 وتم تشكيل قيادة مرحلية من (ملا محمد نيو وصلاح بدر الدين وهلالو و رشيد سمو )وتقرر أن يتم الاتصال مع أوصمان صبري، فوافق بشرط أن لا يكون حميد درويش، وتم تجهيز البيان لكنه لم يُوزَّع إلا بعد التفاوض مع بقية القيادة والطلب منها إمّا عقد المؤتمر أو نشر البيان. إلا أنّ خالد  مشايخ سافر إلى كردستان لإعلام البارزاني بما يدور داخل الحزب، عاد مشايخ ومعه نعمان عيسى واتفق مع حميد درويش وانصاره على عقد الكونفراس الرابع في قرية بركو دون أن يدعو إليه أحد من طرف كونفراس آب ، ورغم اللقاء مع نعمان عيسى إلا أنّه أصرّ على شرعية الكونفراس ممّا دفع كونفراس آب إلى توزيع بيانه وشرح المشاكل والتناقضات والحقائق وبأنّ الخلافات فكريّة وليست شخصيّة. وهكذا انقسم الحزب اإلى طرفين، أما جكرخوين فقد انتقل إلى كتلة حميد درويش في نفس الليلة التي عقد فيها المؤتمر الأول بالهلالية بقامشلو 5 آب من 1968 وتم استبعاده من القيادة من قبل محمد نيو وصلاح بدر الدين وأوصمان صبري، وفي مؤتمر طلبة الكرد بألمانيا 1967 الذي حضره صلاح بدرالدين استطاع أن يجلب فيه التأييد للبارزاني والثورة الكُردية، وفي المؤتمر الثاني الذي عقد في مدينة عامودا 1969، تم طرد أوصمان صبري بتهمة الخيانة الوطنيّة والحزبية؛ بسبب سفره إلى كردستان الشماليّة دون إعلام أوأذنٍ من أحد ويعتبر أومري القرار خطأ كبير جدا أرتكبه المؤتمرون وعلى رأسهم صلاح بدرالدين، حيث انتخب بدر الدين سكرتيرا للحزب، أمّا عن  المؤتمر الوطني الذي عقد عام 1970،  فيرى بأنّ البارزاني قد عقد مؤتمرا في كردستان، لكنه لم يضع الحل الحقيقيّ رغم أنّه كان يعرف الكثير عن كُرد سوريا وكانت تنبؤاته صحيحة، ويعتبر حميد درويش سبباً لفشل الوحدة لكرهه الشديد للبارزاني واليسار وعدم جدية صلاح ودهام ميرو، وهكذا فشلت الوحدة وكانت النتيجة  ثلاثة أحزاب.

 في الكونفراس العاشر للحزب تمّ ربط النضال القوميّ بالنضال الطبقيّ، وفي المؤتمر الثالث الذي انعقد عام 1972 تم الالتزام بالماركسية- اللينينة، وبعد استئناف المعارك في  25أذار1974 بين صدام والبارزاني صُدر بيان توضيحي باسم اللجنة المركزية يضع فيه المسؤوليّة على عاتق البارزاني وكان يشتم منه رائحة موالاة الحكومة العراقيّة فأحدث خلخلة وبلبلة بين الرفاق وأدى إلى توقُّفهم عن النشاط والعمل، وفي اجتماع المركزية تبيّن أنّ صلاح وحده من أصدر البيان ورد بانزعاج “لا نريد البارزاني ولا نريد ذكر اسمه ولا علاقة لنا معه” وهاجم المؤتمر الوطني و وافقته أغلبية الرفاق.

وردّاً على بيان صلاح أصدر أومري ومحمد عباس ومحمد نيو في أوائل آب 1974 بيانا أعلنوا فيه تأييدهم للبارزاني والثورة وجمدوا عضويتهم ونشاطهم، وكان ذلك انفصالهم عن صلاح، واتبعوا البيان برسالة داخلية للرفاق، ثم تقرر الاندماج مع البارتي الذي انشق في أوائل أيلول 1974 وتحول إلى كتلتين الأولى تتألف من حميد سينو ومصطفى إبراهيم وهوريك أبوأ احمد والثانية تتكون من محمد باقي الشيخ محمود حاج صبري عبد الرحيم وانلي، ونتيجة المناقشة تقرر انضمام عزيز أومري ومن معه إلى جماعة شيخ باقي، ثم يتذكر اللقاء مع مسعود بارزاني في دمشق عام 1977 والذي كاد أن ينتج عنه اتحاد طرفي البارتي إلا أن بعض القياديين من الحزب الديمقراطي الكردستاني ومعهم آخرون متنفذون من البارتي وقفوا ضد التوحيد مثل كريم شنكالي وجوهر نامق الذين كانا منزعجين جدا من محاولات إعادة اللحمة بين طرفي البارتي رغم عدم رضى البارزاني عن هذا القرار وعدم اقتناعه به .

في 9 آب  أغسطس1979 قدم عزيز أومري استقالته من الحزب ولم يعد إلى العمل التنظيمي كما يقول، وفي عام 2004 وافق على العمل في الهيئة الاستشارية المركزية لحزب يكيتي الكردي .

يتكون الكتاب  من  244  صفحة باللغتين الكردية والعربية من إعداد وترجمة عبد الصمد داوود وتصميم الغلاف سيامند اومري ومن اصدار اتحاد كتاب كردستان سوريا لعام 2018 ؟

 

نشر هذا المقال في العدد /78/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/5/2018

 

التعليقات مغلقة.