الكرد والفرصة السانحة

56

“السؤال الذي يطرحه كل كردي ولا يجد له إجابة حتى تاريخ اليوم يتمحور حول قضية واحدة أين هو الموقف الكردي الموحد وما هو دور الكرد في المشهد السياسي السوري، وكما هو معلوم فأن طرفي الصراع (النظام و المعارضة) يحاولان بشتى الوسائل تحسين مواقفهما التفاوضية من خلال حلفائهما الإقليميين والدوليين لفرض أجنداتهما وشروطهما في المسار التفاوضي في جنيف دون أن يعيروا أي اهتمام للقضية الكردية وللحقوق القومية للشعب الكردي”

 

مرة أخرى تقف الحركة السياسية الكردية أمام مفترق طرق لا تعرف وجهتها الحقيقية أو تلك الوجهة التي تستدعيها المصلحة القومية العليا للشعب الكردي في هذه المرحلة المصيرية والهامة من تاريخه والتي تأتي كاستحقاق للأزمة السورية بسبب الخلافات والتناحرات المميتة بين أطراف الحركة الكردية نتيجة الصراع بين المراكز الكردستانية ليس الا هذا الصراع الذي يؤجج الخلافات بين أحزاب الحركة الكردية وخاصة بين المجلس الوطني الكردي ENKS وحركة المجتمع الديمقراطي Tevdem والتي تشهد توتراً لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات الكردية – الكردية في سوريا وصلت إلى حد التخوين والتشهير والاعتقالات وكيل الاتهامات مما تسبب في الانقسام الحاد في الشارع الكردي بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك وكذلك في انعدام الثقة عموماً بالحركة الكردية وخاصة في أوساط واسعة ممن يمكن تسميتهم بالأغلبية الصامتة والتي لا تنتمي إلى هذا الإطار أو ذاك التي بدأت تخرج عن صمتها في الآونة الأخيرة بسبب التطورات المتسارعة والحراك الدبلوماسي الدولي النشط حول سوريا خاصة بعد أن بدأت ملامح البحث عن حلول سياسية للأزمة السورية من جانب المجتمع الدولي تتضح رويداً رويداً والتي كانت نقطة الارتكاز فيها طرد الفصائل المسلحة من حلب وإعلان الهدنة بين بعض الفصائل المسلحة والنظام في آواخر العام المنصرم بضمانة روسية – تركية  وانطلاق أعمال مؤتمر استانا الذي تركز حول تثبيت وقف الأعمال العدائية وبالتالي البحث عن مخارج وحلول سياسية لا غالب فيها ولا مغلوب وبما يتناسب ويتماشى مع مصالح الدول الإقليمية كتركيا وإيران من جهة أو مع المصالح الروسية والأمريكية وغيرهم من الدول المعنية بالأزمة السورية  من جهة أخرى , على الرغم من الخلافات الحادة بين هذه الدول إلا أن مسار التسوية سينطلق في العشرين من شهر شباط الجاري في جنيف, والسؤال الذي يطرحه كل كردي ولا يجد له إجابة حتى تاريخ اليوم يتمحور حول قضية واحدة أين هو الموقف الكردي الموحد وما هو دور الكرد في المشهد السياسي السوري, وكما هو معلوم فأن طرفي الصراع (النظام والمعارضة) يحاولان بشتى الوسائل تحسين مواقفهما التفاوضية من خلال حلفائهما الإقليميين والدوليين لفرض أجنداتهما وشروطهما في المسار التفاوضي في جنيف دون أن يعيروا أي اهتمام للقضية الكردية وللحقوق القومية للشعب الكردي, لأن طبيعة النظام الذي لا يزال يريد إدارة سورية وفق مفهومه ومنطقه القديم وكأن الأزمة المستمرة منذ ست سنوات كانت حدثاً عرضياً عابراً سيتم تجاوزه وتداركه في قادم الأيام, أما المعارضة بشقيها السياسي والعسكري فهي الأخرى لا تطرح على جدول أعمالها القضية الكردية بسبب العقلية الشوفينية ذات الصبغة الإسلامية والتي لا تؤمن في حقيقة الأمر بالحقوق القومية للشعب الكردي وتعتبر الكرد جسماً غريباً في النسيج السوري وأن المطالب الكردية هي مجرد محاولات لتفتيت سوريا والقضاء على صبغتها العروبية – الاسلامية.

 من هنا ولمواجهة هذه الحالة ليس أمام الحركة السياسية الكردية خيار آخر سوى خيار الوحدة والتكاتف في هذه المرحلة الحساسة تبدأ بادئ ذي بدء بتنقية الأجواء بين الأحزاب الكردية من خلال وقف الحملات الاعلامية والتحضير لحوارات جادة ومسؤولة لصياغة موقف كردي موحد وفق رؤية سياسية واضحة المعالم تأخذ في الاعتبار تطورات الأوضاع على الصعيدين الاقليمي والدولي وتشكيل وفد كردي مشترك يكون العنوان الصريح للشعب الكردي والقيام بتحرك دبلوماسي نشط في أوساط الرأي العام السوري والعالمي وكذلك مع الدول المعنية بالأزمة السورية لكسب تعاطفها وتأييديها الى جانب القضية العادلة والمشروعة للكرد ودعوتها الى توجيه الدعوة لحضور مؤتمر جنيف 4, كمنصة مستقلة وطرح القضية الكردية على جدول أعمال المؤتمر كونها قضية شعب يربو تعداده على ثلاثة ملايين انسان محروم من أبسط حقوقه القومية والديمقراطية وتعرض على مدى عقود من الزمن لأبشع سياسات الإنكار والإقصاء والتهميش على أيدي الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم في سوريا ولا يفوتنا القول والتأكيد على أنه لا يمكن أن يستتب الأمن والاستقرار في بلادنا سوريا مالم تجد القضية الكردية طريقها للحل وبتصورنا فأن الظروف الموضوعية اليوم مؤاتية أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للموقف الدولي من القضية الكردية أما الظروف الذاتية فهي غير متوفرة بسبب التناحرات والتجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية الكردية، وفي هذا السياق فإن هناك من يسعى إلى تعكير الأجواء المعكرة أصلا، والعودة إلى المهاترات وإثارة الحساسيات في هذه المرحلة، علما بأن الشعب الكردي ملّ وسئم من مثل هذه الألاعيب التي لم تعد تنطلي عليه، ومن هنا ومن منطلق المسؤولية القومية والتاريخية فإن الحركة الكردية مدعوة إلى تجاوز خلافاتها وأنانياتها الحزبية، وطي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة عنوانها الرئيس تغليب المصلحة القومية العليا للشعب الكردي على كل المصالح الفئوية الاخرى حتى لا تلاحقنا لعنات التاريخ.

نشرت هذه المقالة في العدد (59) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/2/2017

 

2

التعليقات مغلقة.