صدى انفجار قنبلة الشرق الاوسط الجديد؟

38

* نايف جبيرو

منذ بدايات القرن الواحد والعشرين ومع سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003م ودخول الجيش الأمريكي اراض العراق كثر الحديث في الوسط الاعلامي والسياسي حول مصطلحات  جديدة تمس شأن الشرق الأوسط ومستقبلها من قبيل – الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد, ومع بداية ما سمي بالربيع العربي عام 2011م ازدادت وتيرة هذه المصطلحات وحدة نبرتها خاصة بعد تحول ذاك الربيع إلى خريف مأساوي ونزاعات مسلحة دامية بظهور جماعات اسلامية ارهابية متطرفة كجبهة النصرة وداعش وغيرها, في العراق وسوريا واحتلالها لمدن كبيرة كالرقة والموصل, ومساحات واسعة من الأراضي وإزالة الحدود القائمة فيما الدولتين وإعلانها دولة الخلافة الاسلامية, كما وكثر الحديث مع دخول قوات دولية كلاً من العراق وسوريا ضمن اطار التحالف الدولي ضد داعش عن رسم خرائط جديدة للمنطقة ونشرها عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والقول بانتهاء زمن اتفاقية سايكس بيكو والخطوط التي كانت قد رسمت فيما بين الامم والشعوب في الشرق الاوسط.

 وهنا يطرح السؤال نفسه: ما هي الحقيقة.؟ وهل هناك حقاً مسعى جدي من قبل القوى العظمى في العالم لمشاريع من هذا النوع الذي شغل بال الكثيرين منذ سنوات.؟   

الحقيقة وكما يقال: أنّ وراء الأكمة ما وراءها.! ولهذا أعتقد أنه لا يجب النظر إلى حالة الصراع والنزاع الدموي  السائد في المنطقة وبخاصة في كل من سوريا والعراق والتأثّر كثيراً بما يشاع من منظور عاطفي أو كردي أو من منطلق ما تشتهيه الانفس فقط , وبالتالي التسرع في اطلاق الأحكام والمواقف المبنية على العاطفة والرغبة الكامنة أكثر من مما هي معتمدة على قراءة دقيقة معتمدة على التحليل العلمي ومنطق السياسة المتبعة لمجريات أسس الصراع ومصالح الأطراف التي تمسك بزمام إدارة النزاع وذلك من منطلق عدة معطيات أهما وبشكل مختصر:

أولاً: ثبت تاريخياً ومنذ عهد الاستعمار القديم وحتى الآن أنّ الدول الغربية لم تسعى يوماً إلى إحلال الأمن والاستقرار والعدالة في منطقة الشرق الأوسط بل أنها سعت وفي كل مرةٍ أجبر فيها على مغادرة المنطقة نتيجة ظروف دولية معينة بترك ما يشبه قنابل موقوته قابلة للانفجار في ايّ وقت تستدعي حينها بالضرورة الحضور الغربي, واتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ليس إلا مثال على ذلك, فالخطوط التي رسمت بين الشعوب والامم وحرمان بعض الشعوب من حقوقها بموجب هذه الاتفاقية لم تكن إلّا قنابل من هذا النوع.

ثانياً: لا يسعى الغرب والقوى العظمى من خلال تدخلها في الشرق الأوسط واستقدام جيوشها وأساطيلها وتقديم الأسلحة لأطراف النزاع وصرف الأموال الطائلة إلّا لتحقيق مصالحها منتهجين في ذلك البرغماتية المباشرة دون التأثر بالعواطف والحالات الانسانية وحقوق الانسان إلّا في الحدود التي تحقق تلك المصالح.

