حول مفهوم الحوار وجدواه..ما جرى في حميم (نموذجاً)

26
%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%85%d8%af-1
عبدالصمد خلف برو

بداية لا بدّ عند إجراء أيّ حوار جاد ومسؤول من توفر شروطه الذاتية والموضوعية، والتي تتلخص: في الاعتراف المتبادل بين المتحاورين، والمصداقية والثقة المتبادلة والشفافية والوضوح في طرح المواضيع وتبيان الهدف والغاية من الحوار، إضافة لتوفير المناخات والضمانات للالتزام بمخرجات الحوار ونتائجه، فضلاً عن تحديد ومعرفة مستوى التمثيل ومشروعيته خاصة فيما يتعلّق بالقضايا المصيرية.

لقد درجت العادة في الحوارات أنّها تكون من أجل الوصول لـ (حل) كإطار ناظم لنضالات القوى والتيارات المختلفة، انطلاقاً من قناعة تامّة بضرورة المساهمة في تجاوز الخلافات، وتوفير الشروط وخلق المناخات المناسبة لإعادة الثقة، والخروج من الأزمة، وذلك بإعادة الحقوق المشروعة لأصحابها وفق الشرعية الدستورية بدلاً من فرض (الشرعية ) الثورية الانقلابية ( بالقوة )، ولأن المصلحة العامة تفترض الوقوف بمسؤولية أمام تعقيدات الحاضر، وصعوباته الداخلية والخارجية وهذا لا يتمّ إلا في إطار من التنسيق والتكامل والتعاون المتبادل بين الفصائل والأطراف كافّة مع ضرورة إبداء الدبلوماسية لمواصلة الحوار، بهدف إزالة العقبات وعدم التفريط بالحقوق، وللخروج من الأفق المسدود للحوار لابدّ من أن يقتنع كلّ بحقوق الآخر ويقف عندها بمسؤولية، وبما أننا نحن الكرد نعيش صراعا وجوديا، وهو في جوهره صراع سياسي يستخدم فيه البعض كلّ الأسلحة الصدئة في محاولة يائسة لوقف عجلة التاريخ، متمترسين خلف رؤى تجاوزتها المرحلة، ويرتكبون أبشع الجرائم في سبيل ذلك، في الوقت الذي يشهد فيه العالم قوانين جديدة وعادلة دوليّة(مفترضة) تتخطى الحدود المحليّة، وهذه تستدعي منا الحوار، أولاً بين الأحزاب والفصائل والتيارات الكردية وصولاً إلى توحيد المواقف حول القضايا الاستراتيجيّة الوطنية منها والقومية، من أجل التقارب، وبما يخدم تعزيز المصلحة الكردية والبحث عن القواسم المشتركة والارتقاء إلى مستوى عدالة القضية الكردية ووضع استراتيجية سياسية ونضالية موحدة ومسؤولة تعزيزا لمبدأ الشراكة الحقيقية بعيدا عن السعي لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة لأننا نخوض معركة وجود، معركة نكون أو لا نكون، هذا بدل المجادلة على طريقة فقهاء بيزنطة بينما قبضة الحصار تشتدّ من حولنا لأنّ الواقع المعاش راهنا غير تصوراتنا عنه، لذا علينا الخروج من حالة ( اليوتوبيا ) حيال واقع يسود فيه سيادة منطق القوة كما وصفها د. فؤاد ذكريا: ( ما بين الحكم العسكري والتطرف الديني ليس إلّا شعرة، ففي الحالتين تجد تفكيرا سلطويا وطاعة عمياء واعتقادا بامتلاك الحقيقة المطلقة ورفضا للرأي الأخر بل معاملته على أنه خيانة وكفر، وفي الحالتين تسود القوة على المنطق )، لذلك ونتيجة هذا الوضع المتردي للحركة الكردية في كردستان سوريا وما تعانيه من تشتت وانقسام، مما دفع بالبعض من أحزاب الحركة الكردية إلى انتهاز الفرصة والرقص على أنغام الجوقة المحيطة بالنظام للذهاب إلى (حميميم)، بدعوة من الحاكم العسكري الجنرال الروسي (الكسندر تيبكوف) دون توفر أيّا من شروط ومستلزمات الحوار آنفة الذكر، سواء ما يتعلق بزمان ومكان الحوار وبالتزامن مع ما يجري في حلب من تدمير وارتكاب جرائم بشعة، أو بطريقة الدعوة وما احتوت من مزاجية وانتقائية من جهة طالما استخدمت (الفيتو) لتعطيل القرارات الدولية ذات الصلة والهادفة إلى وضع حد لجرائم النظام وحلفائه بحق المدنيين، والانتقال لحل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري، فضلا عن أنّ المصالحة الكردية المزعومة مكانها ليست في حميميم وإنّما بين الكرد أنفسهم وفي مناطقهم وبرعاية كردستانية وضمانات قوى دولية محايدة، ومن ثم الاتفاق على مشروع رؤية كردية موحدة حول مستقبل وشكل الدولة السورية وحلّ القضية الكردية وفق العهود والمواثيق الدولية.

أن نقد هذه الهرولة وبهذا المستوى من التمثيل إنما نبغي من خلاله توحيد الموقف والصف الكردي أولا، ورفع سقف المطالب ومستوى التمثيل ثانيا، وهذا لا يعني بالمطلق رفض الحوار من حيث المبدأ وإنّما شكل وطريقة الدعوة وهذا الموقف لا ينفي أهمية ودور روسيا الاتحادية كدولة عظمى في المنطقة وتأثيرها المباشر على النظام في سوريا مع معرفتنا لمستوى التفاهمات والتسويات بينها وبين أمريكا حول الأزمة السورية، كما لا ننسى اللقاءات الرسمية العديدة التي جرت بين ممثلي الأحزاب الكردية والحكومة الروسية وعلى مستويات رفيعة في موسكو، تمّ خلالها إبداء الآراء ووجهات النظر حول مجمل القضايا المطروحة وسبل حلها سياسيا، وان تباينت المواقف وليس بالطريقة التي تمّت مؤخرا في حميميم على شكل فرض إملاءات من قائد عسكري منتصر على طرف لا ندري أنكتب لهم أم نكتب عنهم حول ما جرى، مع إدراكنا ووعينا لطبيعة المرحلة الانتقالية التي نمرّ فيها وما تشهده من مخاض عسير وتشوهات تقضي إلى تموضعات وتباينات مثيرة وأعراض مرضيّة متنوعة قبل الولادة الجديدة التي بذلت كل هذه التضحيات الجسام من أجلها، حيث بتنا على عتبة عصر تغيير الخرائط الإقصائية المتجاهلة للآخر، والتي رسمتها المؤسسات الاستخباراتية، وهذا كان جوهر الخطأ الكولونيالي الأوربي التاريخي في تهميش الكثير من الشعوب والأقوام والثقافات على مدى قرن من الزمان، لكن هيهات للاستبداد والشمولية إلغاء التاريخ والقضاء على إرادة الحياة لدى الشعوب.

 

نشرت هذه المقالة في العدد 56 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/1/20173696

التعليقات مغلقة.