قدَّموا واجب التمثيل في عزاءه …!

201

د. عماد خلف

في صبيحة يوم حار بطقسه وساخن بحدثه الجلل الذي توشّح بسواد تشييع شاعر معاصر، غادر بعد آخر قصيدة شخّصه فيه سبب وفاته، كان لشهر وفاته ميّزة الفضيلة والرحمة وليوم تشييعه انتصاف ذاك الشهر بما يحمله من مغفرة، ومن أمام باب منزله توارد المشيعون بالمئات أحزاباً أصيلة مع منشقيها بعد الشقاق، اتحادات ثقافية، متشظية أيدولوجياً الى فرعين لا ثالث لهما، وجمعيات ومنظمات طلابية وشبابية وخيرية متغيرة اللون كحرباء بحسب الشجرة التي تقتات منها، ومثقفين مستقلين منتمين إلى مختلف الأحزاب، وجلّ ما حضر وسائل الاعلام المرئية منها والمسموعة.

 كان عنصر الحزن حاضرا على ملامح الغالبية ولكن الاصطفافات التحالفية الحزبية طاغية على أي شعور انساني، فالبعض كان يتودّد لحليفه القوي صاحب الفضل والاخرون كانوا جالسين وشعور الأسف والمظلومية مرسومة على وجوههم، وفي منتصف الشارع العام توقف أحد القياصرة بعدما لمح كاميرا قناص إعلامي مبتدأ كالعادة، وأخذ صاحبنا زاوية 90 درجة مئوية وتكشيرة الحماية لدى استيقاظ زوجة ابنها ظهرا من النوم، وما إن تأكد وضمن التقاط الصورة العفوية حتى أكمل نصف طريقه الباقي وابتعد من دائرة الخطر.

 الإعلاميون كانوا بعيدين كل البعد عن ميّزة السبق الصحفي، فذات الشخص كان يدلي بتصريح عن الفقيد بنفس الجمل والأحرف والحركات لجميع وسائل الاعلام، أما التقاط الصور فحدث ولا حرج، ولم يبقى محترف أو هاوٍ أو متدرب ولم يلتقط بحجم 50 غيغا صور لجميع الموجودين وسياراتهم وبناطيلهم والقطط والعصافير المارّة، ورغم ذلك لم تشبع هذا الكم من الصور غريزة بعض المثقفين والفنانيين الذين لجأوا لاستخدام موبايلاتهم لأخذ لقطات فنية بعيدة عن أجواء الرثاء، وذلك لنشرها على صفحات الفيس بوك الشخصية كدليل قاطع بأنهم مثقفون أمام اللايكيين واللايكييات بالمئات لديهم، وانطلقت سيارة الاسعاف الحاملة لنعش شاعرنا وخلفها عشرات السيارات وأمام جامع قاسمو توقفت ونزل المئات من المشيّعين في هذا الشهر الفضيل ودخلنا 15 شخص فقط لأداء صلاة الجنازة على جثمانه، ولدى وصولنا إلى قمة مقبرة الهلالية حدث مالم تستطع نداءات بريمن ومنصات الحوار من تحقيقه؟

فشجرة ذات اوراق كثيفة جمع المجلس الوطني الكردي كما كان قبل الانشقاقات عنه وتشكيل الخطوط الثالثة والرابعة، أما في الجهة الأخرى بقي المعروفون بتحمّلهم شقاء وتعب الحروب وعذاب الجبال أمام الشمس الحارقة رغم أن أغلبهم كانوا صلّع ورؤوسهم دون من شعر، ألا انهم بقوا كمان نعرفهم على أقدامهم لا يتزحزحون غير آبهين بمن حولهم وكأنهم غير موجودين، وبعد الدفن توالت الكلمات الحزبية مستعرضة آخر التطورات العسكرية والسياسية ومتواعدين بعضهم بشكل فلسفيّ مبطّن. لكن المثير للجدل عدم حظر إلقاء بياني لحزب معروف بتعويم نفسه بشتى الوسائل بالنداءات والمنصّات الأوروبية والمعروف بشعور الندم كل فترة زمنية.

 وفي نهاية التشييع وبعد هذه الملاحظات التي أدت إلى خجلي للتقدم نحو نعش الشاعر فرهاد الذي لم أصادفه سوى مرّتين في حياتي، خجلت مما يقدّمه أغلب هؤلاء من واجب التمثيل في عزاءه، وواجب النفاق والانتقام في رثائه.

 إلى روحك في هذا الشهر الفضيل رحمه الله  التي لن تشفع لك ولنا سواها… إلى جنان الخلد.

التعليقات مغلقة.