السياسة الأمريكية المتوقعة حيّال روجآفا – شمال سوريا، وسوريا

31

سيهانوك ديبو
سيهانوك ديبو

من دولة سومر حتى يومنا هذا؛ بإمكاننا القول بأن السياسة الدولية تنتج نفسها وتظهر في حالة واحدة مضمونها الحاجة المستمرة إلى القوة. وكثيراً ما يتردد السؤال الأوحد: لماذا تحتاج الدول إلى أن تكون قوية؟ إجابة مثل هذا السؤال؛ علاوة على أنه قد تم الإجابة عنه في الخوف من مصير يشبه اختفاء امبراطوريات ودول عبر التاريخ؛ فإنه يشكل مدخل السياسة الدولية المشهودة بثلاثية مُشْبَكة: الدولة القومية؛ الصناعوية؛ الربح الأعظمي. وهذا ما يؤولنا إلى الموضوع الأهم المتمثل في البحث عن ضرورة شكل جديد للدولة اللامنتمية إلى أية أمم نمطية؛ كي تبدو وطنية أكثر ومطواعة للعالمية أكثر وصانعة للمفهوم الجمعي الذي ظهر الإنسان عليه أكثر وأكثر؛ ولا يمكن الظهور على نقيض لمثل هكذا حقيقة مترسخة مهما طال غيره وبقى. وعلى الرغم من استبداد مفاهيم – يجب تبديلها بشكل جذري- المركزية والأطراف، العالم الأول والثاني وبلدان العالم الثالث، لكن؛ تبقى السياسة الدولية عالم من صنعنا مجتمعين؛ بغض النظر عن كون من يحدد ذلك إنْ كانوا فاعلين أمْ غير فاعلين، ويعني ذلك بأن الجهات الدولية التي تبدو فاعلة كما أمريكا وروسيا وغيرهما فإنها لا تمتلك حرية تامة في اختيار ظروفها، لأنها وبالضرورة تتخذ خياراتها الاستراتيجية أثناء عملية تفاعلها مع الآخرين: شعوباً؛ دولاً؛ مؤسسات وغيرها.

يخطأ من يعتقد بأن أمريكا -الفاعلة بطبيعة الأحوال منذ الحرب العالمية الثانية- أنها تمتلك نمطاً واحداً فيما يتعلق بسياساتها الخارجية بغض النظر إن كانت إدارتها جمهورية أو ديمقراطية، وأن هذه السياسة لا يمكنها أن تتغير. يمكن اعتبار ذلك إنشاء من إنشاءات الجماعات الضعيفة؛ أو إعلام العالم المتأيّب في أحسن أحواله. من حيث أن أمريكا لا تشبه نفسها بعد أحداث 11 أيلول 2001 ، كما أن أمريكا “الترامبية” متغيّرة أيضاً بالاعتماد على مفاصل سياستها الثابتة في الشرق الأوسط: الحرب على الإرهاب؛ وحماية اسرائيل؛ يُضاف إليهما بندين آخرين في الشأن السوري إيجاد بديل للرئيس السوري في مستقبل سوريا وحماية الخصوصية الكردية. ولأنها متفقة مع روسيا الاتحادية في هذه الرباعية المتينة؛ باتت وإياها راعيين مشتركين لحل الأزمة السورية كما هو معلن منذ اجتماع فيينا في اكتوبر 2015. ومن الجدير ذكره بأن التوصيفات المتعلقة بأن روسيا استفادت من الفراغ الرئاسي في أمريكا؛ وتباعاً للبدء في تحضيرات الإدارة الأمريكية في أنها تحتاج إلى 90 يوماً لاكتمال خططها؛ كلام إنشائي آخر يصلح أن يكون ضمن تقارير إعلامية. فيما أن التنسيق بين الراعيين حيال الأزمة السورية وملفها المُشْبَكِ بالملفات الإقليمية والدولية على درجة عالية. لأن الفوضى لا تُتْرَكُ دون قيادٍ؛ بل تُصْنَعُ بإتقان، وهناك من يحرص أن يدير الأزمة/ات؛ بإظهار ذلك وإعلان غيره ونقيضه إذا ما اقتضت الضرورات.

