الصناعة والمهن اليدوية الكردية في أوائل القرن العشرين

62

فارس عثمان

 

كان غالبية الكرد يعيشون في المناطق الريفية ويعتمدون في معيشتهم على نمط الإنتاج الريفي الكلاسيكي، ونظراً لانعدام المصانع والآلات الصناعية وحتى أية فكرة عن الإنتاج الصناعي واستخدامات الآلات الميكانيكية في معظم المجالات حتى في مجال الزراعة بشكل شبه كلي في المجتمع الكردي، لذك ضعف الاهتمام بالصناعة الحديثة، التي تطورت بشكل كبير في تلك الفترة في الدول الغربية، وانتقلت إلى مدن سورية الرئيسية خاصة حلب ودمشق.

تنوعت الحرف والمهن اليدوية لدى الكرد حسب طبيعة عملهم وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية مع محيطهم، ومن أهم هذه الحرف:

حرفة النجارة:

مورست في معظم المناطق لارتباطها بالعديد من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، لصنع الأبواب والنوافذ الخشبية بأحجامها وأشكالها المتنوعة، والصناديق والكراسي والأدوات الخشبية المنزلية كالملاعق والأمشاط الخشبية …، وبعض الآلات الزراعية كالمحاريث الخشبية “Halet”، والمذاري “Melhêb”، والسلال والأقفاص إما من الخشب أو القصب وأحياناً من جريد النخل ومن تقليم الاشجار التي كان يتم تشذيبها وتهيئتها، لتغطية وحفظ الحليب واللبن، أو لحفظ الخبز وبعض الأطعمة.

 

الحدادة:

انتشرت حرفة الحدادة البسيطة لصنع السكاكين والخناجر والسيوف وبعض الأدوات المنزلية والزراعية البسيطة، التي اعتمدت على موقد النار “الكير- Kor” والفحم وبعض الأدوات اللازمة لصناعة المنتجات الحديدية، كالفؤوس، والمناجل، والقدور، وبعض المنتجات الحديدية المستخدمة للأغراض المنزلية أو الزراعية، بإعداد وقطع الحديد ومن ثم طرقه بشكل متواصل وعنيف، وبعد ذلك وضعه في الكور لحرقه، وإعادة طرقه، ومن ثم تسنين وتنعيم وصقل السكاكين أو الخناجر أو السيوف، ليتم تركيب المقابض اللازمة لها فيما بعد.

ونظراً لأن غالبية القدور والأباريق ودلات القهوة كانت تصنع من النحاس، ولأن النحاس “يتأكسد” أي يشكل مادة “الزنك النحاسي”، السامّة نتيجة الاستعمال المتكرر التي تؤذي وتضر المستخدم لهذه الأواني، لذلك كان يتم تنظيفها وتبييضها بين الحين والآخر، عن طريق الصفار الذي كان يقوم بعمله في أحد الدكاكين في المدن، أو يتجول في القرى ليبيض الأواني، وكان يخصص يوما محدد أو أكثر لكل قرية، حيث يتجمع حوله الأهالي مجهزين معهم أوانيهم النحاسية التي تحتاج للتبيض، وكان الصفار يختار ركنا منعزلاً في القرية للقيام بعمله، الذي يبدأ بحفر حفرة خاصة به، يشعل فيها النار للبدء في عملية التبييض. فيؤتى بالوعاء النحاسي ويسخّنه على النار مباشرة، ثم يدهن الوعاء بماء التوتياء بواسطة سيخ حديدي طويل، في طرفه قطعة قماش مثبتة. بعد ذلك يبدأ بفرك الوعاء من الداخل إلى الخارج بالرمل ثم بمادة القصدير المبيضّة، وبعد ذلك يغسل القدر جيداً بالماء وأحيانا بالماء والصابون ويتم تلميعه جيداً فيعود جديداً يلمع كما كان من قبل.

 

الصناعات الجلدية:

لم تكن هناك صناعة جلدية بالمعنى العلمي لهذه الصناعة، إنما بعض الحرف البدائية كصناعة الأحذية “جاروخ Carox” من جلود الأبقار التي يرتدونها في الأعمال الزراعية، وأحياناً كانت تستخدم كحذاء خاص. وكان وما العرف والمتعارف عليه ألا يبيع أصحاب الأبقار جلود الأبقار أو الثيران التي يذبحونها، وكانوا بعد الانتهاء من عملية الذبح  يقسمون الجلد إلى أقسام متساوية تكفي لصناعة حذائين تسمى طرح “Terih”،ويتركونها في البيت، ليعطوها لطالبي هذه الجلود من أهل القرية أو العابرين لصنع الأحذية منها.

أما من جلود الخرفان فكانوا يصنعون منها الفروات “Kurik”، بإزالة جميع طبقات اللحم والدم والدهون الملتصقة بجلد الخروف المسلوخ عن الجسم، وتنظيفه تنظيفاً جيّداً من جميع البقايا. وغسل الصوف الخروف بالماء جيداً، وإزالة ما يعلق به من دم، وبعد تعريضه للشمس والهواء كي يجف تماماً يتم وضع كمية من الملح على القسم اللحمي من الجلد، ويتم كشط الجانب اللحمي من جلد الخروف باستخدام سكينٍ حاد. وبعد ذلك إعادة رش الملح عليه، وبعد أن يجف تماما يتم خياطة الجلود مع بعضها البعض بشكل دقيق ومتناسق، وبعد الانتهاء منها يلبسونها بنوع خاص من القماش الأسود السميك للتجول إلى فروة تستخدم في أيام البرد، وكان البعض يرتدونها طوال العام. ومن أكثر المهن والحرف التي تصنع من جلد الخرف صناعة القُرب “Meşik” التي برع فيها الكرد لتخزين السمنة والزبدة والجبنة،  أو لخض اللبن والحليب.

 

صناعة الفخار:

تعتمد صناعة الفخار على أنواع من التراب والطين الذي يتم تنقيتها من الشوائب ثم خلطها بالماء وشعر الماعز الناعم لمدة معينة ثم تصنيعها أما على العجلة أو الدولاب باستخدام الأرجل في الحركة، أو باستخدام اليدين في تشكيلات المنتجات الفخارية  كالأباريق بأحجام مختلفة لتخزين وتبريد الماء، أو السمنة أو الزبدة أو بعض الأطعمة. بالإضافة إلى صناعة تنانير الخبز التي كانت تقوم بها النساء سواء في القرى أو في ضواحي البلدات والمن.

نشر هذا التقرير في العدد /76/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/3/2018

 

التعليقات مغلقة.