هل ستنطلق الشخصية الكردية الحرة من جديد لتقود الشرق؟

172

16144860_1533366516678189_443032853_nلقمان أحمي

إن تاريخ الشعب الكردي، الممتد من تاريخ أسلافه، حوالي الألف العاشر قبل الميلاد، كالإيلاميين والگوتيين والسومريين والسوباريين والنائريين والهوريين و الميتانيين و الاوراراتيين وغيرهم، إلى أن نصل إلى الميديين، مليء بالابتكارات والاختراعات كما هو مليء بالبناء والانتصارات، فمن الثورة الزراعية التي انبثقت من سفوح ووديان جبال زاگروس، التي أعطت البشرية آنذاك الأمان الغذائي، وأمنت لها بذلك الاستقرار في أماكنها، حيث أن البشر وحتى قبل اكتشاف الزراعة كانوا دائمي التنقل للبحث عن الغذاء، وما رافقت تلك الثورة الزراعية من اختراعات واكتشافات متعلقة بالزراعة وغيرها، مثل المطحنة اليدوية (دستار). والرمح والقوس واختراع العجلة (الدولاب)، وتدجين الحيوانات بدءا من الماعز الجبلي وليس انتهاءا بترويض الخيول، وثورة الإسكان بإنشاء القرى التي أخرجت الإنسان من السكن بالكهوف، كمملكة گوندانا، هذه الحضارة التي امتدت رويدا رويدا إلى السهول، والتي تطورت وأسست المدن أو ممالك المدن كما في سومر، هذه المدنية، نسبة للمدينة، التي اكتشفت فيها الكتابة.

هذه الجغرافية الغنية بالغابات والمياه والظروف المناخية المؤاتية للزراعة، (حيث كانت المناطق التي تقع شمالي كردستان كقفقاسيا والبلقان واوروبا باردة جدا بل مغطاة بالجليد في تلك الأزمنة، والمناطق التي تقع جنوبي كردستان وشرقها وجنوب غربها مناطق ذات مياه نادرة إن لم نقل صحراوية)، واكتشاف المعادن في جبالها كثروة اقتصادية.

 أصبحت جغرافية كردستان تتعرض لغزو الأقوام الساكنين على أطرافها، وظل أسلاف الكرد يدافعون عن موطنهم، واستمرت هذه المحاولات منذ ذلك الوقت وإلى الآن، (منذ الألف الثامن قبل الميلاد وإلى الآن).

ظل أسلاف الشعب الكردي منذ ذلك الزمن الموغل بالقدم يبني ويطور، وكلما تقدم كلما أصبح معرضا لأطماع الأقوام المجاورة، وكلما أصبح جزءا من وطنه تحت الاحتلال الأجنبي أو تعرض نظامه المدني إلى التخريب نتيجة الاحتلال، لم يلبث أن ينهض من جديد للبناء والتطوير فعلى سبيل المثال امتدت الإمبراطورية الهورية الميتانية، الألف الثاني والألف الأول قبل الميلاد، والتي كانت عاصمتها أوركيش (كري موزا اليوم) جنوبا حتى حدود فلسطين اليوم، وكانت في حروب مع الفراعنة وكذلك تعقد معهم المعاهدات، وشمالا حتى البحر الأسود، وشرقا حتى أفغانستان اليوم، ومن الجنوب الغربي حتى خليج هرمز.

كما أن الإمبراطورية الميدية لم تكن أقل تمددا وتحكما، بعد قضائها على الدولة الآشورية، ولكن ومع تعرض الإمبراطورية الميدية لغزو الفرس ذلك القوم الآتي من الصحراء الواقعة في جنوب شرق كردستان، وبمساعدة الطابور الخامس، ذلك الطابور الذي قاده أحد قادة الإمبراطورية المسمى هارباك (هرباكوس) حيث كان ذلك الغزو بداية افول نجم قيادة الشعب الكردي لمنطقة الشرق الأوسط، هذا الشعب الذي استطاع أن يحكم مناطق شاسعة، عدا الجغرافية المعروفة بكردستان اليوم، ومنذ ذلك التاريخ، تاريخ سقوط الامبراطورية الميدية في سنة 550 قبل الميلاد، التي كان يقودها الامبراطور آستياك، والذي قال لذلك الخائن هارباك بما معناه، بما أنك خنتنا يا هارباك لماذا لم تصبح أنت الملك، لماذا سلمتها للفرس، وبذلك تكون قد جعلت من الميديين السادة الأحرار عبيدا، ومن الفرس أسيادا.

