(سوتشي) تشاشا.. مؤتمر الشعوب ليس للشعوب

35

*لقمان أحمي

 

” من الذي يتوقع أن يأتي الحل من مدينة كانت ضحية الإرهاب والإبادة الجماعية والتهجير وتحولت لمدينة يسكنها مستوطنون، كيف يمكن أن تأتي الحلول السلمية من مكان تم الهيمنة عليها بالحديد والنار، من دول كانت شريكة في الدمار منذ أكثر من مائة وسبعين سنة، كيف سيأتي الحل من وطن مسلوب.”

 

سوتشي تلك المدينة المتبقية من الوطن الشركسي، ولكن من دون شعب شركسي، أنها مأساة شعب عانى العذاب والتهجير والإبادة الجماعية على يد الروس والعثمانيين أجداد أردوغان.

لنقف قليلا على مافعله الروس والعثمانيين بالشعب الشركسي( الأديغة)، حروب الدول والامبراطوريات تخاض على أراضي الشعوب المغلوبة على أمرها، أو التي تتعرض للدمار بسبب دينها أو قوميتها، في أواسط القرن التاسع عشر حينما كانت الدول تغطي صراعاتها على النفوذ والثروات بغلاف الدين، في الحرب الروسية التركية وبعد هزيمة الدولة العثمانية أمام الدولة الروسية، قامت روسيا ولأجل منع الانتفاضات ضدها بوضع خطة لعملية تهجير الشركس من أراضيهم من موطنهم أرض آبائهم وأجدادهم، موطن تاريخهم، موطن ذكرياتهم، وكانت تركيا العثمانية تبث في الأراضي الشركية دعاية الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الاسلام، وكانت السفن التركية ترسو على شواطئ سوتشي تنقل هذا الشعب من موطنه إلى الغربة إلى مناطق العيش الصعبة ووضعهم في المناطق الجبلية في كردستان التي فرغت من أهلها نتيجة الانتفاضات التي قام بها الشعب الكردي ضد الدولة العثمانية، وتشتيت الشعب الكردي، واستخدام الشركس أيضا في حروبها الخارجية، ففي عملية النقل الممنهجة هذه بين الدولة الروسية والتركية، مات الآلاف منهم في البحر وفي البرّ، في البحر نتيجة غرق السفن أو إغراقها، وحتى الآن وأغلبية الشعب الشركسي يمتنع عن أكل السمك لاعتقاده أن السمك تغذى على جثث أجدادهم في البحر، وفي البرّ حيث هجرت روسيا الشركس المتبقين واللذين لم يتجاوزوا الآلاف إلى الداخل الروسي ودمّرت مدنهم وقراهم ومنها مدينة سوتشي، تشاشا، باللغة الشركسية، وسوتها بالأرض، ومن ثم إعادة إعمارها ولكن من دون سكانها من الشركس وأصبحت مدينة روسية يسكنها الروس، الاتحاد الروسي وريثة الامبراطورية الروسية لم تعترف حتى الآن بتلك الابادة الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من أربعمائة ألف شركسي مابين الخمسينات والستينات من القرن التاسع عشر، 1850- 1870 م، وكذلك تركيا وريثة الامبراطورية العثمانية لم تعترف بمجزرة إبادة الأرمن.

 وقد أعاد التاريخ نفسه في مأساة الشعب السوري حينما كانت تقصفه روسيا وتتفق مع تركيا لتأمين الباصات الخضراء لنقلهم إلى أماكن أخرى، وليحاربوا من ثم تحت قيادتها قوات سوريا الديمقراطية، هاتين الدولتين اللتين تريدان إعادة امجادهما الغابرة على حساب الشعوب، كيف ستحققان في مؤتمر سوتشي تحقيق آمال الشعوب السورية في الحرية والديمقراطية والعدالة، الدولة الروسية التي دعمت النظام الدكتاتوري، ودمرت هي مع النظام المدن السورية وقتل الالاف من الشعب السوري وهجر الملايين، والدولة التركية التي أدخلت الارهاب الاسلامي إلى سوريا ودعمتهم ودمرت هي مع المعارضة الارهابية المدن والقرى السورية وقتلت الآلاف من الشعب السوري وسرقت معامله ومصانعه، من الذي يتوقع أن يأتي الحل من مدينة كانت ضحية الإرهاب والإبادة الجماعية والتهجير وتحولت لمدينة يسكنها مستوطنون، كيف يمكن أن تأتي الحلول السلمية من مكان تم الهيمنة عليها بالحديد والنار، من دول كانت شريكة في الدمار منذ أكثر من مائة وسبعين سنة، كيف سيأتي الحل من وطن مسلوب.

كما يخبرنا ويل ديورانت في موسوعته قصة الحضارة، بأنه لم تكن هناك دولة روسية موحدة حتى العام 1600م هذه الإمارة التي استولت على أراضي قوميات متعددة، وأنها حتى العام 1600 م كانت تدفع الجزية للتتار، ونتيجة خوض عدة حروب ضدهم، استطاعت تأسيس جيش يعتمد نفس العقيدة العسكرية لدى التتار وكذلك شكل الاقتصاد المتبع لديهم، دولة أسست على مبدأ احتلال أراضي الشعوب ونهب خيراتهم ومنعهم من إدارة أنفسهم ومن التكلم بلغتهم على الرغم من أنها تحولت إلى دولة فيدرالية، بعد زمن الاتحاد السوفييتي والذي كان يحكم بنفس الاسلوب والمنطق الذي تأسست عليه الدولة الروسية في العام1600  ميلادي.

والدولة الأخرى والتي هي تركيا، التي أسّسها عشيرة من التتار تنافست السيطرة على الامبراطورية المغولية فتم طردها، هذه العشيرة التي أسست في القرن الخامس عشر الدولة العثمانية، بنفس فكر وأسلوب التتار في العقيدة العسكرية والسياسية، ألا وهي قمع الشعوب واحتلال أراضيهم بالقوة، لقد التقت إرادتهما ومصالحهما في منتصف القرن التاسع عشر، وكانت النتيجة إبادة الشركس ومحو وطن من الوجود، والتقت مصالحهم أيضا في بداية القرن العشرين، بعد الحرب العالمية الاولى، وكذلك منتصف القرن العشرين، بعد الحرب العالمية الثانية، وقضوا على حق الشعب الكردي في دولة مستقلة، ولكنهم لم يتمكنوا من إبادة هذا الشعب لأن ارادة المقاومة والحياة لديه كبيرة جدا. كما أن روسيا دمرت مدن وقرى الشيشان بالأرض في بداية القرن الواحد والعشرين، بعد أن حوّلت تركيا حركة الشعب الشيشاني التي تسعى للحربة وأدخلتها في إطار الحرب الجهادية، كما فعلت في سوريا.

وها هي الدولتان اللدودتان تحاولان سحب مستقبل السوريين من بين أيديهم والتحكم بهم وتجييرها لمصالحهما الثنائية.

لا أمل يرتجى من هكذا مؤتمر، من ناحية مكان الانعقاد، على أرض مسلوبة ومباد شعبها، ومن ناحية الدول الراعية له، دول أبادت شعوبا، ومن ناحية تاريخ وحاضر هاتين الدولتين التي لا تبشّر بالخير للشعوب السورية.

إنه مؤتمر لا مكان لحقوق الشعوب السورية فيه.

*سكرتير حزب الخضر الكردستاني

 

نشر هذا المقال في العدد /70/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/12/2017

التعليقات مغلقة.