الرواية الأدبية تستعيد ألقها في دراما رمضان

178

عادت الرواية الأدبية لاستعادة مكانتها ورونقها في الدراما التلفزيونية بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل “أفراح القبة” المأخوذ عن رواية الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، والذي عُرض في رمضان الماضي ولعب دور البطولة فيه الفنان الأردني إياد نصار والمصرية منى زكي، وتتجدد التجربة هذا العام من خلال روايتين تخوضان غمار المنافسة في رمضان المقبل.

والعمل الأول مأخوذ عن رواية الأديب المصري الراحل إحسان عبدالقدوس، “لا تطفئ الشمس”، التي قدمت على شاشة السينما في مطلع الستينات من القرن الماضي، في فيلم أدت دور البطولة فيه نخبة من النجوم الكبار، منهم فاتن حمامة وأحمد رمزي ونادية لطفي وشكري سرحان.

والمسلسل من بطولة ميرفت أمين ومحمد ممدوح وأمينة خليل وشيرين رضا وفتحي عبدالوهاب، وقام بمعالجة الرواية السيناريست تامر حبيب ويخرجها محمد شاكر، اللذان يجددان التعاون معا للمرة الثالثة بعد أن نجحا على مدار عامين في مسلسلي “طريقي”، و”جراند أوتيل”.

أما الرواية الثانية فهي “واحة الغروب” للكاتب المصري بهاء طاهر، والتي فازت بجائزة الرواية العالمية “بوكر” في نسختها العربية الأولى عام 2008، وتولت كتابة النصف الأول من المسلسل السيناريست مريم نعوم، ثم اعتذرت عن مواصلة كتابته فاستكملت النصف الآخر الكاتبة هالة الزغندي، وتلعب دور البطولة مِنّة شلبي وخالد النبوي وتخرجه كاملة أبوذكري.

ولا شك في أن البعض من المشاهدين قرأوا الروايتين، وقد يفكر البعض الآخر في قراءتهما حتى قبل أن تتجسدا في مسلسل، وهو ما سيطرح تحديا كبيرا على صناع المسلسلين، كما سيخلق حالة من النقاش والمقارنات بين خيال عبدالقدوس وطاهر والواقع المترجم في سيناريو العملين دراميا.

وتتناول الروايتان حقبتين تاريخيتين مختلفتين، ففي “واحة الغروب” تدور أحداث الرواية في نهايات القرن التاسع عشر مع بداية الاحتلال الإنكليزي لمصر، من خلال الضابط محمود عبدالظاهر الذي يتم نقله من القاهرة إلى واحة سيوة، بعد أن تم التشكيك في ولائه للحكومة بسبب آرائه وأفكاره الثورية المؤيدة لما نادى به الزعيم المصري أحمد عرابي.

وفي رواية “لا تطفئ الشمس”، يناقش الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لإحدى العائلات الأرستقراطية، خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر في الخمسينات من القرن الماضي.

ونظرا إلى أن الكاتبين الكبيرين تناولا الحالة المجتمعية التي كانت تدور فيها الأحداث على جميع المستويات، فإن ذلك سيقود المتفرج على المسلسلين إلى ثقافة تختلف عن المضمون السائد حاليا، بعيدا عن دراما الألفاظ الخادشة، أو تلك المقتبسة من أفكار أجنبية، ما يمنح الصورة النهائية لغة متينة وأفكارا ثرية.

علاوة على ذلك، فإن التنوع والتساوي في مساحات الشخصيات داخل العملين، سوف يقضيان تدريجيا على ظاهرة النجم الأوحد، التي ظلت سائدة في الدراما المصرية لسنوات طويلة.

ودراما الرواية ستخلق أيضا حالة من الاختلاف عن بقية الأعمال الدرامية في رمضان المقبل، والتي يغلب عليها الطابع الكوميدي، كما ستكون هناك منافسة بين دراما الجاسوسية المتمثلة في مسلسلي “الظاهر” و”الزئبق” وتلك الدراما الروائية.