منذ ذلك الوقت بدأت الشخصية الكردية تتبدل شيئا فشيئا فمن الشخصية القائدة إلى الشخصية الرديفة، فإلى شخصية في الظل إلى أن وصلت إلى الحالة التي تعمل كل شيء، ولكن ليس في خدمة وطنها بل في خدمة الآخرين وبناء أوطان للآخرين، ومع مرور الزمن أصبحت تلك الصفات تترسخ في الثقافة الشعبية، وأصبحت تقبل بالأدوار الثانوية، وإن بقيت ثقافة المقاومة في بعض الزوايا التي لم تصل إليها ثقافة الهزيمة، أو لم تستطع ثقافة الأعداء إنهاء ثقافة المقاومة والشخصية الرائدة، ومع تعرض كردستان إلى غزوات المقدونيين برزت للسطح تلك الثقافة المقاومة حتى أن جيوش إسكندر المكدوني هزمت لأول مرة منذ غزوها الشرق هزمت في كردستان، ولكن ذلك لم يؤدي إلى بناء كيان سياسي.

فمنذ تلك الخيانة المريعة التي قام بها هرباك ضد ميديا، عمل الفرس كل ما في وسعهم لتبقى الشخصية الكردية في الدرجة الثانية وشيئا فشيئا وصلوا إلى ماكان يريدونه، ولكن مع سقوط الدولة البارثية على يد المكدونيين عام 333 قبل الميلاد، وتقاسم قادة الاسكندر المكدوني بعد وفاته أراضي الإمبراطورية، استطاعت الشخصية الكردية ثانية النهوض وتأسيس الدولة الساسانية، في بدايات القرن الثاني للميلاد والتي تقاسمت العالم القديم مع الدولة البيزنطية، إلى حين مجيء الدولة العربية الإسلامية وسيطرتها على أراضي الإمبراطورية الساسانية في بدايات القرن السابع الميلادي، بعد معارك عديدة، وبذلك سقطت بلاد الكرد مرة أخرى بعد مقاومات كبيرة لذلك الغزو. قبل أن يعيد السلطان الكردي صلاح الدين الأيوبي من جديد، راية قيادة الشرق الأوسط وقيام الكرد بالدور القيادي وتأسيس الدولة الأيوبية في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي، إلى حين سقوطها على يد المغول منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، ومنذ ذلك الوقت لم تستطع الشخصية الكردية من الانطلاق بذلك الحجم وإن أسست إمارات وممالك هنا وهناك على مناطق مختلفة من وطنه كردستان.

  والغاية من هذا العرض الموجز لنبين وبشكل مختصر جدا، كيف أن الاحتلال الأجنبي لوطن الشعب الكردي كردستان، قد عمل على تغيير الشخصية الكردية من شخصية مبتكرة وقائدة في جميع المجالات، إلى جعله شخصية من الدرجة الثانية، ومن ثم إلى شخصية دونية وتابعة للمحتل، وتنفيذ رغبات المحتل، والايحاء بأنه أي الشخصية الكردية، لا تستطيع فعل شيء بدون أن يكون هناك من يسانده من المحتلين لوطنه في الأجزاء الأربعة، هذا المحتل الذي يعمل ليل نهار من أجل أن يكون هذا الشعب مفتتا، إن لم يكن عن طرق الاقتتال العسكري فعن طريق التفتت السياسي.

   لكن في روجآفاي كردستان ومنذ ثورة 19 تموز 2012 م. استطاعت القوى الثورية الكردية والشعب الكردي المناضل من تجاوز حالة الشخصية الدونية بنجاح، وحررت أغلب مناطقها بقواها الذاتية دون الاعتماد على الغير، وأسست إدارات ذاتية تضم الكرد والعرب والسريان، وقد تبنت في الآونة الأخيرة مشروعا فدراليا، وأصبحت هذه القوى الثورية اليوم تقود الثورة ليست في روجآفاي كردستان فقط، وإنما في مساحات شاسعة من الشمال السوري ضد القوى الإرهابية والنظام المستبد وضد المحتل التركي.

كما نلاحظ أن المحتلين لأجزاء كردستان الأربعة لا يألون جهدا عن طريق الجماعات المرتبطة بهم، لتشويه الإنجازات التي حققتها القوى الثورية الكردية تارة، والتشويش عليها تارة أخرى عن طريق طرح مشاريع موازية لاتستطيع هذه الجماعات تنفيذ شيئا منها على أرض الواقع.

كما أن القوى الثورية الكردية قد تبنت في الآونة الأخيرة خارطة طريق لحل الأزمة السورية.

فهل ستتمكن الشخصية الكردية الحرة والثورية من قيادة الثورة السورية وتنطلق لقيادة الشرق الأوسط وبنائه على أسس الديمقراطية والحرية من جديد.

أم ستكتفي بقيادة مناطقها والاكتفاء بها هذا ما سيثبته المستقبل القريب.

نشرت هذه المقالة في العدد 57 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/1/2017

16118034_1532446543436853_1751128725_n

التعليقات مغلقة.