حدث في مثل هذا اليوم 9 سبتمبر/ أيلول

62

11/9/ 1961

اندلاع ثورة أيلول المجيدة بقيادة الملا مصطفى البارزاني في كردستان العراق، والتي تم من خلالها انتزاع الحكم الذاتي لإقليم كردستان.
* بعد سقوط الدولة العثمانية تشكلت الجمعيات الكوردية في الاستانة وفي الولايات الكوردية الاخرى في العمل العلني لتوعية الشعب الكوردي ولغرس الروح الوطنية والقومية فيهم.. وكانت مبادئ (ويلسون) ومنها المادة (12) التي تنص على حق تقرير المصير للشعوب ومنها حق تقرير مصير الشعب الكوردي اذ ساعدت تلك الاحداث على تعميق الوعي القومي فاندفع علماء الدين والمشايخ الاعلام والمثقفون والسياسيون الكورد ومن خلال الجمعيات والاحزاب الكوردية بطلب رسمي باستقلال كوردستان الى جانب ازدياد نشاطاتها ومنها فتح فروع لها في كافة مدن كوردستان.. وتقدم الكورد الى مؤتمر الصلح في باريس بطلب الاستقلال اسوة ببقية الاقليات الاخرى..
وكان الجنرال شريف باشا الكوردي قد ترأس وفد الكورد الى المؤتمر الذي عقد في باريس وقدم المذكرة وخريطيتين بضمنها مطالب حقوق الشعب الكوردي.. وكان الجنرال شريف باشا ورفاقه قد قدموا مذكرتين في 22 مارس عام 1919 والثانية في الاول من مارس عام 1920، الى جانب انه وقع مع ممثل الارمن بوغوص نوبار باشا في شهر تشرين الثاني عام 1920 اتفاقاً بين الكورد والارمن بتقديم طلب مشترك الى مؤتمر الصلح يحددان فيه حقوقهما القومية للتخلص من السيطرة العثمانية.. وكانت قضية كوردستان قد اكتسبت منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى اهمية سياسية كبيرة نظراً لموقعها الجغرافي المهم ولوقوعها بين تركيا وايران والعراق وسوريا وتزايدت الاهمية بصورة اكثر وضوحاً بعد الحرب العالمية الثانية وتم تقسيم الحلفاء دول الشرق الاوسط بينهم كغنائم حرب ثمناً لانتصارهم على دول المحرو وتم ضم كوردستان الى تركيا وايران والعراق وسوريا.
* وفي كوردستان الجنوبية (العراق) فقد بدأت ثورات وانتفاضات شعبنا الكوردي في بدايات القرن الماضي من خلال ثورة الشهيد الشيخ عبد السلام البارزاني وثورة الشيخ محمود الحفيد الذي شكل حكومة في مدينة السليمانية واعلن نفسه ملكاً على كوردستان وحركة الشيخ احمد البارزاني وثورتي بارزان الاولى والثانية التي قادها البارزاني الخالد وثورتي ايلول العظيمة وكولان وانتفاضة اذار عام 1991.
* بعد انتصار ثورة 14 تموز عام 1958.. وبعد فراق دام اثني عشر عاماً عن وطنه الغالي على قلبه العراق عاد الى وطنه الجنرال مصطفى البارزاني رمز الامة الكوردية وابنها البار بسبب الاغتراب بالاتحاد السوفييتي السابق مع رفاق دربه البيشمركة الاوفياء وقد وصل الى بغداد في السادس من تشرين الاول من نفس العام.. وعانى ما عانى في غربته مع رفاقه من حياة شاقه مليئة بالصعاب والتحدي في منفاهم..
وكان في استقباله ببغداد الالاف من محبيه ومن جميع شرائح المجتمع العراقي وكان من ضمنهم الوفد الشعبي لكورد بغداد وفي اليوم التالي قام البارزاني الخالد بزيارة الزعيم عبد الكريم قاسم واعضاء قيادة الثورة حيث قدم البارزاني شكره وعرفانه لهم وقدم نفسه ورفاقه البيشمركة انهم جنود من جنود الثورة وكانت الثورة وطنية المبادئ وحظيت بدعم وتأييد كل شرائح المجتمع العراق وقواه واحزابه الوطنية وفي مقدمتهم الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه البارزاني الخالد وكانت حكومة الثورة قد أقرت واعترفت بالقومية الكوردية كثاني قومية بالبلاد ضمن المادة الثالثة من دستور جمهورية العراق واجازت للحزب الديمقراطي الكوردستاني حق ممارسة نشاطه العلني وممارسة دوره في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وصدرت في بغداد جريدة خبات الناطقة باسم الحزب الديمقراطي الكوردستاني بشكل رسمي وعلني..
