عفرين “لينينغراد” السورية

53

وأنا أبدأ بالكتابة لا أدري إن كنت سأتمكن من الإفراغ من الكتابة أم لا؟ لكوني أسمع هدير الطائرات الحربية التركية تحوم فوق رأسي الآن. 

وأنا أكتب، صورة ذاك الطفل الذي شطرت الطائرات التركية رأسه إلى نصفين لا تفارق مخيلتي.

وما لا يمكن لأذني أن تفقده هو صوت تلك الأم التي تبكي ابنتها… ابنتها التي وضعت ثيابها المدرسية بجانب فراشها لتنهض غداً مسرعة إلى مدرستها، لكنها لم تقم ولم تشاهد الغد، فكل ما شاهدته كانت تلك القذائف اللعينة.

تقترب العملية التركية ضد منطقة عفرين في الشمال السوري اليوم من إتمام الأسبوعين، ويدنو عدد المدنيين الضحايا من إتمام المئتين ما بين الشهيد والجريح، والمحزن في الأمر بأن أغلب الضحايا هم أطفال لم يفرّقوا بعد بين أصوات الألعاب النارية وأصوات القذائف التركية، وحتى إن معظمهم من مناطق سورية أخرى نزحوا إلى عفرين الآمنة، لكن المصير الأسود طاردهم إلى هنا أيضاً.

الجيش التركي يبدو أنه عازم على مواصلة هذه العملية التي يهدف منها إلى القضاء على وحدات حماية الشعب التي تسيطر على المدينة، وذلك بالرغم من صعوبة هذه العملية والخسائر التي تكبدها ضمن ما مضى من الأيام، لذلك يستمر بدجّ جنوده والفصائل المدعومة منه إلى ساحات المعارك، هنا في عفرين التي كان يقول إنه سيتمكن من السيطرة عليها خلال فترة وجيزة لكن – وكما هو معروف – سهولة الكلام ليست كـسهولة الواقع.

الصعوبة التي لاقاها الجيش التركي في عمليته هنا دفعته إلى قصف عشوائي على مناطق متعددة منها مناطق أثرية كـ “تلة عين دارة ” التي تبلغ من العمر نحو 3000 عام، وكذلك مدرج “النبي هوري” والتي تقول المصادر المطلعة إن عمرها يبلغ الـ2000 عام تقريباً، ناهيك بالقصف الذي استهدف السد الوحيد في المنطقة وهو سيد “ميدانكي”، ولا يزال خطر الانهيار متمسكاً به، وإن حدث ذلك فإن مئات الآلاف من القاطنين في عفرين والمنطقة المحيطة سيودعون الحياة غرقاً.

في الطرف الآخر وحدات الحماية، وهي إحدى فصائل قوات سوريا الديموقراطية التي تمكنت من تحرير مدينة الرقة (عاصمة الخلافة المزعومة) في وقت سابق، تقول إنها ستدافع عن المدينة حتى الرمق الأخير مستشهدين بمقاومة “كوباني” التي أبداها مقاتلوها ضد تنظيم “داعش” الإرهابي قبل 4 أعوامٍ خلت، يوم كان التنظيم المتطرف في أوج قوته لذلك عنونوا مقاومتهم باسم “مقاومة العصر”.

أهالي عفرين هم أيضاً عازمون على حماية مدينتهم من الجيش الذي يصفونه بالمحتل، لذلك يقفون إلى جانب وحدات الحماية التي تتألف من أبنائهم في النهاية، لذلك لن تحتاج للكثير من الوقت لترى عشرات الحواجز التي يقف عليها الأهالي هنا في المدينة أو نواحيها مشبهين مقاومتهم بالمقاومة الفيتنامية أو مقاومة “لينينغراد” التي أبدوها ضد الغزاة.

عن ” النـهار”

 

التعليقات مغلقة.