ثالثاً: تعتمد الدول الغربية والقوى العظمى في قراراتها على مراكز الدراسات الاستراتيجية وما تخططها وترسمها أجهزتها المركزية المخابراتية في جمع المعلومات اللازمة عن البلد المراد التدخل فيها وما يلزم من إجراءات عملية لتنفيذ ما هو مخطط ومرسوم, وهنا يأتي دور تأجيج الأجواء إعلامياً وسياسياً وبما يخدم تفجير تلك القنابل الموقوتة التي تركت سابقاً والتي آن أوان الاستفادة منها, ومن هنا جاءت التصريحات والمصطلحات الجديدة عن الشرق الاوسط ومستقبلها بصورة تصاعدية منذ بداية القرن الحالي إلى أن وصلت الأمور إلى نشر خرائط جغرافية عن تقسيم المنطقة إلى دول جديدة وتغيير معالم الدول القائمة مما كان من شأن ذلك بأن دفع ممن كان يشعر بالغبن في هضم حقوقه نتيجة سياسات سابقة كالأكراد مثلاً أن يتحمّس للفكرة وأن يكون مستعداً لدفع الغالي والنفيس في سبيل تحقيق ذلك, وبالمقابل كان من شأن هذا التصعيد الاعلامي الغربي فيما يتعلق بتقسيم المنطقة أن جعل من المغتصب للحق الكردي – الترك والعرب والفرس- مستنفراً ومستعداً لخوض حروب ومعارك لعشرات السنين لمنع تنفيذ ما تم الترويج له وبالنتيجة يبقى الغرب هو من يدير أزمة الصراع لسنوات عديدة محققاً مصالحه على حساب هذا الطرف وذاك وصولاً في نهاية المطاف إلى حلٍ غير عادل وقنبلة موقوتة جديدة.

رابعاً: ليس بالصدفة أنّ معظم حكام دول الشرق الأوسط ولعشرات السنين كانوا ولا زالوا دكتاتوريين في قمع شعوبهم بل كانوا ولا زالوا مرغمين تحت طائلة إزاحتهم بانقلابات عسكرية أو تقوية معارضات قبلت على نفسها أن تكون الخادم الأمين لمصالح الدول الغربية لا لمصالح شعوبها, لأن الحاكم العادل والمؤمن بالديمقراطية وبالعدل والمساواة سوف يلجأ بالتأكيد إلى توعية شعبه بكافة مكوناته وطوائفه وأعراقه وبما يمكنهم خلال سنوات قليلة من حل جميع مشاكلهم العالقة مما من شأنه ابطال مفعول القنابل الموقوتة التي وضعتها الدول الغربية في مفاصل مجتمع الشرق الاوسط وهذا مما لا يرضي الغرب والدول العظمى.

وخلاصة القول:

الغرب والدول العظمى أمريكا وروسيا وغيرها أكبر من أن تجابه بالشعارات والأمنيات, في الوقت الذي يعاني فيها مفاصل المجتمع الشرق الأوسطي بكمٍ هائل من القنابل الموقوتة كما أشرنا وجملة من الأزمات وبؤر التوتر التي بدأت في السنوات الأخيرة تنزف دماً. أمام هذا الواقع تبقى تلك المصطلحات الرائجة حول تقسيم المنطقة وتشكيل شرق اوسط جديد أمراً بعيد المنال على الأقل في المدى المنظور لكن في الوقت ذاته نحن كرد روجآفا والكرد عموماً يمكننا إذا أحسنّا التصرف أن نحقق قدراً كبيراً من مضمون ما تم ويتم الترويج له, قد لا يصل إلى مستوى إقامة كيان خاص بنا لكنه على اقل تقدير قد نحقق قدراً كبيراً من الحكم الذاتي على شكل فدرالية دون المساس بحدود الدولة السورية القائمة ولأجل هذا لا بد لنا من توفير عاملين أساسيين أولاً: أن نثبت للغرب (أمريكا) أننا قوةٌ عسكرية لا يستهان بها وبإمكاننا أن نحمي مصالحنا ومصالح حلفائنا في المنطقة وعلى المدى الطويل.

ثانياً: أن نوحّد من صفوف قوانا السياسية ونثبت لحفائنا أننا أصحاب موقف موحد وأنه لا يمكن لأعدائنا خرق صفوفنا.

ومن دون التمكن كردياً من توفر هذين العاملين لا يحق لنا أن نقول بأن أمريكا أو غيرها قد تخلت عنا لأن الغرب وعلى رأسها أمريكا لا يتحالف إلا مع الأقوياء القادرين على حماية مصالحها.

* كاتب وحقوقي كردي سوري يقيم في قامشلو.

 

نشر هذا المقال في العدد /71/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2017

    

التعليقات مغلقة.