ولكن حكومة عبد الكريم قاسم اخذت تتمادى تجاه البارزاني الخالد والحزب الديمقراطي الكوردستاني ولم تلتزم بما تم الاتفاق عليه وشرعت الاجهزة الحكومية ومنها الاجهزة الامنية بممارسة حقدها وعدائها تجاه شعبنا الكوردي فادت تلك الاحداث الى تأزم العلاقة بين عبد الكريم قاسم والبارزاني الخالد اذ قامت تلك الاجهزة باغلاق جريدة خبات ومضايقة ومطاردة وحجز واعتقال وابعاد الكثير من ملاكات وكوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومؤازريه في بغداد وفي مدن كوردستان الاخرى الى جانب محاولة اغتيال البارزاني الخالد بعد تخطيط من قبل عبد الكريم قاسم وذلك بقصف مقره بطائرات القوة الجوية ولكن عناية الباري عز وجل ردت كيدهم الى نحورهم وافشلت خططهم فضلا عن ذلك قامت حكومة بغداد بتحريك قطعات الجيش العراقي لمهاجمة مدن كوردستان وخاصة قصف مدينة بارزان معقل نضال شعب كوردستان بالطائرات وبقنابل النابالم المحرمة دولياً وما جرى من احداث ولعدم الايفاء بما تم الاتفاق عليه وبعد فشل المفاوضات لتهدئة الاوضاع التي كانت تطالب بها قيادة البارزاني الخالد من حكومة بغداد وعلى الرغم من تلك الضغوطات تجاه شعبنا وقيادته الا ان القيادة الكوردية لم تبادر باي تحرك عسكري او عمل تخريبي بل عمدت الى اجراءات احترازية تحسباً لهجمات وشيكة اخرى فقد كان توقيت اعلان الثورة مرهوناً بتحريك قطعات الجيش العراقي صوب مدن وقصبات كوردستان اذ قامت تلك القطعات العسكرية البرية بالهجوم على مدن كوردستان من محورين الاول كان محور جولاء السليمانية والمحور الاخر كان محور كركوك السليمانية..
الا ان البارزاني الخاد وبحكمته المشهورة بها كان يحاول بشتى السبل ان لا تتدهور الامور الى ما عليه وان تبقى العلاقة طيبة وايجابية مع الزعيم عبد الكريم قاسم ولكنه لم يستجب لتلك المحالاوت والمذكرات التي قدمت له واخرها في الثلاثين من تموز عام 1961 عندما قام شعب كوردستان في كافة مدنه بالاضراب العام للسياسة غير العادلة التي تبنتها الحكومة العراقية.. وكان البارزاني الخالد قد وجه نداءه الى الشعب العراقي في بداية ثورة ايلول: (انني لم ولن احارب الشعب العراقي.. هذا الشعب الذي انتمي اليه.. ان نضالنا هو ضد الاستعمار وعملائه وضد اولئك الذين امتصوا دماء شعبنا العراقي وداسوا باقدامهم سيادة الوطن ومصالح الشعب).
* وهكذا اندلعت الثورة الكوردية الجبارة في الحادي عشر من ايلول عام 1961 حيث انتفض شعب كوردستان باعظم ثورة تحررية عرفها شعبنا الكوردي في تاريخه الطويل من اجل حماية حقوقه المشروعة وللدفاع عن النفس والعرض حيث تحمل شعبنا الكثير من المصاعب والويلات ولكن بهمة ابنائه الغيارى والمخلصين من شعبه الصامد ومن قيادة وكوادر ومناضلي الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الجنرال مصطفى البارزاني استطاعوا ان يفجروا تلك الثورة وهي تعتبر بحق من اعظم واكبر الثورات الجماهيرية في تاريخ الامة الكوردية المعاصرة من حيث السعة والقدرة القتالية والروح النضالية والسياسية والتنظيمية..
وكانت الثورة قد وحدت ارادة شعبنا الكوردستاني بمختلف فئاته الوطنية والقومية من اجل التحرر من الظلم والاستبداد.. وقد تميزت ثورة ايلول عن الثورات الاخرى بانها ثورة شاملة ضمت في صفوفها كل شرائح المجتمع الكوردستاني وكانت اهدافها واضحة المعاني ولها خطاب سياسي واضح ومحدد المعالم يعبر عن آلام وامال وارادة شعب كوردستان وليست محددة بمنطقة واحدة انها كانت من زاخو الى خانقين لان البارزاني الخالد والحزب الديمقراطي الكوردستاني كانا يؤمنان كل الايمان بان الديمقراطية للعراق هي الطريق الوحيد والصحيح لضمان الحقوق المشروعة لشعب كوردستان..
