البحث عن الهوية في المسرح الكردي مسرحية (موت الحجل) للكاتب الكردي أحمد إسماعيل إسماعيل نموذجاً

43

 

 

 

يحمل الإنسان الكردي في داخله هاجس الهوية والانتماء؛ نظراً للظروف التي مر بها المجتمع الكردي، وشكل معها هذا الهاجس حالة اغترابية حاول مواجهتها وفق حجم طاقات العادية والروحية، أفضت به إلى التمرد والعصيان، مثلما أفضت به إلى الاستسلام والانكفاء على الذات والعزلة.

وقد حاول الكثير من الكتّاب الخوض في أسباب هذه الحالة، ودراستها كظاهرة متفردة تبعث على اهتمامهم بها، ورغبتهم في كشف خفاياها، وآخرون جسدوها مسرحياً؛ لأن المسرح أقدر على نقل الحالات الإنسانية العميقة إلى الآخرين بطريقة مباشرة، وعلى تماس معهم وجهاً لوحه، وما محاولة الكاتب الكردي المسرحي (أحمد إسماعيل إسماعيل) إلا تعبيراً عن رغبة دفينة عاشت معه، ودفعته إلى البحث عن هويته الكردية الضائعة من خلال نصه المسرحيّ (موت الحجل)، فعمليات الاضطهاد التي تعرض لها الشعب الكردي استهدفت جذور الانتماء لديه، لتضييع معالمه، ودفن مقوماته، من خلال خلق ظروف التجهيل والجهالة عنده، ودفعه إلى طرق مسدودة مظلمة، وتناولته بالضياع والتضليل، وتشتيت ذهنيته بهدف خلق نزوع معادٍ ومتناقض بين المنتمي والانتماء نفسه، ليفقد بذلك جوهره الحقيقي.

ومن أجل بثّ روح الانتماء لدى الشعب الكردي، بحث الكاتب في ثنايا تراث هذا الشعب وتاريخه، لينطلق منهما إلى الواقع الذي جسده برؤية عميقة تقارب الأحداث الهامة والمفصلية التي تشغل حياته، وتدفع به إلى البحث عن هويته بسبب الممارسات العدوانية والظالمة التي ارتكبت في حقه، فتقسيم كردستان بين أربع دول، وفرض لغة وسياسة كل واحدة منها عليه، خلق المشكلة الأولى لديه، وهي مشكلة الحدود، التي تمت من خلالها محاولة التخلص منها لإيجاد الروح الضائعة بين شطرين يمعنان في استلاب الذات الكردية، والإساءة إليها، فتتقدم المسرحية التي تحمل عنوان (موت الحجل)، وتنقل مأساة الشعب الواحد الذي تفصله الحدود والأسلاك الشائكة، وحقول الألغام، وأبراج الحراسة.

وتنقل المسرحية بفصولها الثلاثة مأساة الكرد التي يختزلها الكاتب في ثلاثة أجيال لعائلة واحدة، ومنذ اللحظة الأولى التي تخرج فيها المجموعة ينقل الكاتب هاجسه وسؤاله الدائم إلى الجمهور الذي هو الشعب الكردي نفسه، طالبا منه البحث عن ذاته الضائعة، بسؤال تطرحه المجموعة عليهم: ((من أنت؟ من هناك؟ من أنتم؟ صمتاً! نحن نعرف من أنتم، لكن السؤال هو: هل تعرفون من أنتم؟)).

تقف الجدة عيشي حائرة على مصير حفيدها هجار في اللوحة الأولى، وخائفة من القبض عليه من قبل الدولة لنشاطه السياسي، وفي اللوحة الثانية نجد هجار في المقبرة، عند قبر جدته، وفي حالة يبدو بها أشبه إلى الجنون، أما اللوحة الثالثة، وفيها تبدأ المأساة للزوج حمو وهو يحاول المرور مع زوجته روشن الحامل الحدود، لكن الحرس يطلقون النار عليهما، تتضرج الجثتان بالدماء، ويسمع صراخ طفل يملأ ذلك الظلام الموحش.

ولإدراك الكاتب مدى تأثير الكلمة والمسرح في شعبه، يدعوهم إلى التسلح بالوعي، عبر تبصيره بواقعه، داعياً إياه إلى تجاوز هذا الواقع، ليعي وجوده وذاته، ويتخلص من كافة الظروف التي تمنعه من عيشه حريته بالشكل الأمثل.

نشرت هذه المادة في العدد /76/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/3/2018

 

التعليقات مغلقة.