أردوغان في اليونان.. التاريخ والمستقبل

36

خورشيد دلي

 

تحوم العلاقات التركية اليونانية على بحر من العداء التاريخي والخلافات المزمنة، فمن لحظة طرد العثمانيين البيزنطيين من اسطنبول (القسطنطينية) إلى حرب اليونانيين من أجل الاستقلال عن الدولة العثمانية، وصولا إلى الخلافات الكثيرة على المياه الإقليمية والجزر المتنازع عليها، وصولا إلى القضية القبرصية، ثمّة عداء تاريخي وخلافات مزمنة، عجزت كل المبادرات التي جرت حتى الآن في إقامة علاقات دافئة بحجم الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة. وعليه، ثمّة من يصف الزيارة التي قام بها أردوغان، الأسبوع الجاري، إلى أثينا بالتاريخية والصعبة معا.

يسجل لرئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، مبادرة الانفتاح على اليونان في إطار نظرية صفر مشكلات مع الجوار الجغرافي، ويسجل لرئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، الذي يوصف برجل الاعتدال والانفتاح واليسار، أنه قام بأول زيارة خارجية إلى تركيا في عام 2015 عقب تسلمه منصبه. ثم جاءت قضية اللاجئين، لتكون مدخلا إلى سلسلة لقاءات بين مسؤولي البلدين، أنتجت تعاونا وانفتاحا، قبل أن تأتي مشاريع الطاقة وخطوط إمداد النفط والغاز، لتفرض على البلدين التفكير بمصالح عليا مشتركة، فمن مشروع “تناب” لنقل الغاز الطبيعي والطاقة من أذربيجان إلى إيطاليا عبر تركيا واليونان، إلى مشروع “إيتي” لمد خطوط نقل الطاقة من بحر قزوين والشرق الأوسط إلى إيطاليا عبر البلدين، وصولا إلى مشروع (السيل الجنوبي) لنقل الغاز الروسي إلى إيطاليا، عبر الأراضي التركية واليونانية، تبدو علاقات البلدين أمام فرصة هائلة من المصالح الاستراتيجية المشتركة، إلى درجة أنّ بعضهم يصف هذه المشاريع بمشاريع القرن.

يأمل الأتراك واليونانيون زيارة أردوغان إلى اليونان، وهي الأولى لرئيس تركي منذ نحو 65 عاما، طي صفحة العداء التاريخي، وإبدال مقولة هؤلاء “أعداؤنا عبر التاريخ” بصفحة جديدة من المصالح المشتركة، فالخلافات المزمنة تبدو أسيرة التاريخ العدائي الطويل، والاتهامات المتبادلة التي نتجت عن هذا العداء وحجم الخلافات المزمنة. ولكن في الأفق ما يوحي بأن فتح صفحة جديدة ممكنة، فاليونان التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة إلى حد التهديد بإخراجها من عضوية الاتحاد الأوروبي قد تجد في الانفتاح على تركيا، وإقامة مشاريع اقتصادية للنقل والتجارة والسياحة ومد خطوط الطاقة، مخرجا ذهبيا لأزمتها الاقتصادية، فيما تركيا التي تتهم اليونان بدعم جماعة فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني وعرقلة حل المشكلة القبرصية قد تجد في الانفتاح عليها تخفيفا للتوتر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، واستكمالا للتقارب مع روسيا التي لها علاقة تاريخية باليونان، لكن التفاؤل الكبير بزيارة واحدة تطوي صفحة العداء التاريخي وقائمة الخلافات المعقدة والصعبة قد تكون ضربا من الخيال أو التفاؤل في الهواء، فالحالة القومية في تركيا تزدهر، والحديث عن العثمانية الجديدة لا يتوقف، ومطالبة أردوغان بمراجعة اتفاقية لوزان عام 1923 والتخلص من إرث اتفاقية سيفر 1920 عقب الحرب العالمية الأولى، يتجدّد في كل مناسبة عند الحديث عن أمجاد الدولة العثمانية، كما أن استحضار ذكرى معركة تحرير اسطنبول (القسطنطينية) يلهب مشاعر الأتراك، انطلاقا من الإرث الهليني القومي والمسيحي الروماني والأرثوذكسي لتضع المطالبة بإعادة النظر في وضع كنيسة آيا صوفيا على قائمة المطالب على طاولة المفاوضات بين البلدين. وهكذا يستحضر التاريخ ليرخي بثقله على المستقبل، لتبدو زيارة أردوغان إلى اليونان زيارة إلى التاريخ، بحثا عن المستقبل.

 

المصدر: الحياة

التعليقات مغلقة.