تفاقم ظاهرة التسول في قامشلو.. والجهات المعنية في سبات..!

69

تحقيق: فنصة تمّو

– الجمعيات الخيرية تقوم بتدوين أسماء من تعرفهم والقائمين على إدارتها ضمن قوائم توزيع ما يأتيها من مساعدات.

– لو كان لدي مصدر يكفيني سؤال حاجتي من المارة ماكنت تجدني جالساً على هذا الرصيف.

تعتبر مشكلة التسول إحدى المشكلات الاجتماعية التي تفاقمت خلال سنوات الأزمة, وإن لم تكن وليدة الظروف التي رافقتها, إلا أنها اليوم تتصدر قائمة المشكلات التي ازدادت تفشياً في عموم البلاد,, إذ تحولت إلى ظاهرة بات الوقوف عليها أمراً ملحاً.

وتكتظ شوارع مدينة قامشلو بالمتسولين، إذ تراهم موزعين بين ثنايا السوق وعلى أرصفة مداخله الرئيسية, يستجدون عطف المارة, بعضهم عن جشع وآخرون عن فقر وحاجة.

رعد شاب في ربيعه السابع عشر،  من سكان مدينة دير الزور، فاقد البصر، ومعاق من يده اليمنى، وجد في التسول وسيلة لكسب قوت يومه، حيث يصحبه أخاه الذي يصغره  بسنوات كل صباح من مدينة الحسكة إلى قامشلو, قاصداً السوق  ليفترش إحدى الأرصفة مكاناً يستجدي عطف المارّة.

يقول رعد: اضطررت مع عائلتي لترك مدينتي، خوفاً من بطش تنظيم داعش, وقدمنا إلى مدينة الحسكة.

فقدت بصري ويدي اليمنى منذ أربع سنوات, أثناء لعبي  بقنبلة “شيلكا” كانت مرمية في الشارع من مخلفات الاشتباكات التي كانت دائرة في حيّنا, ولم أكن أعلم أنها سوف تنفجر بي وأصبح شخصاً معاقاً.

ويبرّر رعد لجوئه للتسول بوضعه الصحي الذي لا يساعده على العمل, فعائلته فقيرة جداً ووالده عاطل عن العمل, لهذا فهو مجبر على  التسول.

أما العم معروف, وهو رجل طاعن في السن، فوجد في أرصفة السوق ملاذاً يلجأ إليه ملتمساً عطف المارة لتأمين قوته وقوت زوجته المسنّة، إذ لا معين لهما.

العمّ معروف لم يتبع وسيلة التسول إلا لجوع وفقر حلّ به, حيث كان يعمل بائع محروقات متجول, لكنه اليوم عاجز ولا يقوى على العمل.

وما استطاع قوله حينا دنونا منه:” فقر الحال والجوع دفعاني إلى ما أنا عليه الآن, ولو كان لدي مصدر يكفيني السؤال، ماكنتم تجدوني جالساً على هذا الرصيف”.

بدأنا ما نريد طرحه بمعاناة العم معروف والشاب رعد لكن المشكلة لن تنتهي بتوصيف حالتهما. فهناك أعداد كبيرة ممن دفعتهم الحاجة, إلى امتهان التسول وسيلة للحصول على ما يعينهم على العيش.

وهنا يحضرنا الغياب الواضح والفاضح للجهات التي يقع على عاتقها الوقوف على كهذا مشكلات مجتمعية لما لها من تأثيرات سلبية تنعكس على المجتمع, حيث تتغاضى  بشكل أو بآخر عن التزامها تجاه هذه الشريحة .

وقد أكدت د. زوزان محمد: ” الرئاسة المشتركة لهيئة العمل والشؤون الاجتماعية ” في مقاطعة الجزيرة  أنهم كهيئة معنيون بالمشكلات الاجتماعية لتكون لظاهرة التسول نصيبا وافرا من اهتمامها, فقد أدرجت ضمن برنامج أعمالها وتم الوقوف عليها من خلال الإحصائية التي أجرتها الهيئة قبيل عام أو أكثر, ووضعت المشاريع الملائمة لمجابهتها.