وكان امام الثورة ثالوث خبيث وموذ لشعبنا صنعته حكومات الدكتاتوريات البائدة وهو: (الظلم والجهل والفقر) الى جانب تعريب المناطق الكوردية وعانى شعبنا على مر تاريخه الطويل من ذلك الثالوث الخبيث ومن التعريب ومن الحكام الجائرين الذين كانوا يمارسون ضده كل صنوف الارهاب والتعسف والتمييز العرقي والعنصري.. وكان شعبنا دائماً الضحية بالرغم من كل تلك الاعمال غير الانسانية التي حلت بهم وبارضهم لم يمارس الكورد رد الفعل المعاكس تجاه اخوانهم العراقيين بالعكس من ذلك اذ وفرت ثورة ايلول المناطق المحررة من كوردستان لتكون الملاذ الامن للمناضلين العراقيين الاحرار ولان شعار الثورة المركزي كان: (الديمقراطية للعراق.. والحقوق المشروعة للشعب الكوردي) وكانت الثورة قد قامت بوجه وضد الحكام الدكتاتوريين الذين لايعرفون غير لغة العنف والحقد ضد شعبهم وكان شعبنا الكوردي قدم من اجل ذلك الغالي والنفيس وانهاراً من الدم الطاهر لخيرة شبابه ورجاله الذي سال على ارض كوردستان وفي المدن الاخرى في سبيل حقوقهم المشروعة على مدى تاريخه المشرف..
الى جانب ذلك كان البارزاني الخاد يؤكد تمسكه بالاخوة العربية الكوردية ويقول: ان صراعنا هو مع حكومات ظالمة وحاقدة لاتؤمن بالديمقراطية ولا بحقوق شعب كوردستان وان القتال الذي فرض علينا كان قد فرض من تلك الحكومات وليس من الشعب العربي الى جانب أنه كان يؤمن اشد الايمان بان الامة العربية هي امة شقيقة للامة الكوردية وان انحسار او انكسار (لاسمح الله) اي منهما سيؤثر سلباً على الاخر ومن هذا المنطلق جاء تأكيده على التحالف الاخوي بين الكوردي والعربي.. وكانت المناطق المحررة من كوردستان الملاذ الامن لكل الاحزاب والكتل السياسية وكان البارزاني الخالد يؤمن بالاراء الاسلامية المعتدلة التي لاتفرق بل وتمنع سفك الدماء بين العراقيين وعاش متواضعاً ولا يميل عن اسلامه وتدينه وكان محط اعجاب اخوانه من علماء الدين الاسلامي من كلتا الطائفتين السنية والشيعية والى تمتعه بمكانة خاصة في قلوب المسيحيين والاديان الاخرى.
* واستمرت ثورة ايلول من نصر الى نصر حيث سطر فيها بيشمركة كوردستان الملاحم تلو الملاحم في معارك الشرف ومنها ملاحم جبال كورك وهندرين وزوزك وكلي زاخو حيث كبدوا فيها المعتدين الكثير من الخسائر والاستيلاء على الكثير من الاسلحة والاعتدة مما اضطرت حكومة بغداد الى وقف اطلاق النار واجراء المفاوضات مع قيادة الثورة الكوردية ومنها بعد سقوط حكومة عبد الكريم قاسم حيث عقد في مدينة كويسنجق يوم الثامن عشر من اذار عام 1963 مؤتمر شعبي ضم جميع الشرائح الوطنية الكوردية ومنهم رؤساء العشائر دعا اليه البارزاني الخالد وقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني من اجل تشكيل وفد مشترك بغية ارسالهم الى بغداد والتفاوض مع الحكومة الجديدة من اجل حل القضية الكوردية واثناء فترة وجود الوفد المفاوض في بغداد اندلعت المعارك مرة اخرى مع قوات الحكومية الجديدة وعلى اثر ذلك قامت القوات الحكومية بحملة اعتقالات واسعة ضد اعضاء وملاكات الحزب الديمقراطي الكوردستاني وكان من ضمن المعتقلين شقيقي الاكبر الذي جرى تعذيبهم في سجن محكمة الشعب وفي سجن خلف السدة الى جانب اعتقال اعضاء الوفد المفاوض وزجوا بهم في الزنازين والمعتقلات وتعرضوا خلالها لابشع انواع التعذيب واستشهد عدد كبير منهم من جراء ذلك التعذيب.