من غير الإنصاف أن يسأل (كُردُ) الأمة الديمقراطية: هل ستغيّر أمريكا سياستها كحليف لوحدات حماية الشعب والمرأة وعموم قوات سوريا الديمقراطية؛ مثل هذا السؤال يجوز سؤاله على لسان (أكراد) الائتلاف/ المجلس الوطني السوري/ الهيئة العليا للمفاوضات. مثل هذا التقسيم سياسي؛ ونتيجة موجزة لسبع أعوام من الأزمة السورية، ويعني فصلاً أيديولوجياً لمشروع الفيدرالية الديمقراطية على أساس الأمة الديمقراطية من جهة ومن جهة أخرى أجندة أظهرت نفسها وأعلنت بأنها معادية للمشروع ولقواه السياسية المجتمعية والعسكرية. ولعل ابتهاج أكراد الائتلاف أو المتبقي منه بسقوط إدلب بيد جبهة فتح الشام/ النصرة، وتبريرهم لمجموعات مسلحة موجودة اليوم في ما تسمى بالهيئة العليا التي حضرت آستانا، وإعلانهم عن مطلب إدراج وحدات حماية الشعب والمرأة في قائمة الإرهاب؛ وغيرها من الإيجازات، تؤكد بأن مثل هذا التقسيم  أو الفصل؛ في محله. وعليه فإن أمريكا ستمضي في شراكتها، وتحدث منعطفاً إيجابياً آخر في هذا المضيّ؛ أي أنها من المتوقع  أن تعلن في فترة ليست بعيدة عن إعلان؛ واتفاقها بشكل سياسي لمشروع الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا من بعد توافق للحل الفيدرالي للأزمة السورية؛ مع العلم بأنها لم تعلن أو تظهر عن رفضها لمشروع الفيدرالية الديمقراطية. وافتتاح مكتب تمثيلي للإدارة الذاتية في واشنطن؛ خطوة إيجابية تؤكد عن تحالف الإدارات الذاتية/الفيدرالية مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لم يقتصر على شكله العسكري فقط.

الإيديولوجيا كنظام متواصل من الحقائق؛ هذا بحد ذاته تناول ديمقراطي لمفهوم الأيديولوجية التي لا يحتمل مفهومها الكلاسيكي على وجود المختلف، وتعتبر هذه النظرة العصرانية الديمقراطية  للأيديولوجيا رداً منطقياً على دُعاة نهاية الأيديولوجيا. بهذه النظرة الأيديولوجية المتقدمة المستندة على فلسفة الأمة الديمقراطية؛ قاربت حركة المجتمع الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي الحراك الثوري في سوريا؛ فكان الخط الثالث الذي يغدو اليوم البديل الثوري للخطين المنهكين اللذين يلفظان أنفاسهما بأنفسهما؛ رغم الدعم الهائل والنفخ الهائل في تلك الأجساد المتورمة وأيديولوجياتها المتخشبة. إذا ما كان هناك من ضرورة عن إعلان موت أيديولوجي ما؛ فمن الأنسب إعلان نهاية الدولة القومية والدولة الدينية؛ على الأقل في الشرق الأوسط، فلا حامل لها هنا، وطبيعية الشرق الأوسط تبدو في اتساق كامل مع تاريخه، والتاريخ هو الجزء الأهم من الحاضر والمستقبل. وعلى هذا الأساس كانت مقاربة الخط الثالث للأزمة السورية وأكثرها قدرة على تجسيد معادلة الحل السوري بطرفيه: محاربة الإرهاب من ناحية ومن ناحية أخرى طرح نموذج التغيير الديمقراطي. وتجسيد المعادلة وفق هذه الرؤية الثورية جعلت أصحاب المشروع الديمقراطي أفضل من يمثلون تطلعات الكرد وعموم السوريين القومية الحرة وليست القومية البدائية، والوطنية الديمقراطية وليست الوطنية الشكلية، وعلى هذا الأساس بات الكرد (كرد الأمة الديمقراطية) لاعباً أساس على المسرح السياسي العالمي؛ وحضور جنيف بأعدادها الثلاث؛ لم تحسم الأمر أن يرتقي أكراد الائتلاف أن يمثلوا الكرد وتطلعاته المشروعة في الدولة الفيدرالية أو في الاتحاد السوري.

لا ينطبق توسيم أكراد الائتلاف على مجموع المجلس الوطني الكردي في سوريا؛ ولا على نصفه؛ إنما على بعض من يمثله ويتحدث باِسمه؛ وبخاصة من يظهر كأنه خادم السلطان ومُشَغِّلٌ وفق أجنداته التدميرية العدائية ضد الوجود الكردي برمته وفي أي مكان يكون، وضد إرادة شعوب الشرق الأوسط برمته؛ من ضمنهم الأتراك أنفسهم. ولأن الأمر كذلك فإن ذلك يستدعي من جميع الكرد أن يتعاملوا مع مسألة أو قضية وحدة موقفهم بمسؤولية تاريخية. وعليه فإن طاولة مستديرة واحدة يلتقي حولها مجموع القوى والأحزاب السياسية الكردية بإرادة حرة في قامشلو أو كوباني أو عفرين أو أية قرية من قرى روج آفا؛ سيتكفل في إنتاج الموقف الموحد وإنضاج أكثر لتجربة الإدارات الذاتية الديمقراطية/ الفيدرالية الديمقراطية. وهذا هو المبتغى والمأمول والمرتقب؛ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

نشرت هذه المقالة في العدد (59) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/2/2017

2

التعليقات مغلقة.