“خطّو” ذاكرة حيّ “الناصرة” التي لا تخون..! 

249

خاص_ Buyer

تشكل محافظة الحسكة لوحة من الفسيفساء المنوعة من الانتماءات العرقية والدينية، ويعيش فيها خليط من( الكرد, العرب ,الآشور,  السريان, الكلدان, الأرمن, اليزيديين). تتضمن العديد من الأحياء (الصالحية, العزيزية, غويران, النشوة الغربية, النشوة الشرقية, الناصرة), ولكل منها معالم خاصّة تميزها عن الأخرى.

وتعد “ساحة ومقهى خطّو” أهم معلميْن في حيّ الناصرة, وهنا يتبادر إلى الذهن أسباب تسمية الساحة والمقهى بذات الاسم, ومن هو خطّو؟.

“خطّو” رجل ترك بصمة جميلة  في ذاكرة أهالي حيّ الناصرة, لما قدمه من خدمات على مدى عقود من الزمن، وكان قد نزح مع عائلته من تركيا في عشرينات القرن المنصرم, مذ كان طفلا رضيعاً.

يقول أحمد خطو شيخو وهو أحد أبناء ه: ” كان والدي رجلا  مسالماً متفانياً في عمله، أتذكّر قدومنا من قرية شوري شرقي ” شوري سعدون حج حسين” التابعة لمنطقة الدرباسيّة,  كيف كان يخرج والدي بدوابه أشهراً بحثا عن المراعي. وبعد أن توفي الشقيق الوحيد لوالدي بقي وحيداً في القرية، فباع ماشيته, واستقر في هذا الحيّ”.

وكانت ملكيّة أغلب العقار في  الحيّ  الذي استقر فيه (خطو) تعود للمدعو سركيس وهو آشوري الأصل قدم من العراق؛ وكان على علاقة وثيقة بالسيد خطو, في مجال بيع  العقارات “.

مقهى خطو وجهة قاصدي مدينة الحسكة:

كان مقهى خطو لزمن ليس ببعيد وجهة الكثير من الشخصيات السياسية والثقافية وآغاوات الكيكان وكل من كان يقصد المدينة حين ذاك, ليتحول إلى نقطة علام في المنطقة التي كانت بأغلبها أرض زراعية وقليلة البناء ما جعل الكثير يصفها بـ (قرية خطو).

يتابع أحمد حديثه لـصحيفة “Bûyer”: ” أذكر أن هذه المحال المقابلة للمقهى اليوم كانت عبارة عن  كروم عنب. وفي حقبة مضت كان المقهى دليلا وعنوانا ومَعْلَماً، وأصبح معظم الأهالي يذيّلون عناوينهم باسم ساحة ومقهى خطو, وكان وجهة رجل الشرطة السائل عن طالب الخدمة الالزامية, وساعي البريد الذي يرغب بإيصال رسائل إلى سكان الحي.

ترميم المقهى عام 1970:

قام السيد خطو بإعادة بناء المقهى  عام 1970 مستبدلا اللبن الطيني بالحجر الاسفلتي وفي عام 1980،  ومع زحف الحداثة العمرانية, أزال بناء المقهى وأقام مكانها محالاً تجارية، ليغادر خطو الحياة 1984, مخلفاً وراءه طيب الحديث عن عمله و معاملته الحسنة للجوار ولكل من كان يقصد مقهاه سواءً للسؤال أو قضاء وقت ممتع.

شهادة سكان الحي:

وترددت الأقاويل حول تسلم السيد خطو المخترة,  لكن ابنه أحمد نفى ذلك مؤكداً أن ما منع والده من ذلك الخلافات التي كانت تحصل والتي كانت بحسب قوله رفض المكوّن المسيحي الذي كان ذا سلطة ودعم والمكوّن العربي أيضاً,  لتسلمّه المخترة, كونه لم يكن حزبياً، طبعا كان للسياسة دور في ذلك, لكن أهالي الحي والمنطقة كانوا يلقبونه بالمختار”.

حين وفد إلى المنطقة ظل فترة طويلة بين عشيرة “الآزيزان” وهي إحدى عشائر المنطقة, وكان رجلا متعلّماً، درس حتى الصف الرابع, كان يتقن الكتابة والقراءة,

يقول الباحث والشاعر محمود صبري:” كان خـطّـو شابّاً حاذقا وذكّياً، وطنياً غيوراً, واسمه الحقيقي خطيب, من أوائل من بنوا الحيّ، وهو (سوركيّ)النسب ومن مواقفه أنه أخبر عائلتي حين كنت أنا ملاحقاً أنه في خدمتهم, ويستطيعون الاعتماد عليه إن احتاجوا إلى أي شيء”.