إضافة إلى هذا سوف تكون الأعمال الروائية في حلبة المنافسة أيضا مع دراما الأعمال الممصرة المنقولة عن نظيرتها الأجنبية، والتي باتت الأكثر جاذبية لدى المشاهد في الأعوام الماضية، خصوصا أن هذه الأعمال الروائية ستصنع حالة من “النوستالجيا” (الحنين إلى الماضي)، والرغبة في التعرف على حقب زمنية مغايرة للواقع الراهن وهو ما توفره الروايات لقارئها.

ورغم النجاحات التي يحققها جو الرواية الأدبية لدى المشاهدين، فإن البعض من السلبيات قد تشوب هذا النجاح، على رأسها أنها ستضع مؤلفي الدراما في مأزق يتعلق بمدى قدرتهم على تحويل الرواية إلى دراما مقنعة، ومعروف أنه حدث في الكثير من التجارب المماثلة السابقة أن فشل “الدراميون” في نقل ما أراده الروائيون إلى المتفرج نقلا جيدا وأمينا.

كما أن هذا النقل من الرواية إلى المسلسل يطرح سؤالا هاما، هو: هل يستطيع مخرجو الدراما اختيار الفنانين أبطال الأعمال الدرامية بما يتوافق مع طبيعة وعمق الشخصيات المقدمة بالرواية؟

في هذين العملين تحديدا، يتمثل المأزق في أن رواية “حتى لا تطفأ الشمس” سبق تقديمها في فيلم سينمائي ناجح، يعد واحدة من علامات السينما المصرية، ما سيجعل المسلسل محل مقارنة قاسية، وأيضا ستكون هناك مقارنة أشد قسوة بين أداء الأبطال الجدد والنجوم الذين لعبوا دور البطولة في الفيلم.

أما في رواية “واحة الغروب” فسيكون التحدي ليس فقط على مستوى مدى التوافق بين الرواية والعمل الدرامي، بل أيضا على مستوى مدى التناسق بين ما كتبته كل من الكاتبتين اللتين أعدتا المسلسل، وهما مريم نعوم وهالة الزغندي.

صحيح أنهما عملتا معا من قبل في مسلسل “سجن النسا”، لكن الأمر هذه المرة يختلف كون كل منهما كتبت نصف الأحداث، ما يجعل المقارنة مؤكدة بين أسلوبيهما، خصوصا أن لكل واحدة منهما أسلوبا مختلفا. وفي مسلسل “واحة الغروب” كسرت هالة الزغندي حاجز الدراما التشويقية الذي رفعته شعارا لأعمالها، كما حدث في مسلسليها “الكابوس” و”حجر جهنم”، وهي هنا تكشف عن خط جديد لها في مجال التأليف الدرامي، وهو تحويل العمل الأدبي إلى دراما تلفزيونية.

وتحويل الأعمال الروائية إلى مسلسلات يطرح أيضا إشكالية أخرى، هي مدى التوفيق في إضافة المزيد من الشخصيات إلى الرواية دون وجود توظيف جيّد لها في محاولة لاستعراض العضلات الكتابية للسيناريست، وهي مهمة محفوفة بالمخاطر.

وبعيدا عن الإخفاقات التي تحدث من جرّاء تحويل الأعمال الروائية إلى درامية، فإن التجربة في حد ذاتها تبقى إطلالة مميزة للدراما تختلف عن المعتاد والسائد، وتخلق ثراءً على مستوى الخيال والإبداع وإعادة دور الرواية في المجتمع.

ويدفع ذلك الكثيرين من الشباب إلى إعادة قراءة الروايات من جديد، أو حتى محاولة أن يكتبوا هم أيضا روايات، بما يحافظ على استمرار الهوية الثقافية العربية التي تأثرت سلبا في السنوات الماضية.

العرب اللندنية

التعليقات مغلقة.