لسع الثلج *

56

وحشة.. زاوية يكتبها طه خليل

” كلنا نتحدث إلى الظلال، ما تراهم واقفين أمامك هم ظلال أناس آخرين، هم ليسوا كما تراهم، تعود يا بني أن تنظر لما هو خلف الظلال، أنت كنت تحارب من هنا.؟” سأل الشبح.

” طبعا كنت أحارب الجيش التركي.؟”. أجاب يارو

” لا، كنت تحارب ظلال العثمانيين، هؤلاء الذين غدروا بالخلافة، واستباحوا الأرض للفرنجة، هم من أوصل القائد العسكري الفرنسي غورو إلى دمشق ليقف على قبري ويقول لي منتشيا: ها قد عدنا يا صلاح الدين.!”

وصعق يارو حين عرف من هو الجد، لكنه تماسك واوحى للجد انه كان يعرفه منذ شهور، وسأله على الفور: ” لكنك انت يا جدي من سمح لبعض المقاتلين الاتراك ان يشاركوك في حروبك.. اليس كذلك.؟”

” تلك كانت مواثيق الديانة يا بني، وعهود الدولة، فهؤلاء قد مرت بهم دهور وهم أسيرو الظلمة، و سبق نهيق الزندقة صهيل الايمان في قلوبهم، وتطبعوا بالبطلان، والسرقات، فكانوا مهجورين ، مرفوضين، عند ملتنا، فحاولت ان أصنع لهم  ما لكل الناس، وكنت أعرف انهم من بين خلائق الأرض  يتربصون بالدولة، لكني رحلت سريعا، وظل هؤلاء.”

” أذا أنت كنت السبب في وجودهم الطارئ هذا .؟” سأل يارو وبلغة اتهامية واضحة.

فأجاب صلاح الدين وهو يبتسم، ويربت على كتف يارو بود:” لست أنا السبب, بل كانت المواثيق وقتها غير مواثيق اليوم يا بني, وكانت العهود غير عهود اليوم، اني أسمع شجارات أحفادي كل يوم، وأسمع شتائمهم لي كلما أوو الى بعضهم بعضا، انتم تعاتبونني لأني لم أبن لكم الدولة.! لقد بنيت لكم الدولة الأكبر على الأرض الأكثر اتساعا، ألستم أصحاب فكر ومناهج اليوم.؟ كنت كذلك صاحب نهج وفكر أشمل وأكثر سعة، لكن الذين جاؤوا من بعدي غدروا بالفكرة، وأطاحوا باليقين، هذه من نواميس الكون، الآباء يرصفون حجارة البناء، ويؤسسون الدعائم فيتلهى الأبناء بزخرف الدنيا حتى ينخر المتربصون بأسس البناء، فيهدونه ليعمروا عليه ما يريدون هم، وكانت ظلال السلجوقيين لكم بالمرصاد .!”

” وأنا..؟ أنا ظل من يا جدي.؟”

” أنت ظل سيفي على الأرض، كلكم ظلال سيفي “. ورفع صلاح الدين سيفه عاليا فارتسم على الأرض ظلا مقوسا، ثم أكمل: ” قبل أن أرحل من دنياكم، وفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة، أرسلت في طلب ولدي علي، وأخي الملك العادل أبي بكر، وسألتهما المشورة، بعد أن انتهيت من أمر الفرنجة، ماذا عساي أن أفعل.؟ فأشار إلي أخي أبو بكر، أن أقصد خلاط، وأشار علي ولدي علي أن أقصد بلد الروم التي بيد أولاد قلج أرسلان، لفتحها، لكن المرض لم يمهلني يا يارو، واختطفتني يد الموت، وبقي أولاد أرسلان ، يعيثون فسادا، إلى يومكم هذا، وهاأنتم ظلالي، ستقومون بما لم يتسن لي، وان اختلفت المقاصد وتبدلت الغايات في أيامكم هذه، هل تمعنت في التاريخ يا صغيري.؟ هل عرفت ما حدث يومها.؟” توقف الجد قليلا ليزفر بخارا من صدره، ثم أكمل:

“كانت بلاد الشام مسرحا للمنازعات بين السلاجقة والفاطميين مما أدى إلى تفكك المسلمين، وسهل وصول الصليبيين فاحتلوا أطرافها سنة أربعمائة وتسعون، وبعد ذلك بسنتين احتلوا بيت المقدس، وكان يوم جمعة، وقتلوا من المسلمين الآلاف، وفر الناس هائمين على وجوههم متجهين إلى العراق، مستغيثين بالسلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه، على الفرنجة، ودعوه إلى الجهاد لكنه لم يلتفت إليهم و بقي متحفزا لقتال الفاطميين الشيعة. وهاهم الآن يتحدون مع أعداء الأمس من شيعة الفرس لابادتكم يا بني.! . فانا لله وانا إليه لراجعون.”.

وتلك وحشة الجد.. يرميها على عفرين اليوم.. عفرين التي ستثأر للجد وحفيده.

*رواية ستصدر قريبا.

نشرت هذه المادة في العدد “73” من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/2/2018

التعليقات مغلقة.