عفرين و تعرية اللصوص

50

 

إدريس حسو 

في أيار أو حزيران من العام الأول – حسب ما أتذكر- حين  قيل وقتها أنّها ثورةٌ، كنت مع مجموعة من الشباب زملاء الدراسة في مدينة عامودا الكُردية، والحديث كان ساخنا بين التنسيقيات ذات التوجهات المختلفة، لكن الحماس و الاندفاع و الأمل بالسقوط السريع للنظام هو الجامع بين الفرقاء على تلك الطاولة في حديقة و نادي سيران.

صراحةً، لم أكن متحمِّسا للعمل مع التنسيقيات و لم اشترك في أيٍّ منها؛ عندما طلب مني أحدهم العمل معهم كممرضٍ ميدانيّ للثوار على الحدود العراقيّة, ذلك الشخص كان عربيّا و بعثيّا و مصنِّفا “صدام حسين” بالشهيد البطل و صقر العرب، فجوابي له كان كالتالي: “أنا ممرض و ألبس الأبيض و لو وقع بشار الأسد ذاته بين يدي جريحا فمن واجبي أن أضمد جراحه، وليتكفل المحاكم و رجال القانون بعقابه فيما بعد”.

أمّا مداخلتي مع مجموعة هؤلاء الشباب؛ كنّا مجتمعين في نادي سيران -على طاولة عامرة بطعام- كانت كالتالي: بالنسبة لي أي قوى أو مجموعة أو أحزاب تدّعي الثورة و لا تقدم برنامج مغاير لبرنامج البعثيين و لا تعترف بحقوق الكُرد كاملة، وحقوق الأفراد و المجموعات الاثنية و حرية العقيدة و لا تبتعد عن الخطاب الديني المتطرِّف و الشحن الطائفي. هم ليسوا ثوار وهذه ليست ثورة.

الآراء كانت متفاوتة بين أولوية إسقاط النظام أو الإقرار بالحقوق قبل الإسقاط أو نحمل السلاح أو نبقى في إطار التظاهر السلمي أو.. الخ.

و لم تعجبني الهتافات والشعارات التي كانوا يهتفونها في المظاهرات – كان ذلك اليوم الوحيد الذي شاركت فيها- مثل “اللي ما يشارك بيناموس”، “حلب عوووو” و “واحد واحد واحد الشّعب السوري واحد”، كم كنت أكره هذا الشعار الذي كان أكثر ترديدا والذي يحمل في طياته كمية من الكذب على الناس، ولا يختلف عن التّاريخ المزيف الذي لقّنوننا إيّاه في مقارعة الوطنيين للاستعمار الفرنسي و قبلها مقارعة العثمانيين.

مناسبة هذا الحديث هي ما تمّ تداوله مؤخرا للعديد من مقاطع الفيديو التي تظهر مدى و حشية مجرمي ما يُسمى بالجيش الحر أو الوطني الذي يقاد كعصابة من قِبل تركيا؛ الدولة المؤسِّسة على الإرهاب ضدّ شعوب المنطقة بدءا من الأرمن، الكُرد، السريان و انتهاءً بالعرب و اليونانيين.

أظهر مقطع فيديو مجموعة رجال و هم ينتقمون من جسد المقاتلة الشهيدة “بارين كوباني” و يمثلون به، حيث يقطعون اثدائها ثم يصورونها و هي شبه عارية تماماً بطريقة فظيعة الحيوانات المفترسة لا تفعل فعلهم, فمن خلال الفيديو يعرفون بأنّهم هم من أيّ فصيلٍ و أي جهة مقاتلة, ثم يأتي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ببيانٍ ينكر فيه ما تم و يطالب بتحقيق؟!

أيضاً، فيديو آخر تظهر مجموعة من ثوار السلطان التركي –عفوا- مرتزقته، و هم يجرون شابا كُرديّاً مربوطا بسيارة، و يمطرونه بجميع أنواع المسبات و يعرفون هم من أية كتيبة.

ثم في فيديو آخر، هم ينهالون ضربا على جثة مقاتل من الوحدات الكرديّة المدافعة عن المدينة، و يكيلون في كل الفيديوهات بسيل من التهديدات و المسبات للشعب الكردي.

حتى الدجاج و الطيور الداجنة الأخرى تم سرقتها و تم توثيق السرقة بكاميرات السارقين أنفسهم، كأنّنا في زمن غزوات صدر الإسلام ضد المشركين، و لكن مع وجود كاميرات توثّق كل ما يقوم به حتى لا يكون هناك مجال للكذب و إخفاء قذارة غزواتهم، و نقل هذه الغزوات الإجرامية بطرق جميلة إلى الأجيال القادمة.

للانصاف فقط, يجب القول: إنّها ليست المرة الأولى التي يرتكب فيها الفصائل المتقاتلة كهذه الأفعال التى تندى لها الجبين، و ينشرونها وهم مفتخرون بأعمالهم الوحشيّة بواسطة مقاطع فيديو، فقد شاهدنا اخراج القلوب من الصدور و دحرجة الرؤوس على نصل السكاكين. للإنصاف –أيضا- لم يرتكب مقاتل كردي أو مقاتلة كردية حتى الآن و هو يمثل بجثث القتلى رغم أنّ كل معارك؛ القوات الكردية و الفصائل المتحالفة معها من العرب و السريان او القسم الاعظم من تلك المعارك كانت ضد جماعات مصنَّفة على لوائح الإرهاب مثل تنظيم داعش و جبهة النصرة.

وما يجري في عفرين من عدوان صارخ و محاولة تركيا عن طريق ازلامها و مأجوريها هي حرب إبادة ضد الكُرد هناك. كشفت المثورجين على حقيقتهم كما أسقطت عنهم ما كان يستر عورتهم و كشفت زيف الشعارات المنادية بوحدة الشعب السوري, فلا الشعب السوري كان واحدا و لا سوريّا كانت دولة كما يتصورها الأطراف العربية عموما سواءً أكانت  الموالية أو المعارضة، إلّا من خلال سلطة ديكتاتورية تحكم بالحديد والنَّار و تفرض نفسها بقوة السلاح و الزعران و الثورجية.

مؤخراً، دخول ميليشيات تابعة للجيش السوري و بالشكل و الصورة و التبرير الذي رافق دخولها سواءً من قبل مسؤولي الادارة الذاتية أو من قبل حكومة و نظام الأسد كما نُشر في وسائل الاعلام، إنّما هو دليل آخر على سقوط أخلاقي قبل سقوط المفاهيم و الشعارات و الأهداف التي كان السوريون يهتفونها و يحلمون بها و يرددونها بملئ حناجرهم.

 

نشر هذا المقال في العدد /75/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/3/2018

التعليقات مغلقة.