* في العاشر من شباط عام 1964 وبعد ان تسلم السلطة عبد السلام عارف زمام الامور في بغداد تم اطلاق سراح المعتقلين السياسيين الكورد وتم الاتفاق على احياء المفاوضات من جديد بين القيادة الكوردية وحكومة بغداد التي عقدت في مدينة قلعة دزة الا انها وصلت الى طريق مسدود فيما بعد وفي خضم تلك الصراعات مع الحكومات العراقية المتعاقبة في تلك الفترة كان اغلب تلك المفاوضات مصيرها الفشل نتيجة تعنت وتجاهل تلك الانظمة للمطالب الكوردية المشروعة بالعكس من المفاوضات كانت تلك الحكومات تلجأ الى استخدام القوة العسكرية المفرطة ضد ابناء شعب كوردستان بغية اسكاته واخماد وهج ثورته المباركة.
* وبعد وفاة الرئيس العراقي عبد السلام محمد عارف بسقوط طائرته السمتية بالبصرة ومجيء اخيه المرحوم عبد الرحمن محمد عارف الى دفة الحكم جرت مفاوضات جديدة بين حكومة بغداد وبين القيادة الكوردية ممثلة بالبارزاني الخالد تم اجبارهم على توقيع اتفاقية التاسع والعشرين من حزيران عام 1966 بعد معركة هندرين التي تعتبر من اشهر المعارك في حينها والتي جرت بين البيشمركة الابطال وحكومة بغداد والتي جرت في السابع من ايار عام 1966 استطاع البيشمركة ان ينتصروا انتصار الابطال مما اضطر المرحوم عبد الرحمن محمد عارف الى اجراء تلك المفاوضات والتوقيع عليها من قبل القيادة الكوردية ممثلة بالبارزاني الخالد وبين حكومة بغداد ممثلة بالمرحوم الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الحكومة انذاك وعرفت الاتفاقية باتفاقية حزيران..
وبعد الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري من قبل البعثيين في السابع عشر من تموز عام 1968 كان اول عمل قاموا به هو الهجوم العسكري الواسع والكبير وبكل القطاعت العسكرية على مقرات الثورة الكوردية في منطقة بالك بغية اجهاض الثورة وانهاء القيادة الكوردية الا ان تلك القوات المعتدية منيت بفشل ذريع مما اضطر نظام بغداد للقيام بسلسلة من المفاوضات مع قيادة الثورة ممثلة بالبارزاني الخالد الذي تمكن بحكمته وقدرته من ان ينقل الثورة من مرحلة الى مرحلة اخرى الى ان وصلت الى تحقيق مكسب عظيم لشعب كوردستان في العام 1970 وهي اتفاقية الحادي عشر من اذار الذي يعتبر بحق لا مثيل له في تاريخ شعبنا وهو الاعتراف الرسمي بحقنا وتوالت بعد ذلك المكتسبات الاخرى..
الا ان ما حدث في انتكاسة عام 1975 نتيجة المصالح الغربية والاقليمية تم ابرام اتفاقية الجزائر الخيانية بحق العراق وبحق القضية الكوردية ليتنازل نظام بغداد عن اراض عراقية الى ايران ادت تلك الاحداث الى اصابة ثورة ايلول بنكسة مؤقتة ادت الى تدهور الاوضاع في كوردستان ولكن لم تدم تلك الاوضاع الا لمدة قصيرة حيث تم الاعلان في السادس والعشرين من ايار عام 1976 عن بدء ثورة جديدة وهي ثورة كولان والتي هي امتداد لثورة ايلول التي جاءت بجهود المناضل مصطفى البارزاني وقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني وكانت حكومة بغداد لم تضع في حساباتها ان الارادة القوية لشعب كوردستان تلك الارادة التي رسخها البارزاني الخالد طوال حياته في قلوب ونفوس ابناء شعبه.
* وفي اذار عام 1991 اندلعت انتفاضة جديدة ضد حكومة بغداد تم فيها خلاص شعب كوردستان من النظام البائد وان المكاسب التي تحققت في كوردستان من امن وامان اصبحت واحة للحرية والسلام وفيها برلمان منتخب شرعي ومجلس وزراء ورئيس للاقليم وهو البيشمركة مسعود بارزاني.. وغدت كوردستان وشعبها نموذجاً يحتدى به في عراق ديمقراطي فدرالي تعددي يعيش الانسان فيه آمناً مطمئناً بحقوقه المشروعة في الحياة الحرة الكريمة..

 

عن موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني

 

التعليقات مغلقة.