الترامبية وإشكالية فهم الرسالة الامريكية

27
حسين عمر1
حسين عمر

حسين عمر

لا جديد على الساحة العالمية إلا بعض القرارات الاستثنائية التي أصدرها دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد الذي يجهد لتنفذ بعض ما وعد به ناخبيه ومن تلك الإجراءات قراره الصادر بخصوص منع دخول حاملي جنسيات سبعة دول شرق أوسطية يعتقد بأنهم مصدر الإرهاب العالمي. هذا القرار الذي لاقى ردود أفعال متناقضة ومتباينة على الساحة الدولية. فمع الاستهجان الأوربي للقرار صدرت تصريحات مؤيدة أو متفهمة لحساسيات القرار من جانب دول إسلامية كان من المفروض أن تحتج على القرار. لكن المصالح الاقتصادية هي التي أفضت إلى تلك التصريحات، وكانت النتيجة هي إعلان دولة قطر باستثمار عشرة مليارات دولار في البنية التحتية لدولة أمريكا (الفقيرة) وكذا أعلنت السعودية مضاعفة استثماراتها مع العلم أن قرارات ترامب المعنية لم تشمل مواطني الدولتين لا بل كانت السعودية هي من الدول الأولى التي اتصل ترامب مع ملكها في إشارة قوية إلى استمرارية السياسة الامريكية الداعمة لها بالرغم من أن العديد من التقارير الاستخباراتية ومراكز الأبحاث العالمية تؤكد على أن أحد أهم بؤر تصدير الإرهاب في العالم هي الدول الخليجية وبالأخص السعودية، وهذه إحدى أهم كبوات ترامب في قضية تأكيده محاربة الإرهاب وضرب مصادره. بالعكس من ذلك تماما وجه جلّ هجومه واهتمامه لإيران التي تعتبر المنافس الأكبر للسياسة الامريكية في المنطقة كما أنها مصدر لدعم حزب الله اللبناني الذي يعتبره إسرائيل عدوه الأول.

لقد اتضحت من الأيام الأولى للحقبة “الترامبية” التي لن تختلف كثيرا عن الحقبة الريغانية “رونالد ريغن” في جعل الدعاية إحدى أهم وسائلها المؤثرة على الناس حتى ولو عرفوا أنها دعاية لا أساس لها. ولهذا نرى ترامب أحد أهم رواد موقع التواصل الاجتماعي “توتير” لإدراكه بانه من خلال ما ينشره يوهم الناس بانه يعمل من أجلهم.

ترامب ليس رئيس استثنائي كروزفلت ولا يملك كاريزما الممثل الرئيس الذي يشبهه في بعض التصورات رونالد ريغان.

كل ما هنالك أن الوضع المعاش داخل الويلات المتحدة أفرز ترامب وجعله رئيسا لاسباب عديدة أهمها الحفاظ على قيادة الرأسمالية الاحتكارية لإدارة أمريكا وكذلك عدم وجود مرشح ندّ له في المواجهة.

ما يحاول العهد الجديد القيام به هو استكمال مسيرة الرؤساء الجمهوريين وتعزيز مكانة احتكار القرار بيد الطغمة المالية الاحتكارية مما يعني وجود فوارق مهمة بين ما أسس له أوباما داخليا وما سيحاول ترامب فعله. الأول حقق بعض المكاسب للشرائح الفقيرة والوسطى في المجتمع الأمريكي من خلال قوانين تمسّ الحياة المعيشية والصحية للمواطن لكن الثاني بالرغم من البروبوغاندا التي رافقت حملته الانتخابية على أنه يمثل الطبقة الوسطى من خلال خطاب شعبوي مغلق لكن أول ما قام به كان إلغاء قوانين الصحة التي أقرّها سلفه ولهذا حتى في السياسة الداخلية التي كانت محور حملته وعلى أساسها انتخب من قبل شريحة من المجتمع الأمريكي لينفذ وعوده الانتخابية.