 

وتابع :” كانت محبّته لي شخصيّة, فقد كنت الوحيد المتعلم على مستوى سبع قرى, حين كنت أدرس الفقه، وكنت من المتميزين بين أبناء جيلي, وأحبني “خـطّـو” لأنني كنت محباً للعلم, وبعد أنهائي دراسة الفقه توجّهت إلى دراسة وقراءة القرآن, وهو بطبيعته كان محباً للعلم لذا كنت انال منه قسطاً كبيراً من الاهتمام والحب” .

وحظي خطّو بمحبة المخاتير, لأنه كان يجيد القراءة والكتابة عكس الأميين حينها, فنشأت بينه وبينهم صداقة قويّة, وبسبب العلاقة القوية والحميمية بينه وبين عائلة الحاج حسين( من أقدم العائلات القاطنة للحي) وعشيرة “الآزيزان” تعرّف على وجهاء البلدة.

وأكد صبري أن الحاج حسين وَفَدَ عن طريق خطّو إلى الحي واشترى ثلاثة دونمات, وكان صاحب الحي “القوجان” يفرح ببيع الاراضي للكرد, وتحوّلت الحارة  بفضل “خـطّـو”  والحاج حسين وسركيس – صاحب الأرض – إلى حارة كرديّة.

وبقيت الحي ذات صبغة كردية بحتة حتى وقت قريب جداً، حين استجلب البعث عشيرة “البو معيش” في السبعينات, ومنحهم الأراضي مجاناً, ليزيل عنها الطابع الكردي، كما قام البعث بترحيل حوالي ثمانمائة عائلة من حي “كبابة” الكرديّ, ومنحهم أراضٍ جنوب نهر الخابو، وجعل أراضيهم قسائما, بِيعت للعرب, ومن ثم كان المواطن العربي يقوم ببيع تلك القسائم للكرد”.

قبيل ما يقرب العشرين عاماً, زار محافظ الحسكة صبحي حرب في شهر تموز الساحة لدراسة امكانية تنظيم الدوّار في الساحة, ولم يخرج أحد من الأهالي لاستقباله حينها, فعاد أدراجه قائلاً: يبدو أنهم لا يستحقون ما نعمل عليه لأجلهم”,

يقول عبدالحميد وهو مدرّس رياضيات متقاعد ومن أهالي الحيّ.

وأضاف: ” عندما أتينا كانت هذه المنطقة عبارة عن قرية، كانت هناك بضعة بيوت متناثرة هنا وهناك, لم تكن الطرق معبّدة, وكان السوق يبدو من هذه النقطة, كنا نراه, فلم تكن تحجب الرؤية عنا أية مبان أو غير ذلك, ولم يكن حيّ تل حجر قد بني بعد”.

تابع:” العوائل التي سكنت هذه الحارة في البداية كانت عائلتنا, وعائلة محمد حليمو, وجميل جولي, وعائلة المرحوم ” خـطّو”, حيث كان يملك مقهى هناك في تلك الزاوية, كان الحيّ عبارة عن قرية تسمّى “الناصرة”, وكان السيّد “خـطّـو” بمثابة مختار لها، واسم الناصرة جاء – حسب معرفتي – من اسم ناصر وهو شخص من المكوّن العربي كان يملك عقاراً كبيرا من الأراضي في الحيّ, إلى جانب شخص مسيحيّ كان اسمه كرمو جرتو” .

 

 

وأختتم حديثه:” الساحة معروفة باسم ساحة ” خطّو”, وهي مشتقة من مقهى شعبي, كان قد بناه “خـطّـو” هنا, الساحة غير مخدّمة بشكل جيد, رغم أننا أعلمنا رفاقنا في الإدارة الذّاتية بضرورة العمل على تطويرها”.

وتبقى ساحة خطّو عنواناً لكل رسالة, تجمّع, مسيرة، وتشييع، ويبقى موقع مقهاها الذي أزيل قبل عقدين ونصف من الزمن في ذاكرة رجالات مرّوا بها, شربوا من شايها وقهوتها, وتسامروا على ضوء مصابيحها الخافتة..

 

نشر هذا التقرير في العدد /73/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/2/2018

التعليقات مغلقة.