المسابح ” هواية الملوك”.. وجاهة اجتماعيّة أم خشوع إلهي..!

152

خاص _ Buyer

– المسابح أنواع منها الألماني والكهرمان والعاج والمرجان والزمرد والفيروز والكوك. والكهرمان فيه نوع من الدواء والعلاج.

– بيعت إحدى المسابح في أحد المعارض بمبلغ 20 ألف دولار, وكانت من نوع الكهرمان.

مشهد جميل حين ينتهي المسلم من صلاته، ويلتقط مسبحته، ويذكر أسماء الله الحسنى، وينطلق في الحمد والاستغفار، على حباتها، فهي جزء لا يتجزأ من الخلوة التي تشهد الصلاة والنوافل يومياً، وتعكس كل الخشوع لله سبحانه وتعالى.

 بينما يلجأ البعض إلى هواية جمع المسابح والمباهاة بالعدد الذي يقتنونه بألوانه المتعدّدة وأنواع حجارته الثمينة. في حين يتفنن بعض الرجال ويعمدون إلى سرقة مسابح أصدقائهم بطرق محبّبة عملاً بالمثل الشعبي “سرقة المسبحة حلال”.

وقد اشتهرت بعض الدول بصناعة المسابح، مثل تركيا، الأردن ومصر، والآن أصبحت في لبنان معامل خاصة لإنتاج المسابح الثمينة. حكايات عديدة تروى عن المسابح وكيفية صناعتها والأحجار المستخدمة فيها، وكيفية صناعتها يدوياً وأيها الأغلى ثمناً والأعلى قيمة.

عبدالغني طه وهو تاجر مسابح من مدين قامشلو يعمل في المهنة منذ 30 سنة وزار بسبب المهنة والتجارة الكثير من الدول مثل السعودية وتركيا مصر والعراق ولبنان. وخبير في هذه المهنة بحكم الممارسة.

 وعن حكاية تعلّقه بهذه المهنة يقول:” حينما كنت في العاشرة من عمري كنت أقوم بتشذيب وثقب لب الزيتون عن طريق السكين وجعله في عقد لتصبح أشبه بمسبحة. وحين بلغت الثامنة عشرة صرت أسافر إلى حلب ودمشق لشراء المسابح بالجملة وبيعها هنا بالمفرق”.

أنواع المسابح ومسمياتها المتداولة:

والمسابح أنواع منها الألماني والكهرمان والعاج والمرجان والزمرد والفيروز والكوك. أما المسبحة الألمانية فهي حسبما يروي طه ذو أسماء عدّة؛ ففي تركيا تسمّى (سِقمه) وفي لبنان ومصر(كوربا). هذا النوع من المسابح مفقود الآن ولا أحد يستطيع أن يصنع مثلها، كان لها معمل وحيد دمّره الروس أثناء الحرب العالمية الثانية بمن فيه. وهكذا أصبحت هذه المسبحة ذات قيمة. وهي في الأصل كانت عبارة عن عقد، عدّلها المصريون فيما بعد وصنعوا منها مسابح.

مسابح «الكهرم» يرجع أصلها إلى أشجار الصنوبر العملاقة، التي تفرز مادة الكهرمان الصمغية منذ عصور قديمة على سواحل بحر البلطيق والبحر الأسود، والدول المطلة على شواطئها بارعة أيضاً في صناعة المسابح الكهرمانية.

ويضيف طه: ” هناك نوع آخر من الكهرمان ينتج في جمهورية مولدافيا وتسمّى “بلغم الحوت”، ويقول الخبراء أن الحوت ينتجه أثناء موته. أما الفيروز نوع من الحجر, في حين يحصل على المرجان من البحر، أما الكوك فهو نوع من الجوز تنتجه شجرة النارجين ونراها كثيرا في الهند وكولومبيا، وتحوي داخلها مادّة مخدّرة”.