وعلّلت محمد عدم تفعيل ما جاءت على ذكره وتحويله إلى حقيقة على أرض الواقع فيما يتعلق بظاهرة التسول, بكثرة أعداد المتسولين وبعجز الإدارة الذاتية عن رصد الامكانيات المادية لها، كون المنطقة تعيش حالة حرب.

ونفت محمد أن تكون أي من الجمعيات والمنظمات المعنية بالشأن المجتمعي قد بادرت إلى طرح أي مشروع أو مبادرة, ووصفت نشاطها بأن الجزء الأكبر محصور بتقديم الدعم النفسي.

ما من شارع إلا ويزدان بلافتة مكتوب عليها اسم جمعية خيرية, وما أكثرها، فأين هي من واجبها حيّال المشكلات التي تعصف بالمجتمع, في هذه الظروف؟.

تقول سهام موسى “عضو مكتب الطفل” في جمعية جومرد الخيرية:

” نحن في جمعية جومرد نعتبر التسوّل من الآفات التي تصيب المجتمع، لكننا لا نملك القدرة على منعها، وكل ما يمكننا فعله إزاء هذه الظاهرة هو البحث في أسبابها وإيجاد حلول لها مثل ( دعم العوائل الفقيرة – حملات توعية للأهالي – ايجاد فرص عمل).

وحول برامج جمعية جومرد في التنسيق مع جمعيات ومنظمات مجتمعية ذات الشأن أضافت موسى: “بالتأكيد هناك محاولة تنسيق مع بعض الجمعيات والمنظمات, حيث تم تشكيل شبكة محلية جامعة لها( شبكة أورورا) بغية توحيد الجهود وطرح مشاريع تتبنى معالجة بعض المشكلات المجتمعية في مقاطعتنا, ولكننا بانتظار إيجاد جهات مموّلة لها”.

وكون الأطر الدينية هي إحدى الجهات المعنية بالأمر, إلا أننا نجدها متغاضية حالها حال البقية, وفي أسباب ذلك أوضح الشيخ دوران الهاشمي” عضو اتحاد علماء المسلمين” في مقاطعة الجزيرة  أن ” ازدياد حجم ظاهرة التسول في المجتمع يدل على أن هناك خلل في قيام علماء الدين بدورهم من الناحية الفكرية والتي تتلخص في توعية أفراد المجتمع  وتراجعٍ في تأثير الدين هذا من جهة, ومن الناحية القانونية, فالقانون لا يحمي الضعفاء والمستضعفين والمحتاجين وهي مشكلة كبيرة”.

أما على من تقع المسؤولية في رصد الحلول لظاهرة التسول وغيرها من المشكلات أكد الهاشمي أن: “المسؤولية تقع على عاتق الجهتين الاساسيتين اللتين تقودان المجتمع – الدينية و القانونية، أي السلطات الحاكمة والقائمة على إدارة شؤون العباد. فعليها القيام بخطوات جدّية منها توفير فرص العمل للمحتاجين من المساعدات والضرائب التي يتمّ تحصيلها. فللفقراء حقُ فيها.

وتأسّف الهاشمي على ما يشهده من واقع الجمعيات الخيرية بحسب اطلاعه القريب على نشاطها قائلاً :” أنها تقوم بتدوين أسماء من تعرفهم والقائمين على إدارتها ضمن قوائم توزيع ما يأتيها من مساعدات وهذه في الحقيقة الطامة الكبرى. وهنا على الإدارة الذاتية  أن تكون رقيباً حاسماً على ما تقوم بهً هذه الجمعيات وغيرها”.

وتابع الهاشمي: ” عندما تقرأ النظام الداخلي لتلك الجمعيات تشعر بالارتياح والطمأنينة وأنه – قريباً – سيتم القضاء على البطالة وغيرها من المشكلات، ولكن حين النظر إلى أعمالها تجدها خلاف ذلك”.

ظاهرة التسول في تفاقم مستمرّ وليس لدى الجهات المعنيّة سوى التبريرات على عدم قيامها بالدور المنوط بها حيّال المشكلات التي تعصف بالمجتمع اليوم، وليس في جعبتها سوى مشاريع لازالت في طور النقاش، إذ تطفو حينا وتختفي أحيانا، في كل اجتماع ميمون لها, علماً أن الأمر لا يحتاج منها سوى خطوات أكثر جدية وتنسيق فيما بينها.

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.