كلا قراريه اللذان أخذا صدىً كبيراً في العالم والداخل الأمريكي, إصدار منع إعطاء تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة لسبعة دول متهمة بالإرهاب وبناء الجدار العازل بين أمريكا والمكسيك. ما عدا ذلك ليس هناك تبديل ظاهر على السياسية الخارجية الامريكية. محاباة السعودية، واستمرار العلاقة القوية مع تركيا والإبقاء على عداوة إيران لم يطرأ عليها أية تغيرات سوى زيادة حدّة النبرة الإعلامية ضد الأخيرة على شكل تهديدات مع وقف التنفيذ. لأن إيران وحسب منظري السياسة الامريكية تشكل العائق الأكبر والخطر الأهم على المصالح الامريكية في الشرق الأوسط. وهي شريكة أساسية لأمريكا في إدارة شؤون العراق كما هي الشريكة الرئيسية في إدارة الحرب بسوريا ومهيمنة على الوضع اللبناني واليمني وتحاصر الخليج، ولهذا تريد الإدارة “الترامبية” تخفيف تلك المؤشرات الإيرانية وإعادة تموضعها والحدّ من دورها وتأثيرها على المنطقة.

ما ظهر من مفاعيل العهد الجديد لا يدل على وجود تغيرات كما كان متوقعا من قبل شريحة كبيرة من الحالمين في المنطقة، ولم تتضح تماما بعد التغيرات التي من الممكن ان يجريها ترامب في تعامله السياسي مع أزمات المنطقة ودولها، ما رشح وظهر حتى الآن، هو متابعة خطى السياسة المرسومة، حتى الدعاية التي رافقت حملته حول السعودية وكذلك الاخوان المسلمين لم تجد لها ارتكازاً في سياسته التنفيذية بالرغم من أن أغلبية كبار الإرهابيين في العالم هم من رعايا السعودية إلا أن المصالح الاقتصادية وقبول السعودية بدفع الاتاوات له على شكل استثمارات أزالت أية بادرة كانت من الممكن أن يتخذها وكذلك لا أعتقد بأنه سيضم الاخوان المسلمين إلى لائحة الإرهاب لما للدول التي تدعمهم تأثير على العلاقات الامريكية الشرق أوسطية – السعودية، قطر، تركيا – هذا الثالوث الذي ينفذ الإرادة الامريكية في المنطقة ويقوم بحماية مصالحها هو بنفس الوقت الراعي الأساسي والداعم القوي لتنظيم الاخوان ولهذا كل الخطط في هذا الاتجاه ستكون مؤجلة بما ان الثالوث ينفذ الاملاءات الامريكية وهو ما سيؤدي إلى استمرارية السياسة الامريكية القائمة على خلق بؤر التوتر وتأجيج الصراعات الإقليمية وتأجيل حلول الازمات لا بل محاولة افشال أية خطوات تفاهميه بين القوى المتصارعة .

كرديا.. من المرجّح استمرارية الدعم الأمريكي للأطراف الكردية الفاعلة في مواجهة داعش في باشور وروجآفا وإبقاء السياسية الرمادية مستمرة دون تغير، والإبقاء على التوازن الحالي في العلاقة مع تركيا والتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية حتى تحرير الرقة ، لان أمريكا لن تفرط بعلاقاتها المتينة مع الدولة التركية الممتدة منذ الحرب العالمية الثانية من أجل جملة من التصريحات المعادية لها من قبل الحكومة التركية وما زيارة رئيس CIA لانقرة إلا دليل على متانة تلك العلاقة والتي لن تتأثر بتغير طواقم الحكم في البلدين، هناك تشابك كثيف في العلاقات العسكرية والاستخباراتية كما ان السوق التركية للاستثمارات التركية في أمريكا لها دور كبير جدا في تخطي أية عقبة سياسية تظهر أو ستظهر في المستقبل على شكل اختلاف الرؤى حول مجريات الاحداث والعلاقة مع القوى، ومنها التحالف الأمريكي مع قوات سوريا الديمقراطية، ستستمر كما كان في عهد أوباما.

في النتيجة لا تغير جذري في السياسة الامريكية الخارجية وما أقوال ترامب بخصوص العديد من القضايا التي تخص المنطقة إلا بالونات اختبار للضغط.

3

التعليقات مغلقة.