مدلولات اقتناء المسبحة:

وقد اعتبرت المسابح في زمن ما من قطع الجواهر التي لا يقدر عليها إلا المقتدرون ماديا، ولذا أطلق عليها البعض (هواية الملوك). يقول طه:”  كانت هواية اقتناء المسابح مقتصرة على الآغاوات والسلاطين والأمراء، بسبب غلاء ثمنها حينها, ولازال الأغنياء يقتنون هذا النوع من المسابح, وقد بيعت إحدى المسابح في أحد المعارض بمبلغ 20 ألف دولار, وكانت من نوع الكهرمان”

وعن وضع المهنة حاليا يقول:” خراطة المسابح منتشرة كثيراً في تركيا, وكانت منتشرة سابقا أيضا في حلب وكانت ذات شهرة في التصنيع، ولكن الآن وبسبب ظروف الحرب هاجر معظم التجار. لذا نعمد حاليا إلى شراء المسابح القديمة كالسندلوس والمسكي والألماني من أيدي التجار، نقوم بصناعتها هنا أيضاً, لكن بإنتاج ضئيل جداً لا يتجاوز المسبحة الواحدة في اليوم. أما سبب غلاء المسابح  – التي هي غالية في الأساس – هذه الأيام أيضاً فيعود إلى إغلاق الحدود والحصار وهجرة الصنّاع والمهرة”.

كانت المسابح ولا تزال رمزاً للإيحاء والإلهام، فكان أمير الشعراء أحمد شوقي يتمسك بمسبحة أبنوسية سوداء مطعمة بالفضة الخالصة مكتوب عليها أسماء الله الحسنى، يضعها في راحة يده اليمنى، ويضمها بأصابعه، فيكون في قمة الإلهام والعطاء الفكري في الشعر.

وفي هذا الصدد يقول لقمان محمد من قرية كرديوان وهو هاوي ومقتن مسابح:” اقتناء المسابح من عادات الكرد القديمة, وهي تاريخية, حتى أن مغنّونا الشعبيين كانت المسبحة لا تفارق أياديهم حين الغناء, بل كانت أصابعهم تلهو بها وحينها كانوا يبدعون في الوصف والكلمات”.

وعن إهداء المسبحة المهداة يقول محمد:” نشتري المسبحة أحيانا بمبالغ باهظة لنتركها في سهرة ما بعد الرواح، أو حين يثني أحد الأصدقاء على جمالها وقِدمها، حينها يجب عليك أن تهديها إياه, وهذه إحدى عاداتنا أيضاً. من المعروف أن الهدية لا تهدى، لكن يجوز ذلك في حالة واحدة وهي إهداء المسبحة أو الساعة المهداة من قبل شخص آخر”..

” بعض المدمنين على تجارة المسابح لا يستطيعون الاستقرار على نوع واحد إنما هم في تجارة دائمة مع هذه الأنواع، بعض الناس تشتري المسابح كهدايا” يختتم هاوي المسابح لقمان محمد حديثه.

ويوضح أحمد أبو عصام الذي يعمل في هذه المهنة منذ خمسين سنة.. كيف أنه كان يتعامل مع بيع الساعات في البداية, لكن أصبح فيما بعد يعمل في تجارة المسابح لأنها تدرّ أرباحاً أكثر. وقد كانوا يمارسون هذه  المهنة في الشارع سابقا, ومع مرور الوقت وإقبال الناس, كثر المتعاملين مع هذه المهنة.

وعن تاريخ هذه المهنة يقول:” مسابح الكوك قديمة جداً, فقبل مائة سنة كان الحجاج يشترونها بستة ليرات سورية، لكنها مع الأسف يتراوح سعرها الآن حوالي الخمسين ألفاً. كذلك هناك نوع يسمّى (اليسر) وهي منقّشة, وقد كثرت أنواعها. لكن الكوك أفضل منها”.

وعن موطن كل نوع يوضح:” أغلى الأنواع هي الألماني يليه الكهرمان, وفيه نوع من الدواء والعلاج. نوع البوليستر والنايلون يتم تصنيعه في حلب و(اليسر) في القاهرة و(السندلوس) في بغداد. بعضهم يحب نوع العاج وهو من سن الفيل يتم استيراده من افريقيا والعمل على تنقيشه وزخرفته”.

أخيراً فأن المسبحة والإنسان وجهان لعملة واحدة، بُعد إنساني فيما بينهما، خشوعها وجمالياتها يتبلوران في حياتها، هكذا أكد الكاتب الألماني ـ وهو طبيب أيضا ـ دكتور شترومان من جامعة بون، بأن المسبحة والإنسان بينهما تشابه جمالي وخشوع، فدفء اليد يجعل حبات العنبر للمسبحة تفرز عبقا رائعا تحتفظ به اليد إلى حين.

 

نشر هذا التقرير في العدد /76/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/3/2018

 

التعليقات مغلقة.