نشوة الانتصار التركيّ فوق ركام هزائمه

47

 

 

همبرفان كوسه

تشكّل عملية الاحتلال التركيّ وفصائل جماعة الإخوان المسلمين في سوريَّا لمدينة عفرين- إحدى أقاليم فيدراليّة شمال سوريّا، إحدى دعائم دخول الحرب السوريّة- مرحلة جديدة، ورسم خارطة نفوذ جديدة؛ إذ سيطرت روسيا والنظام السوريّ بالمقابل على مدن وبلدات الغوطة الشرقيّة بمصالحة مع فيلق الرحمن وجيش الإسلام، في عمليّة مقايضة عسكريّة تركيّة- روسيَّة تبيّنت ملامحها خلال الأيام الماضيّة، بعد الاتفاق الروسيّ- التركيّ على تسليم تل رفعت، البلدة المتاخمة لبلدتي نبّل والزهراء الشيعيتيْن.

في سياق المتغيرات الإقليميّة وضمنها سوريّا، مرت تركيّا بانتكاسات عسكرية وسياسية عدة، كانت من شأنها أن تقتل تواجدها في بلدانٍ عدة، بعد مساعٍ جمّة في إعادة ريادتها في الحكم على تونس، فمصر وصولاً إلى سوريا، عبر ذراعها السياسي والعسكري المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين، الحاضر الأبرز في ثورات تلك البلدان، فتحوّل السعي التركي إلى حفظ الوجود دون قيادة، بعد هزيمة حركة النهضة الإخوانية في تونس، والرضوخ للتحالف مع العلمانيين التونسيين، وتقديم أطروحات خارج أفكار وإيديولوجيّة الإخوان. مقابل الأمر، خسرت جماعة الإخوان في مصر أمام الانقلاب العسكري للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي ومحاكمة الرئيس السابق محمد مرسي، حتى وصل الحد إلى لجوء الإخوان لتقديم اللجوء في تركيا بعد حظرها في مصر. بذلك فقدت تركيا مركز ثقلها في الشرق الأوسط، زِدْ على ذلك الحظر الخليجي على قطر أحد أهم داعمي الفصائل الجهاديّة الموالية لتركيا في سوريا.

الحال، إنَّ تلك الهزائم أجبرت القوات التركية لدخول المناطق الشمالية المحاذية لحدودها ضمن سوريا، بالتعاون مع حلفائها من المعارضة السوريّة التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين، فاحتلت مدن الباب وجرابلس واعزاز لتعيد الجماعة إلى الواجهة السياسيّة، وتكسب بالمقابل الفصل بين أقاليم الجزيرة وكوباني مع عفرين، لمنع الفيدرالية الكردية، ومنع خلق الفرصة للوصول الكردي إلى البحر، والذي من شأنه أن يدعم فرض الكيان واعتباره أمراً واقعاً.

بالمقابل، يسعى الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى التحالف مع الأحزاب القومية التركيّة، والنجاح في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، والأفضل في كسب هذا التحالف هو العملية العسكرية التي تستهدف الوجود الكرديّ في سوريا، واعتبارها نصراً على حزب العمال الكردستانيّ، وحفاظاً على الأمن القومي التركي، دون التعويل على الحليف الأمريكي، والتواجد ضمن حلف الناتو، لكسب شعبية داخلية تركيّة، فقدها كثيراً خلال الحرب في سوريّا.

ويمكن أن تعقد تركيا في سبيل مشروع حزب العدالة والتنميّة تفاهماً جديداً مع روسيا، يقضي بمقايضة إدلب مقابل منبج. في صورة مشابهة لعملية المقايضة الروسيّة-التركيّة؛ حين تنازلت تركيّا عن حلب مقابل الموافقة الروسية- السورية لدخول فصائل درع الفُرات إلى الباب وجرابلس. لكن هذه المقايضة تُقابلها احتماليّة الاشتباك المباشر مع القوات الأمريكيّة التي تسيطر فعليّاً على منبج مع مجلس منبج العسكريّ – زارت المدينة قبل أيام- لذا فأنَّ المشروع التُركيّ متوقف هذه اللحظة، ولا تقدّم نحو إتمامه في احتلال منبج، خاصة بعد قطع الأمل جزئياً من انسحاب القوات الأمريكيّة، زِد على ذلك، التوريط الروسيّ لتركيا في الملف السوريّ. تركيَّا التي عابت على روسيا والولايات المتحدة الوجود العسكريّ واستهداف المدنيين العزّل في المدن السوريّة، والتي صارت شريكاً مباشراً فيها.

توصل هذه التفاهمات والتوريط إلى وصول حزب العمال الكُردستانيّ إلى قناعة فتح ملف القتال مع تركيَّا ضمن الأراضيّ التُركيّة بشكلٍ رسميّ، بعد أن توقفت بشكل أو بآخر بعد اتفاقيّة السلام التي خلت بها تركيَّا، وبدأت بقمع الكرد بعد عمليّة الانقلاب على الذات التركية. وبها تفقد تركيّا كلّ مكاسب الشمال السوريّ، وتزيده هزائم داخليَّة وفقدان شعبيّ أكبر على أن تحظر جماعة الإخوان المسلمين مجدداً في الشرق الأوسط، خاصةً بعد التصعيد السعوديّ الإماراتيّ والتأييد الأمريكيّ، لذلك الأمريكيَّ الّذي غيّر القاعدة القياديّة لرجالات الدولة وعيّن شخصيات تناهض الإخوان المسلمين وتصف الرئيس التركيّ بالإرهابيّ والدكتاتور.

الوصف الأدقّ للتحالف مع روسيّا في جغرافية صراع، تبيّنت الموافقة عبر ميخائيل جورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتيّ لقرار مجلس الأمن الدوليّ لاستخدام القوة العسكريّة لإخراج الجيش العراقيّ من الكويت بعد احتلالها في أغسطس من عام 1990.

مقارنةً، لا يُمكن أن يقوم مجلس الأمن باستخدام القوة العسكريّة ضد أيّ قوة إقليميّة محتلة لأجزاء من سوريّا، لكن بالمُقابل ستسعى روسيّا بعد أن تسيطر على باقي مناطق المعارضة السورية بأن تجبر تركيّا للانسحاب من سوريّا أو أقلّ تقدير ستقوم بإزالة الحصانة التركيّة والدّعم المقدم للمعارضة المسلحة مقابل صفقات غيرها، وإنْ لم تكن العودة لقوات سوريّا الديمقراطيَّة، فستكون لقوات النظام السوريّ أهون الشرور على عفرين الكُرديّة.

بالرغم من أن التفاهمات السياسيّة بين روسيا وأمريكا، حقيقةً الفيصل في تكوين شكل سوريا المستقبل، ودون أن تغفل الحصّة الإقليميّة لدولها الراعيّة للفصائل العسكريّة ضمن سوريّا؛ فأنَّ الأجندة الروسيّة في التعاطيّ مع تركيّا غير ثابتة وقابلة للتضاد في أيّة مرحلة كانت، بذلك تكون عفرين أشبه باستئجارٍ تركيّ بالنسبة لروسيا، في حال تصاعد الخلاف بينهم ستقوم بحظر الطيران فوق سمائها وتتحرك قوات سوريا الديمقراطية لإعادة تحريرها. وهذا شيء من الواقع العسكري والسياسي السوري المتقلب وفقاً للمصالحات والخلافات بين الدول الكبرى والإقليمية على الملف السوري.

 

نشر هذا المقال في العدد /77/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/4/2018

التعليقات مغلقة.